icon
التغطية الحية

فورين بوليسي تفضح الأساليب الوحشية لمجموعة فاغنر الروسية

2020.06.12 | 20:14 دمشق

maxresdefault.jpg
تلفزيون سوريا - ترجمة وتحرير ر با خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كيف يمكن لشبكة في الظل تضم مجموعة من العملاء أن تستخدم كرأس حربة ضمن المساعي الروسية لنشر نفوذها في مختلف أنحاء العالم دون أن تخضع لأي مساءلة.

 

قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية في تقرير لها أمس الخميس، إنه خلال شهر تشرين الثاني الماضي انتشر فيديو لعملية قتل مريعة على وسائل التواصل الاجتماعي الروسية، وهذا المقطع المريب الملتقط بواسطة كاميرا هاتف خليوي في حقل الشاعر للغاز بالقرب من تدمر بسوريا يظهر رجلاً سورياً واسمه حمدي بوطه (بعدما تعرف عليه أصدقاؤه وأفراد عائلته) وقد تمدد على الأرض وحوله رجال يرتدون بزات عسكرية ويتكلمون اللغة الروسية، ثم أخذوا يضربونه على أطرافه بواسطة مطرقة ثقيلة قبل أن يقوموا بقطع رأسه، ثم إضرام النار بجثته، مع اتخاذهم للوضعيات المناسبة للتصوير مع ما تبقى من جسده.

هؤلاء المجرمون الذين لم يخضعوا لأية محاكمة، تم تحديد هويتهم عبر منصة نوفايا غازيتا الإخبارية الروسية المستقلة، ويعتبر يفغيني بريغوزين وهو أحد المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي اتهمته الولايات المتحدة بمحاولة التدخل بمجريات الانتخابات الرئاسية في عام 2016، القوةَ التي تقوم بتحريك هذه المجموعة من المرتزقة.

بيد أن ذبح بوطه ما هو إلا دليل على حالة انعدام المحاسبة التي تعمل مجموعة فاغنر بموجبها، ففي الوقت الذي تم فيه حظر مجموعات المرتزقة داخل روسيا، تلعب هذه المجموعة دور رأس الحربة في حروب الوكالة التي يخوضها الكرملين خارج البلاد.

فهؤلاء المتعهدون العسكريون في القطاع الخاص المقربون من الحكومة الروسية يتمتعون باستقلاليتهم اسمياً، بما يمنح الكرملين قدراً معقولاً من القدرة على إنكار وجودهم، بيد أن ذلك صعّب الأمر على المساعي التي يبذلها صناع السياسات الغربيون في سعيهم لصياغة رد على وجود مثل هؤلاء المرتزقة. فهم عبارة عن سكاكين سويسرية[1] تستخدم لخدمة الحرب الروسية المعاصرة حيث يقوم هؤلاء بمضاعفة القوة الروسية وتعزيزها عبر العمل في مجال تجارة الأسلحة وتدريب الجيوش المحلية وقوات الأمن، وكذلك في مجال الاستشارات السياسية وذلك بحسب ما توصل إليه تقرير نشر مؤخراً عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.

وقد تحول هذا الطراز من الحرب الهجينة إلى حجر الزاوية بالنسبة للمساعي الروسية في رسم ملامح مصالحها خارج حدودها، وثمة خلطة مماثلة تضم مؤسسات عامة لكنها خاصة اسمياً تمت الاستعانة بها خلال عام 2016 للتأثير على نتائج الانتخابات الأميركية، حيث قام قراصنة عسكريون روس بسرقة الرسائل الإلكترونية والوثائق الخاصة بحملة هيلاري كلينتون، في الوقت الذي قام فيه ما يعرف باسم مصنع الأقزام[2] الذي يموله بريغوزين بالعمل على تغذية الانقسامات بين الناخبين الأميركيين.

فبعدما ظهرت هذه المجموعة لأول مرة في عام 2014 وتحديداً في شرق أوكرانيا، حيث تم تدريب المقاتلين التابعين لمجموعة فاغنر ليشاركوا في القتال إلى جانب الثوار الانفصاليين ضد الجيش الأوكراني، أخذ عملاء هذه المجموعة يظهرون فجأة في كل مكان بدءاً من فنزويلا مروراً بجمهورية أفريقيا الوسطى، وصولاً إلى سوريا وليبيا.

وهكذا صدر تقرير جديد عن مشروع الطب الشرعي على خطوط الجبهات وهو مشروع مشترك بين جامعة أريزونا ومركز أبحاث أميركا الجديدة، وُنشر يوم الثلاثاء الماضي ليبحث في ملابسات وفاة بوطه عبر الاستعانة بسجلات الشركة وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، فسلط هذا التقرير الضوء على ناحية جديدة تتصل بعمليات هذه الشبكة، وكشف كيف تحول القتل إلى نقطة التف حولها المتعصبون لقوميتهم من الروس عبر الشبكة.

وحول هذا الموضوع يعلق كانديس روندوكس وهو أستاذ ممارس في كلية السياسة والدراسات العالمية بجامعة أريزونا وهو من كتب هذا التقرير بالقول: "ثمة تطور ديناميكي في عملية دمج وتوحيد المجموعات الروسية التي تضم متعصبين لقوميتهم والقوات شبه العسكرية الروسية التي تمضي في ذلك دون أن ينتبه إليها أحد أو حتى يلاحظها".

بيد أن ما كشفه التقرير تترتّب عليه تبعات مرعبة، بما أن المرتزقة الروس الذين لا يحفزهم سوى المال وأفكار اليمين المتطرف يمارسون أعمالهم دون ضوابط أو رقيب في عدد من الدول التي تعتبر الأضعف على مستوى العالم.

وهنا يعلق الأستاذ روندوكس بالقول: "من الأفضل أن ننظر إلى الأمر على أنه مرعب، بيد أن الحكومة الأميركية وكذلك حلفاءها الأوروبيين لم يستوعبوا مدى خطورة هذه المجموعة".

ولقد حققت مجموعة فاغنر مكانة شبه أسطورية في الصحافة الروسية والدولية خلال السنوات الأخيرة وذلك بسبب الدور الذي لعبته ضمن عملية التدخل الروسي في الخارج، ولكن ليس هنالك أي دليل على وجود مؤسسة مسجلة واحدة باسم فاغنر، بحسب ما ذكر جاك مارغولين، وهو كبير المحللين لدى مركز دراسات الدفاع المتقدمة غير الربحي والذي قدم دعماً تحليلياً للتقرير.

وعلق السيد روندوكس على ذلك بقوله: "مجموعة فاغنر تمثل قصة خيالية تلائم الكثير من الناس في روسيا ممن يرغبون بتحقيق الثروة وبسط قوتهم ونفوذهم خارج البلاد".

وهكذا، وبدلاً من أن تمثل فاغنر مؤسسة واحدة، أصبحت عبارة عن شبكة غامضة من الشركات الاسمية والمتعهدين العسكريين في القطاع الخاص الذين يقومون في ذات الوقت برفد مصالح الكرملين خارج البلاد، مع ملء جيوب المنتسبين إليها عبر وصولهم إلى الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة الغنية من خلال عقود الاستخراج والتنقيب في الدول التي تعمل فيها مؤسسات وشركات تلك الشبكة. وقد قام باحثون وصحفيون بتحديد عناصر هذه الشبكات عبر البنى المتداخلة للملكية والموظفين وسلاسل التوريد. وحول هذه النقطة يحدثنا السيد مارغولين من مركز دراسات الدفاع المتقدمة قائلاً: "إنها شبكة قادرة على التكيف بالفعل، مما يجعل من عملية استهدافها أمراً صعباً، كما يصعب الحديث عنها". فقد أصبح نشاط المرتزقة القائم على تمكين وحماية المصالح التجارية أوضح مظهر من مظاهر عمل تلك الشبكات.

ويعتقد بأن المسؤولين عن قتل بوطه قد عملوا لدى شركة إيفروبوليس وهي شركة تمثل الطريقة التي تتبعها المؤسسات ضمن هذه الشبكة من حيث الخلط بين المشاريع التجارية والحروب، ولهذا يرى السيد مارغولين بأن: "إيفروبوليس تسيطر على قطاع الخدمات بأكمله الذي تمكنت الشبكات التي يديرها بريغوزين بالوصول إليها، ولعلها في ذلك قد سبقت أي مؤسسة أو شركة أخرى ضمن الشبكات المرتبطة ببريغوزين".

إذ تظهر سجلات الشركات الروسية والوثائق الجمركية التي قام مركز دراسات الدفاع المتقدمة بمراجعتها بالإضافة إلى سجلات شركة إيفروبوليس التي قدمها مركز دوسيير الموجود بلندن بأن هذه الشركة عُرض عليها 25% كحصة من عائدات حقول النفط والغاز السورية التي تمكنت من استعادتها من تنظيم "الدولة"، وقد كشفت هذه الوثائق بأن الشركة كسبت 162 مليون دولار من حقول النفط والغاز في وسط سوريا خلال عام 2017 فقط.

هذا وقد خضعت شركة إيفروبوليس للعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركية في عام 2018 وذلك لأن بريغوزين يمتلكها أو يسيطر عليها. بيد أن الكرملين أنكر مراراً وتكراراً وجود أي صلة أو علاقة تربطه بمتعهدي الأمن العسكري ضمن القطاع الخاص الروسي ممن يعملون في سوريا.

كما وقعت اشتباكات بين القوات الأميركية والقوات الموالية لنظام الأسد التي يعتقد بأن معظم الجنود فيها من المرتزقة الروس، وذلك في محافظة دير الزور السورية خلال عام 2018، وقتل في تلك المعركة ما بين 200 إلى 300 مقاتل بينهم عشرات من المرتزقة الروس الذين يعتقد أنهم يعملون في المنطقة لانتزاع السيطرة على مصنع الغاز القريب لصالح شركة إيفروبوليس. وعن تلك الاشتباكات يحدثنا السيد روندوكس قائلاً: "بعد مرور عامين على الاشتباك الذي وقع بين الولايات المتحدة وثلة تمثل مجموعة فاغنر في دير الزور، ما تزال الحكومة الأميركية تجهل الهيكل التنظيمي لتلك المجموعات العسكرية". وقد تمكن باحثون من مراكز مثل بيلينغكات وفريق استخبارات النزاعات بالإضافة إلى الصحفيين الروس العاملين في منصة نوفايا غازيتا وفونتانكا من الاستعانة بشذرات من المعلومات المتاحة للعامة وذلك لرسم صورة أوضح حول من يقاتل لصالح المتعهدين العسكريين الروس في القطاع الخاص ولكن خارج البلاد.

فقد كشف تحليل لمجموعات روسية على وسائل التواصل الاجتماعي تضم متابعين لمجموعة فاغنر بالإضافة إلى الشبكات الصديقة التي تضم أفراداً قاموا بمشاركة معلومات وتفاصيل حول مقتل بوطه على الشابكة وجود: "حركة مزدهرة على الشبكة تضم متعصبين لقوميتهم من الروس لديهم مصلحة دائمة بوجود ثقافة الارتزاق ممن يدعون بأنهم خدموا في قطعات عسكرية روسية"، وذلك بحسب ما أورده بحث صدر عن مشروع الطب الشرعي على خطوط الجبهات ونشره مركز أميركا الجديدة. كما كشف تحليل الباحثين لشبكات التواصل الاجتماعي تقاطعات تكشف عن وجود ارتباط جوهري مع روش وهي مجموعة شبه عسكرية روسية تتبنى فكر النازية الجديدة وقد نشطت أعمالها في شرق أوكرانيا.

ومع انتشار فيديوهات حول تعذيب بوطه وقطع رأسه، أصبحت تلك المجموعات بمثابة نقطة تجمّع شبكات التواصل الاجتماعي للالتفاف حول نشاطات الارتزاق الروسية خارج البلاد، ويعلق السيد روندوكس على ذلك بالقول: "ما رأيناه هو عدد مهول من الأشخاص الذين كان بوسعهم تمرير هذا الفيديو، والحديث عنه، وتبني مواقف ووضعيات من تلك الفيديوهات التي قاموا بنشرها وذلك عبر وضعها كصورة شخصية على حساباتهم".

يعتقد أن بوطه قتل في ربيع عام 2017، بيد أن فيديو مقتله ظهر لأول مرة على الشبكة في حزيران عام 2017. ولم تظهر فيديوهات أخرى حول ذلك حتى تشرين الثاني من عام 2019، غير أن الصحفيين تمكنوا من خلالها من تحديد هوية القتلة بالإضافة إلى التعرف على هوية الضحية. حيث تمكن موقع جسر برس الإخباري السوري المختص بنشر تحقيقات من مقره في باريس من تركيب الأجزاء المفصلة للرواية التي تدور حول حياة بوطه وكيف تمكن المرتزقة الروس من القبض عليه.

فقد سافر هذا الرجل وهو أب لأربعة أولاد ينحدر من محافظة دير الزور بسوريا إلى لبنان في عام 2016 بحثاً عن عمل في مجال البناء بعدما سيطر تنظيم "الدولة" على أجزاء واسعة من المنطقة. وفي طريق عودته إلى سوريا عام 2017، تم اعتقاله ثم تجنيده في الجيش السوري. وفي وقت ما أواخر شهر آذار أو أوائل شهر نيسان، هرب سيراً على الأقدام من قاعدة تي 4 الجوية في حمص. وبعدما تاه في البادية، يبدو أنه لجأ إلى حقل الشاعر للغاز، حيث تم تعذيبه وقتله في وقت لاحق.

ولم يتضح حتى الآن كيف وصل هذا الفيديو إلى الشبكة العنكبوتية، أو لماذا قرر الجناة تصوير وتوثيق جريمتهم، وذلك لأننا نسمع في الفيديو الذي انتشر صوت أحد الموجودين وهو يتساءل عما إذا كان يتعين عليهم تغطيه وجوههم قبل أن يقول له أحدهم بأن لا حاجة لهم بذلك، بما أن الفيديو "لن يصل إلى أي مكان".

للإطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا 

 

[1] سكين جيب تشتمل على أدوات متعددة

[2] . يقصد بذلك  شركة تقوم بتوظيف أناس مهمتهم التعليق لمصلحة شخصية معينة أو ضدها وتمتلك كثيرا من الحسابات الوهمية على فيس بوك وتويتر