icon
التغطية الحية

"فرسان الترجمة".. تحالف يحمل راية الجهاد الإعلامي لتنظيم الدولة

2023.06.07 | 03:23 دمشق

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
Global Network of Extremism and Technology - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم يعرف التاريخ الجهادي نظيراً لأجهزة الدعاية لدى تنظيم الدولة وإمكانياتها الإنتاجية، إذ لديها فروع في مختلف قارات العالم. ولطالما دعمت محطات ومنابر إعلامية مستقلة موالية لتنظيم الدولة قناة مركزية الرسمية التي تركز على الخلافة ودعايتها الرسمية، وعلى شبكات المتمردين الإقليمية، وذلك عبر تضخيم السرديات التي يبثها التنظيم، هذا فضلاً عن دعم مؤيدين من الأفراد للتنظيم عبر انخراطهم في الحديث عنه في وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات تطبيقات التراسل.

في مطلع آذار 2023، ظهر تطور غير مسبوق في المجال الإعلامي الموالي لتنظيم الدولة، وذلك عندما نشر بيان من قبل تحالف جديد يضم محطات وقنوات مستقلة تروج لدعاية تنظيم الدولة، حيث ضم تحالف فرسان الترجمة 14 جهة إعلامية مؤيدة لتنظيم الدولة تقوم بإنتاج دعايتها بـ18 لغة على الأقل. وهذه الفكرة تكشف عن عقيدة "الجهاد الإعلامي" لدى تنظيم الدولة، وكيف تجسدت من خلال فرسان الترجمة والتداعيات الأمنية التي ترتبت على ظهوره.

الجهاد الإعلامي وفرسان الترجمة

لفهم تحالف فرسان الترجمة بشكل صحيح، لابد من لمحة شاملة حول عقيدة "الجهاد الإعلامي" لدى تنظيم الدولة، إذ ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى ضمن وثيقة نشرتها دار نشر تابعة لقناة مركزية الرسمية لدى تنظيم الدولة تعرف باسم الهمة للنشر، وكان ذلك في نيسان 2016، تحت عنوان: "إعلامي؟ أنت مجاهد أيضاً"، إذ وصفت هذه المقالة كيف يتحول الإعلام إلى جهاد في سبيل الله، وأكدت لأتباع هذا التنظيم بأنهم يجاهدون في سبيل الله من خلال عملهم الإعلامي، كما ذكر تنظيم الدولة ذلك بصراحة عندما أعلن بأن: "الجهاد الإعلامي ضد العدو لا يقل أهمية عن قتاله فعلياً".

وهكذا، كان الغرض الأساسي من هذا البلاغ تسليط الضوء على ما يلي:

  • طبيعة النزاع بين تنظيم الدولة وأعدائه
  • رفع الوعي بالثواب الذي ينتظر من يشارك على الجبهة الإعلامية للحرب.
  • التأكيد على أهمية الإعلاميين الجهاديين.
  • التشديد على ضرورة تسجيل انتصارات إعلامية وإلحاق هزائم معنوية بالعدو.
  • غرس الفكرة القائلة بأن الجهاد الإعلامي جزء أصيل من العمليات القتالية الفعلية.
  • تنشئة جيل جديد على تنفيذ المهام الدعوية الواردة أعلاه.

صورة شاركها تحالف فرسان الترجمة في أيار مع روابط مختلفة للقناة على منصات مختلفة.

 

من اللافت أيضاً رسم نشرته صحيفة النبأ (في العدد 288) في أيار 2021 تحت عنوان: "هدف الإعلام الجهادي" والذي ناقش تنظيم الدولة من خلاله بأنه حتى القنوات غير الرسمية مثل القنوات المخصصة للترجمة وتلك المؤيدة لتنظيم الدولة أو التي تقف بجانبه تتسم بأهميتها في الصراع، كونها تنشر سرديات تنظيم الدولة، وتحرض على شن هجمات عنيفة، وتثني على المقاتلين وعلى ما قدموه من أفعال، وترفع معنوياتهم وتضخم أخبار الانتصارات، وترهب الأعداء.

فيما بعد، انتشر تسجيل صوتي مدته 33 دقيقة تحت عنوان: "وقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم" في نيسان 2022 على يد الناطق الرسمي آنذاك باسم تنظيم الدولة أبو عمر المهاجر، الذي أثنى من خلاله على الإعلام غير الرسمي لتنظيم الدولة، وحضه على تكثيف دعايته ونشر المواد المؤيدة للتنظيم.

ظهور فرسان الترجمة

ظهرت فرسان الترجمة كتنظيم مظلة مؤلف من 14 قناة إعلامية موالية للتنظيم تعمل على نشر محتواه بـ18 لغة مختلفة خلال 48 ساعة من نشره بالعربية. ويمكن الوصول إلى محتوى هذا التحالف عبر الشابكة والشبكة المظلمة، إذ يقوم بنشر محتواه على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة مثل تيليغرام وروكيت وتشات وتيك هافن، و XMPPوثريما.

 

صورة نشرت على قناة هلموا عبر تيليغرام في آب 2019

 

بوسعنا ملاحظة المواضيع نفسها في الإعلان الذي نشرته فرسان الترجمة حول تشكيل التحالف في مطلع آذار 2023، إذ في البيان الذي وضحت فيه رسالتها، ذكرت فرسان الترجمة بأن هدفها هو استقطاب مجموعات الترجمة في مختلف بقاع العالم ونشر مواد بلغات كثيرة وعلى أكبر عدد ممكن من منصات التواصل الاجتماعي، والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.

كما ظهرت فرسان الترجمة لتكون المصدر الوحيد لترجمة إعلام تنظيم الدولة ومنشوراته التي تشرح سياسته الملتزمة بالشريعة ولتزيل الشكوك والأوهام التي يثيرها أعداء التنظيم، ولتقدم مقالات وصور تحض المرء على الالتزام بالدين على حد الوصف الذي ورد في البيان.

لم تظهر فرسان الترجمة بمفردها، وذلك لأن بعض من شاركوا في إطلاق القنوات الإعلامية الموالية للتنظيم تعاونوا مع بعضهم ومع مجموعات دعوية من خارج الوسط على مدار سنوات وأشهر قبل إطلاق فرسان الترجمة. وكان الهدف من تلك التحالفات المبكرة هو الجمع بين ظهور الدعاية والقدرة على النشر، مع توسيع نطاق الوصول إلى الجمهور المستهدف.

ولعل أبرز مجموعة للترجمة إلى اللغة الإنكليزية، أي مجموعة هلموا، التي ظهرت في عام 2016، ولديها باع طويل في الشراكة مع شبكة متعددة اللغات موالية للتنظيم وهي شبكة البطار، وهي عبارة عن مجموعة إعلامية تركية وشبكة إرشاد الروسية، ودار السلام الإندونيسية، والشبكة الفلبينية التي تعرف باسم الدولة الإسلامية شرق آسيا، والهجرتين الشرق أفريقية، ومركز النور الإعلامي الفرنسي، والعديد غيرها. وقد أسهمت تلك العلاقات السابقة في تكوين أساس لتوحيد عدد من تلك الشبكات تحت مظلة فرسان الترجمة.

بيد أن أكبر وأقوى محطة إعلامية لدى فرسان الترجمة هي مؤسسة العزائم للإنتاج الإعلامي، وهي الذراع الدعوي لولاية خراسان في تنظيم الدولة، فلقد مكنت العزائم هذه الولاية من إنتاج الدعاية بلغات أكثر من أي فرع آخر تابع للتنظيم وذلك عندما بلغت الخلافة أوجها في العراق وسوريا.

بدأ التعاون بين قناتي العزائم وهلموا في مجال الترجمة باللغة الإنكليزية خلال عام 2022 وذلك لصحيفة النبأ الأسبوعية التي أطلقها تنظيم الدولة. وبحلول شهر تشرين الثاني من العام نفسه، ظهرت ترجمات هلموا ضمن أعداد مجلة صوت خراسان. ومع توسع علاقات ولاية خراسان بعدد من القنوات الإعلامية الموالية للتنظيم، ظهرت دعاية التنظيم التي ساهم بترجمتها فريق لدى قناتي التوكل وهلموا في مجلة صوت خراسان، بالإضافة إلى المحتوى الذي ينتجه الجناح الأوزبكي الرسمي لقناة العزائم.

هنالك جهة فاعلة مهمة أخرى في عملية النشر، ألا وهي مؤسسة إعلام، وهي عبارة عن محفوظات موسعة للدعاية الرسمية الموالية لتنظيم الدولة بعدة لغات، ولديها موقع إلكتروني ومنصة على الشابكة المظلمة، في حين أوضحت صفحة: "من نحن" على موقع إعلام بكل وضوح بأن هدفها تقديم منشورات بعدة لغات حتى تعم الفائدة وتصل رسالة تنظيم الدولة لأكبر عدد ممكن من الناس.

موقع مؤسسة إعلام ويظهر فيه عدد اللغات التي تتم الترجمة منها وإليها

 

تعرفت شبكة Militant Wire للأبحاث للمرة الأولى على علاقات مؤسسة إعلام بقناتي العزائم وهلموا التابعتين لولاية خراسان في تموز 2022، وذلك بعدما زاد تفاعل إعلاميين من العزائم وهلموا ومؤسسة إعلام على تيليغرام فأخذوا يشاركون محتوى بعضهم بالإضافة إلى مشاركتهم لروابط بعضهم على قنواتهم. إذ صارت مؤسسة إعلام اليوم تجمع وتنشر أغلب مواد فرسان الترجمة حتى تتم أرشفتها وحفظها مع نشر كامل المحتوى الجديد بطريقة مرتبة، وذلك حتى يتسنى لمؤيدي التنظيم الوصول إليها عند نشرها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن التنظيم نشر رسالة في مطلع أيار من هذا العام، ذكر فيها عدم وجود ما يربطه رسمياً بمؤسسة إعلام.

التقييم

اتضح بعد تحليل تلك القنوات الإعلامية مدى نشاط فرسان الترجمة مقارنة بالمنصة المركزية لتنظيم الدولة، وذلك لأن فرسان الترجمة، من خلال رسوماتها البيانية ومنشوراتها ذات الجودة العالية التي يقدمها دعاة من أصحاب الخبرة قد رسمت شكل الجهاد العنيف بوصفه واجباً، وحضت أتباع التنظيم على تنفيذ هجمات في مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من صعوبة تحديد مدى تأثير فرسان الترجمة، إلا أن الأجهزة التي تدعمها ووصولها بلغات عديدة قد يدفعا لزيادة نسب تجنيد الشباب ورفع مستوى التمويل المخصص لها، بالإضافة إلى التحريض على شن هجمات على يد خلايا أو عناصر فاعلة مستقلة.

أثبتت فرسان الترجمة والشبكات الإعلامية تحت مظلتها مدى صعوبة مكافحتها، وذلك لأن هذه المحطات تنتشر على مختلف المنصات كما أن دعاتها منتشرون في شتى بقاع العالم. وثمة من يتحدث عبر قنوات فرسان الترجمة على تيليغرام حول قمع التطبيق لهم وحظر أي حساب تابع للتنظيم، في إشارة لمدى وعي كل من شركات التقانة وفرسان الترجمة لما يجري. إذ للوقوف ضد القمع الذي تمارسه شركة تيليغرام، ينصح التنظيم أتباعه بالاشتراك بالروبوتات والقنوات الاحتياطية التي تم فتحها حديثاً، ولهذا ينبغي على شركات التقانة أن تعي ذلك وأن تستعد لتبني فرسان الترجمة لاستراتيجيات وخطط جديدة بهدف تجنب حجبها من تلك المنصات.

المصدر: Global Network of Extremism and Technology