في إيران.. آخر الطب الكيّ

2022.12.02 | 06:21 دمشق

في إيران.. آخر الطب الكيّ
+A
حجم الخط
-A

تتهوّر إيران من جديد في إطلاق تهديداتها بهجمة وشيكة ستشنّها على المواقع الحيوية في المملكة العربية السعودية. ويتشدّق الإيرانيون باستعلاء وغباء شديدين  بأن هجماتهم قد تطول أيضاً القوات الأميركية في المملكة أو في العراق، كما يتوعّدون. الرد الأميركي جاء سريعاً ومباشراً إثر تبادل المعلومات الدقيقة بهذا الشأن بين الرياض وواشنطن.

فقد جاءت جولة القاذفتين الأميركيتين من طراز B-52، حين حلقتا في أجواء الشرق الأوسط في نهاية هذا الأسبوع لتكون بمثابة رسالة واضحة وحاسمة لإيران، بينما يواصل المسؤولون الأميركيون والسعوديون مراقبة هذا الانتهاك الخطير الذي تمثّله تصريحات غير مسؤولة من حكوميين وعسكريين في إيران، ويرصدون بدقة واستعداد كامل كم ستتمكن طهران من التمادي في سعيها لزعزعة الاستقرار في المنطقة وسعيها لمواجهة واشنطن على أرض طرف ثالث!

التهديدات الإيرانية الأخيرة للمملكة تأتي نتيجة اعتقاد موهوم لدى حكومة طهران بأن السعودية تقف وراء الاحتجاجات الشعبية التي عمّت مدن إيران

تحاول الميليشيات الإيرانية - أو تلك المشتقّة عنها في العراق وسوريا واليمن - أن تستهدف القوات الأميركية وحلفاءها أينما تسنى لها ذلك. كان آخر هجماتها في شهر أغسطس/آب الفائت في شمال سوريا، ما  أدى إلى ضربات جوية أميركية مقابلة رداً على الهجوم. وأفاد الجيش الأميركي في حينها بأن جندياً  أميركياً واحداً على الأقل أصيب بجروح طفيفة، في حين قُتل ما يصل إلى ثلاثة من المسلحين من عناصر الميليشيات المدعومة سلاحاً وتدريباً من إيران.

التهديدات الإيرانية الأخيرة للمملكة تأتي نتيجة اعتقاد موهوم لدى حكومة طهران بأن السعودية تقف وراء الاحتجاجات الشعبية التي عمّت مدن إيران الكبرى والصغرى، دون الالتفات إلى الأسباب الرئيسة لهذه الاحتجاجات التي اتسمت بالطابع السلمي والشبابي، وقد غلب فيها صوت نساء إيران ومطالبهن الواضحة بالحرية والعدالة الاجتماعية.

يتعامى من يديرون دفة الجحيم الإيراني عن حقيقة سافرة مفادها أن هذا الخروج الشعبي الكبير في شوارع المدن ومؤسساتها وجامعاتها، إنما ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. كما أنهم يقفون في دائرة الإنكار المغلقة على نفسها في معاينة أسباب هذا الخروج المتعاظم، والذي يتعلّق مباشرة بحالة القمع الشديد التي يخضع لها المواطن الإيراني، والتي تضاف إلى حزمة من معاناته اليومية في الحصول على لقمة العيش، والتضييق على الحريات الفردية، والحواجز أمام مزاولة الحق الإنساني الطبيعي في اختيار أسلوب الحياة المناسب له ولأفراد أسرته دونما قسر أو تدخل من دولته وأجهزتها الأمنية.

يتعامى من يديرون دفّة ذاك الجحيم عن أن الصاعق الذي أطلق نيران الاحتجاجات إنما هو حال الاستبداد والعنف المبالغ الذي يمارسه "حرس الثورة" على المدنيين، دون مراعاة لحقوق البشر في الدفاع عن كرامتهم التي هي سبب وجودي يرتبط بالحياة الإنسانية أصلاً.

الاحتجاجات جاءت كالقشة التي قسمت الظهر، وذلك إثر مقتل الشابة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، على يد قوات الشرطة التي اعتقلتها من الشارع العام بزعم انتهاكها تعليمات لباس المرأة بصيغته الخمينية الصارمة المفروضة على النساء دون اختيارهن في إيران، وبحجة عدم إخفائها خصلة من شعرها  كانت تظهر لعيون الحرس الثوري من تحت غطاء الرأس الأسود.

قد يكون هناك افتراق بين مقتل الشابتين في زمن الحدث الأليم، إلا أن المكان واحد والقاتل واحد أيضاً. إنه خط متصل من العنف المباشر والقمع الوحشي

قواعد لعبة الاضطهاد وإلغاء كل صوت يتجرأ على "مانيفستو" ملالي طهران الوضعي، لم تختلف منذ أن وصل الخميني إلى الحكم في طهران، وبتمكين فرنسي في حينها. ومشهد الشهيدة الإيرانية ندى سلطان، التي سقطت على إسفلت الشارع مضرجة بدمائها إثر إصابة مباشرة من بندقية قناص كانت تتربص للمتظاهرين السلميين في طهران في العام 2009 خلال أحداث ثورة إيران الخضراء، وحتى تاريخ استشهاد مهسا في العام 2022، لم يتغيّر البتة.

قد يكون هناك افتراق بين مقتل الشابتين في زمن الحدث الأليم، إلا أن المكان واحد والقاتل واحد أيضاً. إنه خط متصل من العنف المباشر والقمع الوحشي لكل صوت حر ينادي بالإصلاح السياسي في أروقة الحكم السوداء التي يديرها منذ عقود متطرفون يخفون نزعتهم التسلطية المستبدّة  تحت نقاب الدين والشريعة، وهما منهم براء.

وبينما يحاول حكّام طهران إخفاء عورة فشلهم الداخلي في إدارة أزمات البلاد وحتمية إحقاق العدالة وصون الحق الإنساني للشعب الثائر عن بكرة أبيه، يلجؤون إلى الاستقواء على دول الجوار والتهديد بإغراق المنطقة بأسرها في دوامة الحروب المتنقلة التي جنّدوا لها ميليشياتهم العابرة للحدود/ الخارجة على القانون.

أما الولايات المتحدة، فتسعى جاهدة، وبكل الوسائل المتاحة، سياسية كانت أم عسكرية، لاحتواء التغوّل الإيراني الذي تجاوز كل الحدود، وأن ترسل رسالتها المباشرة على متن القاذفات العملاقة B-52 بأن اليد التي ستتطاول على الأمن القومي الأميركي، أو أمن الحلفاء، هي يد آن أوان ليّها أو حتى بترها حين يكون آخر الطب هو الكيّ.