فعلى أي جانبيك تميل؟

2023.11.02 | 07:42 دمشق

فعلى أي جانبيك تميل؟
+A
حجم الخط
-A

لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تنخرط أميركا فيه بهذه الصيغة، التي وصلت حد المشاركة في العمليات العسكرية، حتى في حرب أكتوبر 1973م، والذي واجهت فيه إسرائيل أكبر جيشين عربيين، لم تزج أميركا بجنودها بشكل مباشر في المعارك، فما الذي استوجب أن تتدخل بكل هذه القوة في معركة بين الجيش الإسرائيلي وفصيل مسلح محاصر من قبل إسرائيل ويخضع لمراقبتها؟

المفاجئ أيضاً، ليس انخراط أميركا القوي فقط، بل طلبها من كل حلفائها مجاراتها فيما ذهبت إليه، إلى الحد الذي بدا فيه قادة الدول الأوروبية وهم يتسابقون لزيارة إسرائيل، والإعلان عن تضامنهم معها، أشبه بمسرحية يؤدي أبطالها أدوارهم بطريقة بائسة مصطنعة وغير مقنعة.

في الأيام الأولى التي أعقبت هجوم حماس المفاجئ، بدا العالم كما لو أنه سيرك ضخم تتوالى فيها المفاجآت، فها هي دول أوروبية تقرر منع حرية التعبير عن مواطنيها، وها هي أخرى تقرر سجن المتعاطفين مع غزة من خمس إلى سبع سنوات، وها هو وزير خارجية أميركا يكاد يبكي وهو يعلن يهوديته، في مشهد لا يليق بدبلوماسي من الدرجة الثالثة، وها هي ماكينات إعلامية ضخمة تصور للعالم أن هولوكستاً جديداً يحدث ..و.. و..

اعتقاد أميركا أن هجوم حماس هو صفعة روسية إيرانية مشتركة لها، وأن تسليح حماس وتدريبها ومدها بتقنيات بالغة الأهمية، لم يكن حصراً على إيران فقط، بل ساهمت به روسيا في الفترة الأخيرة

ربما كان وراء كل هذا السعار الذي أعقب هجوم حماس عاملان اثنان:

  • الأول هو أن الضربة التي وجهتها حماس لإسرائيل، لا تقاس على مقاس النتائج العسكرية فقط، خصوصاً أن المعايير العسكرية ليست هي الأخطر دائماً، إن الخطر الكبير والحقيقي الذي ولده هجوم حماس، إنما يكمن في تصدع فكرة نشوء وبقاء إسرائيل، وفي معنى وجودها، ودورها ووظيفتها، والأخطر في مدى انعكاسه على بنية نسيجها الاجتماعي، وبالتالي في تداعياته اللاحقة على تماسك هذا المجتمع. هذا الخطر هو الذي دفع أميركا ودول أخرى إلى الإسراع لحماية الفكرة أولاً، والدولة المصطنعة ودورها الوظيفي ثانياً.
  • الثاني، هو اعتقاد أميركا أن هجوم حماس هو صفعة روسية إيرانية مشتركة لها، وأن تسليح حماس وتدريبها ومدها بتقنيات بالغة الأهمية، لم يكن حصراً على إيران فقط، بل ساهمت به روسيا في الفترة الأخيرة، وأن روسيا أرادت من هجوم حماس أن تنقل الاهتمام العالمي، وأن تحوّل الاهتمام الدولي من حربها مع أوكرانيا إلى منطقة أخرى.

صحيح أن الحرب الروسية الأوكرانية مهمة جداً لأميركا وحلفائها، وصحيح أيضاً أن روسيا أرسلت رسالة واضحة لأميركا من مقلب آخر، عندما دعمت انقلابات عسكرية في دول أفريقية، لكن أميركا لا ترى في أفريقيا وأوكرانيا - رغم أهميتهما - الأهمية التي تراها في إسرائيل، ودورها في منطقة أكثر أهمية بالمعنى الجيوسياسي لأميركا، خصوصاً في مواجهة الصين التي صنفتها أميركا بأنها التحدي الأول لها.

لن تسمح أميركا أن تُهزم إسرائيل في غزة مهما كان الثمن، ولا ينقذ إسرائيل من المأزق الخطير الذي وجدت نفسها فيه صباح 7 أكتوبر انتصار محدود، وهذا ما تم الإعلان عنه منذ الساعات الأولى لاجتياح غلاف غزة، فهناك حديث عن شرق أوسط جديد قادم، شرق أوسط مختلف ومغاير، يحتاج كي يرى النور سحقاً كاملاً لبعض مرتكزاته الراهنة، كل هذا الاندفاع المسعور واللاعقلاني تم ضخّه بقوة في الأيام الأولى، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، إذ إن الرأي العام العالمي الذي كان كاسحاً في الأيام الأولى لصالح إسرائيل راح ينقلب إلى نقيضه، وها هي المظاهرات الكبرى تجتاح المدن والعواصم العالمية، تتحدى القمع وتخرج معلنة تضامنها مع غزة، وها هي قضية فلسطين تعود لتتصدر منصات التواصل الاجتماعي بصفتها قضية احتلال، ويتوّج كل هذا بتصويت فاجأ إسرائيل وحلفاءها في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، وفوق كل هذا كان النظام الرسمي العربي عاجزاً عن تلبية المطالب الإسرائيلية المبالغ فيها، واضطر إلى مجاراة الرأي العام المتنامي، ورفض الإملاءات الإسرائيلية والأميركية، خصوصاً في فكرة تهجير فلسطينيي غزة.

حتى لو لم تكن روسيا من الأطراف الدافعة للبدء في هذه الحرب، فإنها تبقى أكثر المستفيدين منها، وعندما استقبلت موسكو وفداً من حماس وإيران مؤخراً، فإنّها أرادت إيصال رسالة بالغة الدلالة لأميركا وإسرائيل، ليس هذا فحسب، بل إن الخطاب الروسي حيال ما يجري في غزة لم يكن مسبوقاً في تاريخ العلاقة بينها وبين إسرائيل، وهذا ما يضع إشارات استفهام متعددة حول مصير العلاقة بينهما، سيما وأنهما تتجاوران في سوريا، وأن هناك ضرورات عسكرية تحتم عليهما التنسيق، فكيف سيكون الحال بعد انحياز روسيا لخصوم إسرائيل في المنطقة، وكيف ستذهب العلاقات الروسية الإسرائيلية؟

نحن شعوب هذا الشرق الأوسط العتيد، يجب أن نعترف أننا لسنا سوى أدوات في حروب الآخرين من أجل مصالحهم، وأن قضايانا العادلة في التحرر، والحرية، والديمقراطية والتطور يتم استثمارها واستغلالها من قبل أطراف لم ترَ حتى اليوم أن تحررنا، وحريتنا وتطورنا قضايا جديرة بالاهتمام، ناهيك عن أن الأنظمة العربية التي لم تكن يوماً مدافعة عن شعوبها، وكانت عبر تاريخها المشين، مجرد أجهزة قمع متوحشة لكل طموحات شعوبها المشروعة.

كلا الطرفين الدوليين أذاقنا الحنظل، وارتباطنا التاريخي والوجداني بالقضية الفلسطينية يدفعنا إلى اعتبارها الأولوية في كل قضايانا

ليس من مصلحة الشعوب العربية أن تنتصر إسرائيل في حربها القائمة، أو في أي حرب لها، ففي انتصارها تكريس لهيمنة إسرائيلية أميركية على المنطقة، هيمنة خبرتها المنطقة جيداً، ودفعت ثمنها باهظاً، لكن ما هو ثمن استثمار واستغلال روسيا وإيران للأحداث في غزة، وهل سيصب في مصلحة هذه الشعوب؟!.

ليس لدي إجابة، فنحن السوريين كمن بلع الموس على الحدين، فكلا الطرفين الدوليين أذاقنا الحنظل، وارتباطنا التاريخي والوجداني بالقضية الفلسطينية يدفعنا إلى اعتبارها الأولوية في كل قضايانا، لكننا عندما نتذكر ما فعلته بنا روسيا وإيران، نغص بقهرنا ونعود لنكمل سحب أطفالنا من تحت ركام بيوتنا، التي تواصل إيران وروسيا قصفها بوحشية بالغة.

ألم يكن بالإمكان أن نكون نحن شعوب هذه المنطقة من ينتصر في الحرب على إسرائيل... إنها أمنية ناكثة، سيما وأننا لم نستطع حتى اللحظة أن ننتصر على أدوات المشروع الصهيوني المتمثلة في حكامنا، فكيف يمكننا أن ننتصر على رأس المشروع؟!

يقول سياسي أميركي مخضرم: "إن ما يدفع إلى امتلاك الأوراق في السياسة، هو حرقها حين تحتاجها"، ونحن الذين لم نعد سوى أوراق في أيدي الآخرين من منا سيحترق في معركة الآخرين؟؟