icon
التغطية الحية

في التطور والخراب.. البشر إذ يدخلون موسوعة غينس للأرقام القياسية

2023.01.27 | 17:05 دمشق

الأرض
+A
حجم الخط
-A

لن يُنسى تاريخ الخامس عشر من تشرين الثاني 2022 بسهولة، لأنه اليوم الذي أكملت فيه البشرية تعداد 8 مليارات نسمة. ولا يسعنا في الوقت الحالي تحديد فيما إذا كان ذلك إنجازًا يُحسب للبشرية أمْ مصيبةً جديدة ارتكبها البشر بحقّ أنفسهم وبحقّ كوكبهم.

تقدّر الأمم المتّحدة أن عدد سكّان الأرض عندما وُلِد السيد المسيح كان نحو 300 مليون نسمة، ووقتها كان متوسّط العمر المتوقّع لا يتجاوز الثلاثين عامًا. وفي العصور الإسلامية زاد عدد سكان الأرض 10 ملايين نسمة فقط ليصل إلى 310 مليون بالرغم من ارتفاع معدّل العمر المتوقّع إلى 35 سنة.

ومنذ 5 قرون، وصل عدد سكان الأرض إلى 500 مليون نسمة، ولم يصل إلى مليار نسمة حتى بداية القرن التاسع عشر. أي أنه استغرق 400 سنة ليتضاعف، لكنّه ما لبث أن تضاعف مرّة أخرى بعد قرن ونيّف حين وصل عدد السكان إلى ملياري نسمة في عشرينيات القرن العشرين، وخلال المئة عام التالية تضاعف عدد السكان مرتين جديدتين ليصل اليوم إلى ثمانية مليارات.

لماذا يجب الاحتفاء بالوصول إلى 8 مليارات؟

إنّ زيادة وتيرة تضاعف عدد السكان رغم أنّ كل مضاعفة جديدة تضيف المليارات وليس الملايين كما كان في غابر العصور، سببها هو أنّ الزيادة أُسّية وليست خطّية، وهذا المبدأ في الرياضيات تستخدمه الخلايا الحية في الانقسامات الخلوية أثناء النمو بحيث يرتفع عدد خلايا الجنين من خلية واحدة إلى مليارات الخلايا خلال عدة أيام فقط.

يُعدّ هذا الرقم إنجازًا للبشرية لأنّه يعود بالدرجة الأولى للتقدّم العلمي والتطوّر الطبّي والتقني الذي أبدعه البشر حيث ابتكروا اللقاحات وطوّروا الأدوية، ما قلّل من وفيات الأطفال ورفع معدّل الأعمار ووصول عدد أكبر من البشر إلى سنّ الزواج والإنجاب. كذلك فإنّ تطوّر وسائل الزراعة والريّ أمّن المزيد من الطعام والماء للناس وحقّق لهم الأمن الغذائي.

لم تعد الإنفلونزا اليوم وباءً يفتك بربع البشرية مثلًا، ولم تعد موجة برد أو حرّ تقضي على مئات الآلاف من الناس، ولم تعد حتى البراكين والزلازل والأعاصير المفاجئة تبيد حضارات بأكملها بفضل التنبؤات بالطقس، بل والتحكم به أيضًا، بفضل أنظمة الإنذار والإخلاء المبكّر.

كل ما سبق وغيره الكثير كان بفضل العقل البشري المتطوّر الذي لا يقف عن التطوّر، وبذا يحقّ للبشر أن يفخروا بأنّهم وصلوا لـ8 مليارات إنسان.

لماذا يُعدّ الوصول إلى 8 مليارات مصيبة جديدة؟

بالمقابل، لم تكن الإنجازات السالفة مجّانية. فقد دفع كوكبنا ثمنًا غاليًا كي ينعم البشر بخيراته، إذ لم يبقَ شبر من سطح الأرض، اليابس والمائي والجليدي، إلا ودنّسه البشر إما بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. فقد أغرق البشر الكوكب بالنفايات السائلة والصلبة في مياهه ونفثوا أبخرتهم وأدخنتهم في غلافه الجوّي، ودفنوا فضلاتهم النووية تحت ترابه. ولم يكفهم كوكب الأرض فحسب، فنثروا حطام مركباتهم وأقمارهم الاصطناعية حوله أيضًا!

في دول الاقتصاد الكبرى (الصين والولايات المتحدة)، ستزداد قساوة الصحارى والمناطق القاحلة فيها، بينما ستنعم المناطق الباردة ببعض الدفء لتعوّض الخسارة في الجنوب، وبذلك يرجَّح بأنها لن تتأثر بالاحتباس الحراري كباقي المناطق والدول!

تسبّب البشر في انقراض عددٍ لا حصر له من الحيوانات والنباتات، ورفعوا درجة حرارة الأرض بشكلٍ غير مسبوق. ولمعالجة ما اقترفت أيديهم عقدوا الاجتماعات والمؤتمرات التي سيّروا من أجلها أساطيل الطائرات لتقلّ الرؤساء والصحفيين، لتزيد بذلك كمية التلوث للهواء والماء والتراب.

لماذا لا يتعامل البشر بجدّية مع الاحتباس الحراري؟

بالرغم من العدد الهائل للمصائب التي تسبّب بها البشر إلا أنّ الاحتباس الحراري يُعدّ الأبرز بينها وهو الظاهرة التي لا يمكن عكسها أو إيقافها إلا بجهود جميع البشر بدون استثناء، هذا إن امتلكوا الإرادة لذلك.

صحيح أنّ سكان كلّ الدول اشتركوا في هذه الجريمة، إلا أنّ الدول الصناعية الكبرى هي المتسبّب الرئيس في التلوّث المؤدّي للاحتباس الحراري، والعبء الأكبر في إصلاح الأمر يقع على كاهلها، وهذه الدول تقع غالبيتها في الجزء الشمالي من الأرض، وهذا هو سرّ الأمر برمّته.

فدول الشمال تعاني من انخفاض درجات الحرارة لمعظم أيام السنة، وهذا بدوره يتسبّب في أعباء اقتصادية كبيرة من أجل التدفئة أولًا وفي انخفاض الإنتاجية بسبب تراكم الثلوج وصعوبة الحركة في المناخ شديد البرودة.

إنّ ارتفاع حرارة كوكب الأرض بمعدل درجتين، سيسرّع من نمو عدد السكان في روسيا وكندا بنسبة 1.5 بالمئة، وسيزيد من الإنتاج الزراعي فيهما لانحسار الجليد عن مساحات شاسعة من الأراضي وظهور أنهار عذبة. وستستفيد دول أوروبا -باستثناء هولندا التي ستختفي- هي الأخرى لأسباب مشابهة، حيث ستنخفض فاتورة الطاقة عليها وسيصبح جوّها أكثر دفئًا.

أما في دول الاقتصاد الكبرى (الصين والولايات المتحدة مثلاً) فإنّ مساحتها الشاسعة ستتعرض للنقيضين، حيث ستزداد قساوة الصحارى والمناطق القاحلة، بينما ستنعم المناطق الباردة ببعض الدفء وتعوّض الخسارة في الجنوب، وبذلك يرجَّح بأنها لن تتأثر. بينما ستتأثر دول أخرى كبيرة مثل البرازيل والهند وعدة دول أفريقية بشكلٍ سلبي كبير.

في المحصلة، فإنّ الدول القوية صاحبة اليد الطولى في المشكلة، إما لن تتأثر سلبًا بالتغيّر المناخي أو سيكون تأثّرها بشكلٍ إيجابي، زد على ذلك أنّها تحصل في الوقت الحاضر على عائداتٍ مباشرة من النشاطات الصناعية المتسببة في التغير المناخي، فما الذي سيجبرها على الكفّ عن تصرفاتها القاتلة بحق الكوكب؟

هل سيردّ الكوكب على البشر؟

يتوقّع البعض أنّ نهاية البشر ستكون بسبب سوء استخدامهم للطاقة النووية، حيث ستندلع حرب نووية تفنيهم جميعًا. بينما يتوقع آخرون أنّ جيلًا متطورًا من الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيحكم قبضته على البشر ويستعبدهم وصولًا إلى إفنائهم. ولكن، قد يكون للطبيعة رأيٌ آخر في المسألة.

إنّ الكوكب مهما كان كبيرًا وعظيمًا إلا أنّه نظامٌ مغلق تقريبًا؛ أي إنّ قدراته محدودة، فلو بقيت زيادة البشر بالمعدّل الحالي فإنّهم بعد بضعة مئات من السنين يجب أن يصطفوا بجانب بعضهم البعض كما يجلسون في الحافلة كي يسعهم سطح الكوكب، فكيف سيأكلون ويشربون ويتنفسون!

يبدو أن الكوكب سيدخل في دورة حياة تشبه الدورة التي حددها ابن خلدون في مقدّمته لحياة الدول، فكوكبنا الآن في مرحلة الرخاء التي تفرز رجالًا ضعفاء، وسيفنى البشر ذاتيًا بسبب نقص الموارد حيث سيزداد عددهم إلى النقطة الحرجة التي لن يستطيع الكوكب بعدها إطعامهم وحمايتهم، ثمّ تؤدي المجاعات والأوبئة إلى إنقاص أعداد الكثيرين منهم، وبعدها سينعم الناجون بجميع خيرات الكوكب، ليعيدوا الكرّة ويتكاثروا في دورةٍ مليارية جديدة.