icon
التغطية الحية

فيلم "هو وهي".. عن الصُدف التي يمكن أن تغير مساراتنا

2023.09.22 | 17:09 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2023 | 17:09 دمشق

فيلم (هو وهي).. عن الصُدف التي يمكن أن تغير مساراتنا
قصة الفيلم مقتبسة من حادثة حقيقية وقعت عام 1989 في أميركا
+A
حجم الخط
-A

لطالما قدمت السينما المستقلة في الولايات المتحدة، العديد من الأسماء التي لمعت لاحقا في صناعة السينما على مستوى الإخراج والتمثيل والسيناريو. وهي سينما تغرّد عادة بعيدا عن معايير "هوليوود" والأساليب الفنية المُكرّسة لروادها، بتناولها تفاصيل الحياة اليومية الأميركية بطريقة أكثر بساطة ووضوح وواقعية "غالب الأحيان"؛ وسط طابع فني يغلب عليه التجريب في الإخراج والتصوير بشكل رئيس.

مؤخرا، قدم الممثل والكاتب والمخرج آيس مروزك Íce Mrozek، بعد سنوات من العمل المسرحي، فيلمه الروائي الطويل الأول "هو وهي" About him & her 2023، عن قصة مقتبسة من حادثة حقيقية في عام 1989 في أميركا.

فكرة الفيلم بسيطة جدا، وهي تشابك خطوط الهاتف الأرضي، التي كانت تحصل في مرات عدة "حتى في حياتنا اليومية في سوريا مثلا"، فتتداخل الأصوات لتحيلنا إلى جهازي الهاتف الخاص بكل من كالان ماكوليف Callan McAuliffe في شيكاغو، وكريستينا سبرويل Cristina Spruell في ميشيغان.

شخصيات الفيلم ترد دون ذكر أسماء "مع ظهورهما القليل، وغالبا عن طريق الصوت فقط"، وضمنا الشاب والفتاة، الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم؛ اللذين سنطلق عليهما اسم "هو" و"هي".

قد يتبادر إلى الذهن سؤال عن الجديد الذي يمكن أن يقدمه فيلم، قد يحمل في فكرته تشابها مع أفلام سابقة، بل ويحضر إلى الذاكرة هنا الفيلم الشهير "الأرق في سياتل" Sleepless in Seattle 1993. لكن الفيلم الذي نراه اليوم، يفترق في نقاط كثير في مساره الدرامي، وحتى في مقولته الرئيسة التي أراد إيصالها المخرج.

تتصادف حادثة تشابك الاتصالات مع شخصيتين تعانيان من ثقل الهزيمة والفشل والفقد أيضا، مع كل الروح الإبداعية لكل منهما؛ وهو ربما ما جعل كل منهما يستمران في الإنصات لصوت الآخر، طالما أن كل هاتف هو نقطة بيضاء غير معروفة لكليهما.

يتداخل صوت موظفة شركة الهاتف، الذي سوف يُفصل، مع كالان، مع صوت سكرتيرة الطبيب، وحجز موعد لديه، عند كريستينا "سنتوقع أنه معالج نفسي لاحقا"، ويتم تركهما ليستفسرا عن حال التشابك في الشبكة الهاتفية. وربما لحسن الحظ أو "لمحاسن الصدف" سيبدأ الشاب والفتاة محادثة تمتد عبر يوم كامل، نعرف منها الهواجس الخاصة بكل منهما.

تتطور الأحاديث وتتشعب، ليبدأ ما يمكن أن نوصّفه بـ "الاعتراف" أو الرغبة بمكاشفة الذات عن طريق البوح بما يدور من أفكار لدى كل منهما، لا يجرؤان "كما يذكران في الفيلم" على قوله بصوت عال. وهو ما يجعلنا نحاول تفسير الاستمرار بتلك المكالمة، إذ تبدو "المكالمة" وكأنها قامت بتلبية "مصلحة" لكل منهما، وهو ما يبرر عدم إغلاق الهاتف من أي منهما؛ بل والاستمرار في حديث عميق فرضته "ربما" شروط "الجهل" بالأخر، واعتباره "كرسيًا" للاعتراف بطريقة ما، وإظهارا للهشاشة والضعف في شخصية كل منهما.

وإلى منتصف الشريط السينمائي زمنيًا، لن نرى وجه الشخصيتين، وإنما أحاديث متواصلة تصبح أكثر عمقا ومكاشفة، تدعمها إدارة متقنة للتصوير، عن طريق لقطات قريبة لملامح غير واضحة للشخصيتين، وإضاءة تقصّدت إظهار تفاصيل الازدحام في بيت كل منهما وسط ألوان قاتمة، لجعلنا نترقب ونتوقع مسارا دراميا لنهاية تلك المحادثة.

كل ذلك، أعطى للقسم الأول من الفيلم لمسة رومانسية حالمة "لطالما افتقدناها بشكل واضح مؤخرا في الأعمال السينمائية"، دون أن يقع الفيلم في مطب "الملل"، تاركا المساحة لتخيّل شكل كل منهما وتاريخه الشخصي الحافل بالخيبات. وقبل أن يقترحا اللقاء في اليوم التالي، سوف تكون تلك المكالمة وكأنها فعل اكتشاف للذات، وسط مشاعر من الندم والشعور بالذنب.

خلال ترتيب موعد اللقاء بينهما، سوف ينتقل المخرج إلى التقليل من مناخ "الرومانسية" الطاغي في النصف الأول. فيلتقيان وسط شرط عدم رؤية بعضهما، لنتابع حتى نهاية الفيلم ذلك التناغم بينهما في غرفة في أحد الفنادق، دون أن يقع المخرج في "ابتذال" النمط المعهود لتلك اللقاءات. إذ يخشى كليهما فتح عينيه كيلا تؤدي الصورة الواقعية إلى إفساد ما تم تحقيقه من فعل يمكن نعته بـ "التحرري" من آثام الماضي وثقل الحاضر.

ينتهي الفيلم حين يحاول كل منهما البحث عن الآخر دون جدوى. ينتهي بتكريس تلك الصدفة التي بدأ فيها، فبينما هي تعود إلى الغرفة مقررة رؤيته، ينزل هو على السلم ليستقبلها من المصعد. وينتهي الفيلم بافتراق كل منهما، وكأن كل الذي حدث كان حلمًا أو رغبة بوجود شخص آخر يستطيع الاستماع إلى بوحنا في عالم يتناقص فيه سلوك التواصل الإنساني بشكل بات ملحوظًا.

ينحاز الفيلم إلى العلاقات التي تتجاوز الشكل والمظهر، انحياز إلى ضرورة استكشاف الذات، مغلّفًا كل ذلك بقصة حب غير متوقعة، تنتهي أيضا بشكل غير متوقع.

ومع ذلك، فإن الفيلم ليس مجرد قصة رومانسية، رغم أنه عاطفي بدرجة قوية وحقيقية دون إسفاف؛ بل يمكن لنا قراءته بأنه تنبيه لدخولنا في عجلة "النظام" اليومي؛ الذي لم يعد يسمح لتلك الصدف بأن تسهم في تغيير أو تعديل بعض مسارتنا اليومية، وربما الحياتية، من مثل "التأخر عن موعد محطة الحافلات، الوصول متأخرا بضعة دقائق عن موعد ما، تبادل حديث عابر".