icon
التغطية الحية

فضائح الفنانين وزلّات ألسنتهم.. سيرة شعبية أم سياق سياسي؟

2024.05.31 | 14:16 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2024 | 15:00 دمشق

55654
+A
حجم الخط
-A

يُصرّ بعض المثقّفين، الذين يُسمّون أنفسهم "نخبة"، على رفض الانجرار وراء اهتمامات الناس البسيطة. والأولى بهم الاهتمام بها ودراستها، خاصة ما ينتشر على وسائل التواصل، فالـ"الترندات" تعبر عن حالة شعبية تُلامس وجعًا أو احتياجًا نفسيًا، وقد تكون خطيرة كما أشرنا في مقالة ترندات المراجل، وبعضها مُفتعل من أجهزة أنظمة تعرف جيدًا كيف تُؤثّر على مشاعر الناس واحتياجاتهم النفسية، وكيف تُوجّههم وتُرسّخ لديهم القناعات التي تخدمها.

اهتمامات الناس مهمة وتجب مراجعة تقييماتنا القيمية لها. فإطلاق أحكام قيمة على هذه الاهتمامات، سواء بالتّفاهة أو بالمساس بالقيم الأخلاقية، يُضيع علينا فرص فهم سلوك الناس وأوجاعهم الحقيقية، التي قد لا يدركونها.

تُشير هذه الاهتمامات إلى توجّهات الناس، وقد تُنبّهنا إلى جوانب غير مرئية في الظاهرة محط الاهتمام.

قبل عدة أيام، ظهر مقطع الفيديو "غير المحتشم" الخاص بـ "فنانة" سورية تجلس إلى جانب صاحبها في السيارة، بعد انتشاره على منصات التواصل الاجتماعي كـ "فضيحة" وعمل منافٍ للحشمة والأخلاق... فناقش بعض أولئك المثقفين (النخبة) الموضوع من زاوية "الخصوصية" و"الحرية الشخصية" التي ثار من أجلها السوريون في دفاعهم عن سلوك "الفنانة"!

ما زاد الطين بلة، هو تبرير زملاء مهنتها من أصحاب "فضائح" سابقة بالقول إن الفيديو مفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي، من دون الإشارة إلى تلك "الحرية الشخصية"! بالمقابل، تجاوزت ردود الفعل على هذه الحادثة الحدود الطبيعية.

ما أراه في الاهتمام الكبير بهذا الترند، قد يكون محاولة يائسة لتأكيد فساد الوسط الفني، ومن ورائه شركات الإنتاج المتناغمة مع سلطة الإجرام الداعمة لسياسات الإفقار وقهر الناس.

"ليش استدعيتونا؟"

المُتابع لأخبار الوسط الفني يعلم أنّ كثيرًا من الفنانين يعانون من العوز وقلة الحيلة، بينما تنعم قلة بالنجومية والأجور العالية، والناس تحاول أن تثبت أن هذه القلة تتبع طرقًا غير أخلاقية في حصولها على مكتسباتها.

ومن شاهد حلقة برنامج "شكرًا مليون" التي استُدعي فيها الفنان رياض نحاس وزوجته أميمة طاهر إلى بيروت بحجة أن الممثل باسم ياخور يرغب في التعاقد معهما على عمل درامي؛ سيدرك بلا ريب مدى الوضع المزري الذي وصل إليه الفنان السوري.

بعد لقائهما بياخور، تبين أن الهدف كان المشاركة في البرنامج والحصول على جائزة بقيمة 150 ألف ريال سعودي، ويشترط البرنامج عليهما اختيار فنان آخر وتقاسم الجائزة معه، فاختارا زميلهما رضوان عقيلي.

لم يتمالك الفنانون الفائزون أنفسهم من البكاء فرحًا بهذا "الشيء المادي الملموس الذي يحمّيهم ويصونهم ويقدّم لهم ضمانة تُريحهم في حياتهم" بحسب وصف باسم ياخور وتعليقه على دموع ضيوفه.

قالت أميمة طاهر -بزلة لسان: "معليش أسأل.. شو الموضوع اللي استدعيتنا مشانه؟". من الغريب عدم إزالة هذا الجزء من الحلقة بعملية المونتاج (ربما لأن القناة غير سورية ولذلك لن يفهم الجمهور العربي سياقات الاستدعاء وكواليسه خاصة عندما يأتي من شخصية مقربة من رأس النظام). وهنا أجاب باسم ياخور على الفور: "مو قصة استدعاء"! ثم تُظهر الفرحة التي بدت على أميمة طاهر ورياض نحاس حجم العوز الذي يُصيب الفنانين من الصف الثاني في نهايات حياتهم.

"سيّدي"

أيضاً، نجد في بكاء الفنان بسام دكاك خلال اتصال هاتفي مع إذاعة محلية، بسبب فقره وعدم امتلاكه ثمن الطعام، دليلاً دامغاً على حجم الإذلال الممارس على فئة عريضة من الفنانين. وحين سأله المذيع: "ما عندكن راتب من النقابة؟"، رد دكاك: "لا.. لا يا سيّدي، ما أنا انفصلت من النقابة يا سيّدي"، إن تكرار كلمة "سيدي" يفضح تكوين زبانية إعلام النظام ومتصدريه.

الممثل نفسه ظهر بتصريح عبّر فيه عن طرق كسب الأدوار في الوسط الفني، حين قال إن الفنان في سوريا "ما بيصير نجم إلا إذا قدم مرتو أو أختو للمنتج"! ثم اعتذر بعد صدور قرارات نقابية تمنعه من العمل.

هنا نتحدث عن فنان يقيم في مناطق النظام السوري، ولم يُثبت وقوفه في صف الثورة، إلا أنه عبّر عن نزقه من الفساد الممنهج في بنية الوسط الفني بدون أن يتجاوز "الخطوط الحمراء" ويمسّ المستويات العليا؛ فهو ما يزال يُكرّر تأييده لـ "جيش الوطن ورئيسه"، وحديثه ما يزال محدودًا ولا يتجاوز سقف ما يطرحه ياسر العظمة أو أيمن زيدان في مسلسلاتهم "الناقدة".

بناء على ما سبق من عوز وفقر وقلة فرص العمل لدى فئة واسعة من الفنانين، ومن ورائهم شرائح واسعة من المجتمع، تأتي "فضائح" نجوم الصف الأول المقربين من أرباب السلطة والمال لفضح أعراف هذا الوسط، الذي هو صورة مصغرة لمافيا الحكم.

وبالعودة إلى الفيديو "الفضيحة"، نجد أن الطريف في الأمر هو التشابه الكبير بين ادعاء تصميم الفيديو بالذكاء الاصطناعي وهلوسات الإعلام السوري في وصف مظاهرات الثورة السورية الأولى بأنها "مجسمات في قطر".

خلاصة القول إن زلات لسان أميمة "ليش استدعيتونا"، ودكاك "سيدي"، وتضخيم فضيحة (الفنانة) هبة نور، وكلّ ما يحدث ضمن جغرافيا حكم المافيا الأسدية يجب ألا يمرّ مرور الكرام، ويجب أن ندرسه لمحاولة فهم الضغوط المركبة وتداعياتها لما يتعرّض له الأسرى من المواطنين السوريين.