icon
التغطية الحية

فورين بوليسي: انكشاف وضعف يهددان القوات الأميركية في الشرق الأوسط

2024.01.31 | 06:58 دمشق

آخر تحديث: 31.01.2024 | 10:26 دمشق

دورية أميركية في منطقة تل حميس بمحافظة الحسكة السورية
دورية أميركية في منطقة تل حميس بمحافظة الحسكة السورية
Foreign Policy- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قتل ثلاثة جنود أميركيين بهجوم نفذته مسيرة أطلقتها ميليشيا موالية لإيران وذلك في شمال شرقي الأردن بالقرب من الحدود السورية. وقد تم نشر الجنود الأميركيين في المنطقة لمؤازرة الحملة المستمرة ضد تنظيم الدولة، مع مراقبة أي نشاط إيراني على الممر البري الذي يربط بين العراق وسوريا ولبنان.

ومع تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، وزيادة وتيرة هجمات الميليشيات المتحالفة مع إيران التي تستهدف القوات الأميركية في المنطقة، أضحى الجنود الأميركيون في خطر أشد من أي شيء تعرضوا له على مدار السنوات الماضية. إذ بعد أكثر من مئة هجمة منذ بداية النزاع في غزة، حان الوقت لنسأل: هل خطر الاحتفاظ بتلك المواقع العسكرية يفوق ما تبقى لها من فوائد؟

بعد الفاجعة الأخيرة، ظهرت دعوات جديدة لمواجهة إيران، بهدف استعادة حالة الردع واستعراض القوة الأميركية، ولهذا قد تجد واشنطن نفسها متورطة في نزاع يمكن تجنبه ضد خصم انتهازي يلجأ إلى الاستعانة بأساليب عنيفة بكل سهولة بمجرد أن يتم نشر قوات عسكرية قريباً من إيران، وسط فوضى من الميليشيات الموالية لطهران والتي لم تستطع بغداد ضبطها. بيد أن إبقاء الجنود هناك لا يزيد من أمن الولايات المتحدة بل يعرضه لخطر أكبر.

نداء الصحوة

أبدت واشنطن استعداداً لتقليل أهمية المخاطر التي تحدق بالجنود الأميركيين في العراق وسوريا، بيد أن الهجوم الذي نفذ خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع على قاعدة أميركية في الأردن تقوم بدعم العمليات العسكرية في سوريا يجب أن يكون نداء الصحوة، صحيح أن معظم الهجمات هدفها إثارة البلبلة لا قتل الأميركيين، ولكن بالنظر إلى طبيعة الأسلحة المستخدمة التي تبدأ بقذائف الهاون وتصل إلى المسيرات التي تختلف بدرجة تعقيدها وتطورها، وتفاوت كفاءة من يستهدفون القوات الأميركية، لا يمكن لتلك الميليشيات أن تتأكد من أن هجماتها لن تخلف ضحايا فتتجاوز بذلك عتبة التصعيد. فقد أسفرت تلك الهجمات عن عدد من المصابين بصدمات، وتسببت بوفاة متعهد أميركي، وإصابة ستة آخرين بجراح بعد هجمات نفذت في سوريا وذلك خلال شهر آذار من العام الفائت.

نظرية ذيل الكلب مع أسلاك التعثر

ويوضح هذا الوضع الهش المشكلة الأكبر التي يتعرض لها الجنود الأميركيون الذين يتم نشرهم قبل غيرهم إلى هناك، إذ كلما بعدت مسافة مهمتهم، وأضحت أقرب من أراضي الخصم، زاد تعرضهم للهجوم. وفي بعض الحالات يجري الكشف عمداً عن مواقع الجنود ولكن عندما يكون عددهم صغيراً نسبياً بكل تأكيد، وذلك حتى يفعلوا فعل أسلاك التعثر. بيد أن الهدف ليس كذلك في العراق بكل تأكيد، إلا أن الجنود الأميركيين الذين يتم نشرهم قبل غيرهم قد يقتصر دورهم على أن يتحولوا إلى أسلاك تعثر، وفي ذلك مشكلة خطيرة سواء أكانت هجمات الميليشيات التي تستهدف القوات الأميركية موجهة من طهران أم لا. فلو كانت إيران هي العقل المدبر لها، فسيظهر خطر الخطأ في الحسابات، وإن لم تكن إيران وراءها، فإن هذه الميليشيات تصبح أشبه بالذيل الذي يهز الكلب لا العكس، أي إنها تتصرف بمعزل عن إيران لتحقق مصالحها في مناطقها، وفي الوقت نفسه تعرض طهران لخطر التصعيد الذي تحاول أن تتجنبه.

إن الغرض من أسلاك التعثر في التفكير الاستراتيجي هو الردع، أي إعطاء الخصم إشارة إلى أنه في حال مهاجمته فإنه لا بد أن يقتل أميركيين ولهذا سيعرض نفسه لرد مدمر حتماً. بيد أن القوات الأميركية الموجودة في العراق وسوريا ليس الهدف منها تحقيق هذا الغرض.

إذاً لماذا نجدهم هناك؟ لأنهم يمثلون عامل تمكين مهم بالنسبة لقوات الأمن العراقي، بما أن الولايات المتحدة نشرت في العراق نحو 2500 جندي أميركي. إذ في عام 2022، نفذت القيادة الأميركية الوسطى التي تتعاون مع القوات العراقية عن قرب 313 عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة، أسفرت عن مقتل 466 مقاتلاً من هذا التنظيم في سوريا، و220 في العراق على أقل تقدير. واستمرت عملية تقويض تنظيم الدولة في عام 2023 بمساعدة استشاريين أميركيين.

هذا ويعتبر السياسيون في البيت الأبيض والبنتاغون الوجود الأميركي في العراق وسوريا ضرورياً لقهر تنظيم الدولة، ولذلك تحقق القوات العسكرية هدفاً في هذا البلد، وعليه، فإن أي قرار يقضي بسحب تلك القوات يجب أن يكون دقيقاً.

طلب من خلف الباب

أتى الجيش الأميركي إلى العراق بدعوة من الحكومة في بغداد وهو يعمل هناك بموجب اتفاقية للعمل الإطاري الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، وقد جرى التأكيد على هذه الاتفاقية من خلال نهج الحوار الاستراتيجي الذي أطلقته إدارة ترامب وأنهته إدارة بايدن في تموز من عام 2021، وعلى الرغم من وجود تلميح بإعادة تقييم الوجود الأميركي في العراق وقرارات غير ملزمة تقضي بجلاء الأميركيين أقرها البرلمان العراقي وذلك في التصريحات الرسمية لرئيس وزراء الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، التي انتشرت بين العامة انتشار النار في الهشيم، يستمر خلف الأبواب الموصدة الطلب الرسمي لمواصلة نشر القوات الأميركية بدورها الاستشاري في العراق من دون تحديد جدول زمني محدد لجلائها.

بدأت دائرة التصعيد حتى قبل الهجمة الأخيرة التي نفذت في الأردن، فقد قتلت غارة أميركية نفذت في مطلع الشهر الجاري في بغداد القائد مشتاق جواد كاظم الجواري الذي يعرف باسم أبو تقوى، وهو قائد معروف في حركة النجباء، إلى جانب مقتل شخص آخر معه. ووقعت حادثة الاغتيال تلك وسط توتر العلاقات بين واشنطن وبغداد. ولهذا، وضمن ما اعتبر أول تحذير للعراق، تناول وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الهجمات التي نفذتها حركة كتائب حزب الله وحركة النجباء واستهدفت القوات الأميركية في حوار مع السوداني خلال شهر كانون الأول من عام 2023.

بيد أن أحداً لم يصغ لهذا التحذير، وهذا ما يبين محدودية سيطرة السوداني على تلك الميليشيات، حتى ولو كانت تدير ألوية مسلحة تتبع له رسمياً، كما يظهر من خلال ذلك ضعف النفوذ الأميركي على الأرض، فقد بقيت الولايات المتحدة ملتزمة بضبط النفس طوال الأشهر الثلاثة التي زادت خلالها الهجمات، وصارت تستهدف قادة الميليشيات التي تطلق صواريخها على القوات الأميركية وذلك لتحقق هدفاً منطقياً معيناً. ومن المرجح الآن لإدارة بايدن أن ترد بغارات أقوى في العراق وسوريا، وهذا ما قد يجعل العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن وبغداد تزداد سوءاً، مما سيضع السوداني في موقف صعب، فهو عاجز عن لجم الميليشيات العراقية الموالية لإيران والتي تستهدف القوات الأميركية، بيد أن الدخول في دائرة الاستهداف على مبدأ العين بالعين بهدف استعادة حالة الردع لن يكون له أي نفع في نهاية المطاف. إذ في الوقت الذي يمكن لذلك أن يدفع الميليشيات لإعادة تقييم الوضع تجريها على المدى القريب، من المرجح لها أن تنفذ غارات جديدة بمرور الوقت وتصعيد التوتر أكثر في الشرق الأوسط.

لا توجد طريقة مجدية يمكن من خلالها للجنود الأميركيين البالغ عددهم 2500 أن يساعدوا العراق أمام تنظيم الدولة وأن يقوموا باحتواء الميليشيات المتحالفة مع إيران من دون موافقة وتعاون صريح من حكومة بغداد. وينطبق الأمر ذاته على نحو 900 جندي أميركي موجودين في سوريا ويعتمدون على الوجود العسكري الأميركي في العراق وغيرها من دول الجوار. بيد أن حقبة الجحافل من الجنود والقتال الفعلي قد انتهت، ومع تراجع خطر تنظيم الدولة في تلك المنطقة إلى حد كبير، إذ هبط عدد الهجمات إلى أكثر من النصف مقارنة مع الهجمات التي نفذها التنظيم في عام 2022، لم تعد الخدمة التي تسديها القوات الأميركية لشركائها في العراق تستحق المخاطرة بالتصعيد إذا كان الجنود الأميركيون سيقتلون نتيجة لذلك. وهنا قد يقول قائل بأن الانسحاب من العراق عسكرياً قد يفيد إيران وأذرعها، وقد يكون محقاً في ذلك، ولكن عندما تقدم الولايات المتحدة لهم الجنود ليستهدفوها، فإنها بذلك تشرعن علة وجودها من غير قصد، وتطيل في الوقت ذاته من أمد التعرض لخطر الدخول في حرب غير مرغوبة مع إيران.

ولذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعد العدة لسحب معظم جنودها من العراق حتى تحرم الميليشيات من فرصة استهدافها، ولتقلل من نسبة الخطر المتمثلة باحتمال إشعال الميليشيات لحرب أوسع مع الولايات المتحدة عندما تنجح في استهداف الجنود الأميركيين. وهذه العملية ستحتاج إلى وقت، ولكن تأجيلها سيزيد من المخاطر التي تترتب على البقاء. كما يجب أن يحل محل قوات عملية العزم الصلب في المستقبل القريب مجموعة صغيرة من الاستشاريين والعناصر الخاصة التي يجب أن تتخذ من مركز التعاون الأمني في بغداد مقراً لها. وبوسع المهمة Title 10 التي تخضع لإدارة القيادة الوسطى الأميركية أن تسهم في تدريب وحدات النخبة العراقية ومشاركتها بالمعلومات الاستخباتية، بيد أن عملية الانسحاب يجب أن تبدأ، كما ينبغي أن يتمخض عنها تطبيع للمهمة الدبلوماسية الأميركية في العراق.

ولكن إن تحول الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا، ومن يدعمه ويؤيده، إلى مجرد مانع دائم لصواعق العنف في المنطقة، فلن ينتصر أحد في تلك المعركة سوى الميليشيات.

المصدر: Foreign Policy