icon
التغطية الحية

فيلم "راس براس".. أكشن وكوميديا ومدينة فاسدة تحتفظ بخصوصية المجتمع السعودي

2023.08.27 | 15:55 دمشق

آخر تحديث: 27.08.2023 | 16:14 دمشق

فيلم راس براس
لقطة من فيلم راس براس
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

يقدم المخرج مالك نجر والكاتب عبد العزيز المزيني في فيلم الأكشن والكوميديا "راس براس" (Head to Head) الذي عُرض على نتفليكس مطلع الشهر الجاري تجربة مختلفة عن شراكتهما الناجحة في سلسلة الرسوم المتحركة "محافظة مسامير"، فهما يشتركان في أنهما يصنعان أول عمل سينمائي واقعي، بعد اقتصار تجاربهم السابقة على أعمال الرسوم المتحركة.

لا يأخذ الفيلم فترة طويلة للدخول في قصته التي تؤدي إلى تعاون جميع الشخصيات مع بعضها البعض في النهاية، إذ إننا بعد نحو 20 دقيقة نجد أنفسنا في رحلة داخل أجواء ودهاليز "بذيخة". يفتتح الفيلم أولى مشاهده بعملية تبادل أشخاص بين مجموعتين مع خلفية لموسيقا الغرب الأميركي، بعدها ننتقل في لقطة فلاش باك لـ24 ساعة يتم فيها التقديم للشخصيات بطريقة متسلسلة، تكون في البداية مع درويش (عادل رضوان)، وهو شاب يعمل سائق في شركة "شوفير الشيوخ" للسيارات الخاصة، يتفق مع حبيبته لطيفة (آيدا القصي) على الهروب إلى بريطانيا للزواج، بسبب معارضة والدها لفكرة الزواج من شاب بسيط.

بعدها نشاهد فياض (عبد العزيز الشهري)، وهو ميكانيكي محتال ومدير الصيانة في شركة السيارات ذاتها، يبرم صفقة شراء سيارة من أحد الأشخاص، لكن فياض بطريقة غير متوقّعة يصبح الرئيس التنفيذي لشركة السيارات، تتسارع الأحداث بعدها عندما ينقل درويش عن طريق الخطأ أكبر مجرم متقاعد من المطار ويتم مطاردته من قبل عصابة المجرم، ويبدأ بعدها درويش وفياض رحلتهما في مهمة تضليل العصابة، الأمر الذي يؤدي إلى سلسلة مغامرات غير متوقعة.

تقريباً هذا المسار العام لحبكة "راس براس" التي تتداخل مع القصص الفرعية لإضافة المزيد من الشخصيات المنبوذة على القصة، وبأمر من زعيمها ولد الديمن (محمد القس) تبدأ العصابة رحلة البحث عن والده، الذي يعتقد أنه مختطف، وخلال هذه الرحلة يواجه درويش وفياض مجموعة من المواقف التي تقودهم إلى التعاون معاً للخروج من هذا المأزق، بينما تسعى عصابة ولد الديمن جاهدة للعثور على والده، عملية كر وفر يحاول فيها درويش وفياض الاحتفاظ بجثة الأب لمقايضتها على صاحب شركة "شوفير الشيوخ" المحتجز لدى العصابة.

توجد مجموعة من الأفلام لا تحتاج إلى بذل جهد فكري في أثناء مشاهدتها، وهي لا تتطلب التركيز الشديد لربط الأحداث أو فهم القصة، لأن الهدف من صناعتها هو الجانب الترفيهي فقط، وفيلم "راس براس" ينتمي إلى هذه الفئة من الأفلام. طبعاً هذا لا يعني أن "راس براس" فيلم سيء أو رديء، بل على العكس هو من الأفلام التي ينصح بمشاهدتها مع العائلة أو الأصدقاء، لأن أحداثه تمضي بوضوح وتسلسل، حتى في طريقة بناء الشخصيات الداعمة وإدخالها على الأحداث الرئيسية لا تحتاج إلى جهد كبير لفهم خلفيتها، يمكن القول إنه فيلم أكش وكوميديا سعودي عن قصة غربية، نذكر منها على سبيل المثال، نوع ولون الخط في الكتابات التعريفية التي تظهر إلى جانب الشخصيات التي كانت مشابهة لأعمال الغربي الأميركي.

بذيخة.. مدينة تشبه غوثام

من القصص التي ميزت "راس براس" كان ابتكار "بذيخة"، وهي مدينة فاسدة متخيّلة شبيهة بمدينة "غوثام" لكن دون صديقنا بروس وين (باتمان)، ويمكن إسقاط "بذيخة" أيضاً على "Sin City" (مدينة الخطيئة)، وكلا العملين مستوحيان من القصص المصوّرة. وفي "بذيخة" الكلمة الأولى والأخيرة لولد الديمن، الذي ورث حكمها عن والده، يتضح لنا حجم فساد المدينة التي يغيب عنها القانون من عمليات القتل، وبقع الدماء المتناثرة على جدران غرف الفندق المخصص للقتلة واللصوص. في "بذيخة" يغيب أيضاً رجال الشرطة والأمن، ويسجل هذا المسار تحولاً مهماً في الأعمال التلفزيونية والسينمائية السعودية التي أصبحت تفكر خارج القوالب الجاهزة، وأرى أن هذا الخيار الدرامي منح طاقم الفيلم حرية ومساحة أكبر في سرد القصة وبناء الشخصيات.

يترك "راس براس" انطباعاً عند الحديث عن الشخصيات النسائية بأنها تكاد تكون غائبة نهائياً حتى الدقيقة 68، حتى أن الشخصية النسائية الوحيدة، وأقصد لطيفة، تظهر فقط في أربعة مشاهد، ما يجعلنا نعتقد أن صُناع الفيلم اتخذوا خياراً بتهميش الشخصيات النسائية، وأن ظهور لطيفة في المشاهد القليلة الغرض منه إضفاء المزيد من الإثارة على حياة درويش. لكن هذا الانطباع يختفي تماماً عند التحول الدرامي في نهاية الفيلم، تتحول معها لطيفة من شخصية ثانوية يقتصر ظهورها على أنها حبيبة البطل إلى شخصية رئيسية تظهر الجانب السلطوي والقوي من شخصيتها، مع سطوة  لا تقهر تجعلها ترسم نهاية القصة في "بذيخة".

الأداء التمثيلي وتطور الشخصيات لا يقف عند شخصية لطيفة، حبيبة درويش وابنة الديمن، فهو يعمل مع شخصية درويش التي يتحول فيها من سائق سيارة بسيط إلى شخصية تواجه مخاوفها، يقدم رضوان والشهري أداء متابيناً، في بعض المشاهد نجدهما غير مقنعين لكنهما سرعان ما  يعودان إلى أجواء الفيلم. هناك أيضاً شخصية جديدة تدخل في منتصف الفيلم، وهي شخصية أبي غدرة (زياد العمري)، محتال يسكن في "بذيخة" يوصف بأنه "حصني على هيئة إنسان"، ومعه أيضاً خبير المتفجرات لقمان (هاشم هوساوي)، كلاهما تنتهي قصتهما مع درويش بتدخل لطيفة في اللحظات الأخيرة، صفعة واحدة منها على وجه لقمان تجعل الجميع يوافق على تنفيذ خطتها، وكلاهما كان أداؤهما مميزاً ولافتاً.

إلى جانب ذلك، تؤدي الخلفية الموسيقية التي اختارها ووضعها سليم عرجون دوراً رائعاً في الفيلم، منذ البداية مع مقدمة موسيقا الغرب الأميركي التي نسمعها في المشهد الافتتاحي، ثم الانتقال لاختيار مقطع قصير من أغنية "كوروبينيكي" بصوت الروسي إيفان سورزيكوف، ومن ثم دخول الموسيقا الخليجية على المشهد التالي. وهنا تجب الإشارة إلى أن توظيف أغنية "رئة ثالثة" بصوت نور عرجون منح مشهد انفصال درويش عن لطيفة مشاعر متناقضة تمزج بين الحب والخيانة، وهناك أغنية النهاية "أي لا" لنجمي الهيب هوب فلب ودافي التي تلخص قصة "راس براس" الغربية.

ومع ذلك، فإن "راس براس" يعاني من بعض الثغرات غير المبررة، منها على سبيل المثال، في المشاهد الأولى نرى فياض يتناول حبيبات الحلوى الصغيرة M&M، ما يجعلنا نظن أنها جزء من شخصية ميكانيكي محتال، لكن هذه الحبيبات تختفي بعد 20 الدقيقة الأولى، أيضاً يمكننا ذكر مشهد إطلاق النار الكثيف على سيارة درويش وفياض في أثناء عملية تبادل زعيم العصابة مع صاحب شركة "شوفير الشيوخ"، مباشرة في المشهد التالي نرى درويش وفياض يقفان أمام السيارة دون أن يصيبها عطب كبير رغم وابل الرصاص الذي تعرضت له.

لكن هناك بعض اللقطات أو الحوارات المصممة ضمن قوالب نتفليكس الهوليودية، منها مشهد النقاش بين درويش وفياض مع مدير الفندق (مالك نجر) الذي يستمر لخمس دقائق، إذ إن الإضاءة والألوان المتنوّعة مع الموسيقا وصور الأشخاص مع الشريط الأسود على الزاوية اليسرى تزيد من الإثارة والتشويق الذي ينتهي بطريقة كوميدية، وهذا الفندق دلالة على فساد "بذيخة"، يتأكد فسادها عند مقارنتها مع الرياض في مشهد لاحق، حيث يمكن للجميع السير حاملين كميات كبيرة من النقود دون أن يتعرضوا للسرقة.

وفي الحوارات يسخر الفيلم من تنمر سكان الرياض على سكان جدة، يكون التنمر فيها معكوساً بتنمر درويش على سكان جدة، مسقط رأسه. على جانب منفصل لا بد من التنويه إلى أن دخول أبي غدرة على مسار الأحداث نقلنا إلى أجواء الرسوم المتحركة، إذ يبتعد "راس براس" عن خيار فلاش باك الكلاسيكي لرواية القصة الحقيقية لعائلة الديمن، وبدلاً من ذلك يقوم أبو غدرة بسرد قصة مصوّرة لصعود العائلة في "بذيخة"، وأرى أنه خيار رائع لسرد قصة العائلة الدموية بعيداً عن الأكشن الواقعي، كما أنه جعل نجر والمزيني يبقيان داخل أجواء الرسوم المتحركة.

على سبيل الخاتمة

على الرغم من أن قصة "راس براس" المشغولة على أفلام هوليوود الترفيهية، إلا مالك نجر عبد العزيز المزيني استطاعا تقديم قصة سعودية على طريقة القصص الغربية العادية، تبدأ مع مدينة "بذيخة" المتخيّلة، صحيح أنها مدينة فاسدة لكنها تحتفظ بخصوصية المجتمع السعودي، وتنتهي بالتطور المفاجئ لمسار الأحداث عندما تتحول لطيفة من شخصية ثانوية تريد الحفاظ على حبيبها إلى شخصية رئيسية. ومن الألوان التي ميزت الفيلم إلى لقطات الكاميرا المأخوذة ضمن قوالب نتفليكس الهوليودية، واستعارات تصميم المشاهد من لوحات عالمية، يمكننا القول إن تجربة "راس براس" ناجحة مقارنة مع الأفلام الترفيهية أو التجارية التي تصدّر في الشرق الأوسط.