icon
التغطية الحية

"فوازير رمضان" من النشأة إلى الأفول

2022.04.29 | 09:32 دمشق

132671-1429991516.jpg
من فوازير ألف ليلة (يوتيوب)
محمد أسد الخليل
+A
حجم الخط
-A

ارتبط شهر رمضان المبارك لسنوات طويلة في أذهان العرب عامّة والمصريّين بشكل خاصّ بـ "الفوازير"، التي أصبحت لزمن طويل طقساً من طقوس الشهر ومعلماً من معالمه التلفزيونية، وهو فنّ راقٍ نجح في أن يجمع الناس حوله لمشاهدته.

وبالرغم من كثرة وسائل الترفيه والمسلسلات الرمضانيّة، بقيت فوازير رمضان من أكثر الأعمال الفنّيّة التي تعلّقت بها الجماهير العربيّة، ومن أهمّ المظاهر الاحتفاليّة بشهر رمضان، خصوصاً بالنسبة لجيل الثمانينيّات والتسعينيّات الذي شكّلت الفوازير جزءاً من ثقافتهم وتكوينهم.

الفوازير في مضمونها تعبّر عن "أحجية" تؤدّى بشكل استعراضيّ، جامعة عدّة فنون في قالب فنّيّ واحد؛ فهي تجمع الشعر بالتمثيل والغناء والرقص بالمعلومة الدينيّة أو التاريخيّة أو الاجتماعيّة.

وكان معظم الناس حينئذ يتسمّرون وراء التلفزيون لمشاهدة إبداعات مؤدّي الفوازير برقصاته الاستعراضيّة والتي كانت تحمل مضامين كثيرة، منها ما يلامس الواقع، ومنها ما يطير في فضاء الخيال، فينعش البصر ويهزّ الوجدان ويثري الثقافة، ليكون المؤدّي هو بطل الفوازير، فتلتصق ذاكرة المتلقّي بالبطل الذي ينشر البهجة في ليالي شهر رمضان.

يتساءل الكثيرون في عصرنا الراهن لماذا غابت فوازير رمضان وأفل نجمها بعد فترة من الانتشار ؟ ومن أين بدأت فكرتها ؟ ومتى؟

فوازير رمضان.. البداية من مصر

يشير معظم النقّاد والباحثين إلى أنّ المرّة الأولى التي ظهرت فيها فوازير رمضان كانت في مصر عام 1955، من خلال مسلسل إذاعيّ للراحلة آمال فهمي، وكانت الفوازير عبارة عن مسابقة للتعرّف إلى أصوات المشاهير؛ فكانت تستعين بشخص مشهور مطرب أو ممثّل وتطلب منه قراءة صفحة من كتاب لتكون الحزّورة/ الفزّورة: من صاحب الصوت؟

كوكب الشرق أمّ كلثوم كانت من المشاهير الذين استعانت بهم فهمي؛ فقرأت أمّ كلثوم صفحة من كتاب "الأيّام" لطه حسين، ولم يعرفها الناس حينها لأنّهم لم يتعوّدوا على صوتها وهي تتحدّث.

نجحت فكرة الفوازير وقتها ولاقت إقبالاً كبيراً من الجمهور في العام الثاني، وتمّ الاستعانة بمجموعة من الشعراء لكتابة فوازير حقيقيّة على رأسهم الشاعر بيرم التونسيّ ثمّ مفيد فوزي وصلاح جاهين وبهاء جاهين.

ثمّ انتقلت الفكرة إلى التلفزيون بعد عام واحد من انطلاقه عام 1961، حيث ظهرت فوازير الأمثال (على رأي المثل) وكانت عبارة عن فقرة دراميّة يُذكر فيها أحد الأمثال، ويقوم المشاركون والمتسابقون بإرسال الإجابة الصحيحة عبر بريد البرنامج. كتب مادة البرنامج آنذاك مفيد فوزي عام 1962، وكانت تتناول البلدان والقرى في المحافظات المصريّة وتاريخها.

وبدأت فكرة الفوازير التي كانت مزيجاً بين الدراما والاستعراض عام 1967 على يد المخرج أحمد سالم وفرقة ثلاثي أضواء المسرح المؤلّفة من: سمير غانم وجورج سيّدهم والضيف أحمد، وكانت أوّل فوازير عربيّة في التلفزيون المصريّ، ثمّ قدّمتها الممثّلة نيللي منذ عام 1975 وحتّى عامّ 1981، ثمّ قام بإخراجها فهمي عبد الحميد بشكل مستمرّ، وفي عام 1982 ابتكر فهمي عبد الحميد شخصيّة "فطوطة" والتي قدّمها الفنّان سمير غانم حتّى عام 1984.

أمّا مفيد فوزي فقد قال إنّ كتابة الفزّورة أصعب من كتابة التحقيق الصحفيّ، مؤكّداً أنّ الفزّورة تستلزم خفّة الدم واستخدام المعلومات في حوار ووضعها في قالب معيّن يجذب المستمع والمشاهد.

وقد قدّمت الفنانة شريهان فوازير "ألف ليلة وليلة"، ثمّ كانت فوازير "المناسبات" من بطولة صابرين وهالة فؤاد ويحيى الفخرانيّ.

وقد قدّمت الفنّانة نيلي في عام 1992 فوازير "عجايب صندوق الدنيا" و"أمّ العرّيف" عام 1993 ثمّ كانت فوازير "قيس وليلى" بطولة محمّد الحلو وشيرين وجدي في عام 1994، ثمّ "حاجات ومحتاجات" من بطولة شريهان في عام 1994.

فوازير المناسبات

في سباق الفوازير الرمضانيّة برزت "فوازير المناسبات" التي قدّمها الممثّل يحيى الفخرانيّ مع الفنّانة صابرين والراحلة هالة فؤاد عام 1988، وفوازير المناسبات كانت أشبه بمسلسل كوميديّ حلقاته منفصلة وبداخلها فزّورة يرتكز موضوعها على المناسبات والأعياد، حيث يتمّ اختيار مناسبة من المناسبات المصريّة والعادات المرتبطة بها في كلّ حلقة، ليقوم الثلاثيّ بتجسيدها في مزيج بين الدراما والاستعراضات.

يتضح لنا ممّا تقدّم أنّ نشأة الفوازير الأولى كانت في مصر ومنها انتقلت إلى بلدان عربيّة أخرى كالسعوديّة وسوريا والكويت ولبنان، إلّا أنّ تلك التجارب كانت خجولة مقارنة بما قدّمته مصر في هذا المجال.

فوازير "مشقاص" و"مين وين"

ففي المملكة العربيّة السعوديّة ظهرت "فوازير مشقاص" التي عُرضت عام 1986، ابتكر هذه الشخصيّة الفنّان لطفي زيني، وقام بأدائها الفنّان حسن دردير، وهو ممثّل ومنولوجست سعوديّ.

اسم "شقوص" كان لأحد الصبية الذي كان يعمل لدى خال الفنّان لطفي زيني، في حين كان الفنّان حسن دردير على خشبة المسرح في أواخر الأربعينيّات، وبدأ بعمل الفوازير المخصّصة للأطفال لا سيما فوازير "مشقاص وجغرافيا" وقد عُرض هذا العمل على تلفزيون المملكة العربيّة السعوديّة والتلفزيون المصريّ.

ولم تكن سوريا بعيدة عن تأثّرها بفنّ الفوازير؛ ففي عام 1998 عرض التلفزيون السوريّ "فوازير مين وين" وهي فوازير رمضانيّة سوريّة من تأليف وتمثيل أيمن رضا وباسم ياخور  بمشاركة نورمان أسعد. تناولت "فوازير مين وين" موضوع المهن والمدن العربيّة، وقد قُدّمت حزّورة رمضان حينها ضمن استعراضات راقصة مميّزة ومبتكرة من خلال مشهدين كوميديّين لفتاة تعمل في مكتب السياحة، ولديها جاران شابّان يحاولان ملاحقتها وهي تتهرّب منهما بإعطاء معلومات خاطئة عن المدينة التي تريد السفر إليها.

أفول الفوازير

السؤال الذي يتبادر لأذهان كثير من المتابعين والمهتمّين والذي طرحناه في بداية المقال: لماذا أفل نجم فوازير رمضان في عصرنا الراهن؟ ولم يعد لها ذلك البريق والشهرة والانتشار؟

تُرجع الناقدة الفنّيّة ماجدة خير الله اختفاء الفوازير إلى أنّ الساحة الفنّيّة ينقصها الفنّانة الشاملة التي تستطيع تقديم الغناء والاستعراض مع التمثيل، وتمتلك في الوقت نفسه قبولاً لدى الجمهور، وتضيف أنّ التمثيل وحده ليس محور نجاح الفوازير؛ فمن أساس نجاحها الكلمات النابضة بالحيويّة والفكرة البسيطة والمبتكرة التي تحمّس الجمهور للمتابعة.

وتشير الناقدة إلى أنّه في الماضي كانت الفوازير تتألّف من أشعار كبار الشعراء مثل صلاح جاهين وسيّد حجاب وغيرهما من الشعراء الموهوبين، بالإضافة إلى وجود مصمّم رقصات مبدع يقدّم بصمة خاصّة به، فضلاً عن فريق عمل فنّيّ متناغم.

في حين أرجع عدد من النقّاد والمهتمّين اختفاء فوازير رمضان وذبول نجمها إلى أسباب أخرى منها: أنّ الفوازير من البرامج التقليديّة التي انتهت مع الزمن الجميل، وحلّ محلّها بدائل صرفت المشاهد عنها، وخصوصاً مع ثورة الإعلام الجديد؛ حيث وجدت الأُسر التي كانت تنتظر الفوازير بشغف ما يعوّضها من برامج المسابقات الجديدة.

ورأى آخرون أنّ الكلفة المادّيّة والإنتاجيّة ومشقّة الإعداد والإخراج للجمهور كانت وراء اختفاء مثل هذه البرامج .

وذهب آخرون إلى أنّ عدم وجود كاتب نصّ شعريّ للأحجية هو السبب الذي جعل الفوازير تغيب عن شاشات التلفزة، متفقين جميعاً على أنّ تغيّر ذائقة المجتمع الذي أصبح يتلقّى ترفيهاً من غير شاشات التلفزة في ظلّ الثورة الإعلاميّة والتكنولوجيّة التي نعيشها اليوم هو السبب الرئيس لاختفاء فوازير رمضان التي لا ينكر أحد من الجيل الذي عاصرها أنّها لعبت دوراً تثقيفيّاً وتوعويّاً إضافة إلى كونها برنامجاً ترفيهيّاً.