icon
التغطية الحية

فاينانشال تايمز: أزمة قمح ووقود تجتاح سوريا

2020.11.19 | 09:26 دمشق

https_d1e00ek4ebabms.cloudfront.net_production_7c92c599-cf73-46b1-84ce-1a9cf35e9a49.jpg
فاينانشال تايمز- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تلقى الدكتور خالد مكالمة طارئة وهو ينتظر دوره في طابور البنزين، كان المريض يعاني من نزف شرياني، فكان بوسع الطبيب أن يقود سيارته مباشرة إلى المشفى في دمشق ليقدم له المساعدة، إلا أن المغادرة وقتئذ تعني التخلي عن الدور الذي حجزه لمدة 18 ساعة في ذلك الطابور.

ويحدثنا الدكتور خالد الذي اتصل بشقيقه ليحجز له الدور في حين أسرع هو إلى المشفى مشياً على الأقدام فيقول دون الكشف عن اسمه الحقيقي: "إن لم أقم بتعبئة سيارتي عندها سأبقى في بيتي، وكان من المحتمل لذلك المريض أن يموت، ليس بسبب عجزي ولكن لأنني وحدي المسؤول عن تعبئة سيارتي بالبنزين".

فبعد سنوات من القتال الضاري الذي قتل فيه نحو نصف مليون إنسان والوقوع في شرك القوى العالمية بدءاً من موسكو وحتى واشنطن، ما يزال بشار الأسد المتهم بجرائم حرب وسجن الآلاف دون تمييز أو محاكمة يسيطر على ثلثي البلاد. فقد خمد القتال في مختلف نواحي سوريا إلا في شمال غربي البلاد، حيث يقوم الطيران الروسي بدعم الأسد وتقوم القوات التركية بدعم مقاتلي المعارضة.

غير أن الساعات التي أمضاها الدكتور خالد تعكس مدى انهيار الاقتصاد السوري الذي تفاقم بسبب عملية الإغلاق بسبب تفشي الجائحة وأزمة المصارف في لبنان وعزل النظام على المستوى الدولي، إذ إن العقوبات المالية الغربية تحرم بيع الوقود إلى سوريا، ما يعني أن الدولة الوحيدة التي يمكن لسوريا شراء الوقود منها هي إيران.

وتعاني اليوم هذه الدولة التي كانت تقوم بإنتاج النفط بشكل محدود وتصدر القمح في يوم من الأيام من أزمة مالية دفعتها خلال الشهر الماضي إلى رفع دعمها عن إحدى السلع الأساسية التي ما يزال بوسع السوريين شراؤها ألا وهي الخبز، فقد تضاعف سعر الخبز الذي تنتجه مخابز الدولة ليصل إلى 100 ليرة سورية.

ولكن حتى قبل رفع الدعم عن الخبز، أخذ الناس في المناطق التي يسيطر عليها النظام- أي في معظم المناطق السورية- يعانون كثيراً، فقد اشتكى هؤلاء من أن أزمة الخبز والوقود بالإضافة إلى الطوابير التي لا تنتهي أصبحت واقعاً معاشاً في البلاد التي كانت تصنف في السابق أنها ذات دخل متوسط.

ومع نقص إمدادات الخبز، ويعود ذلك لهبوط الصادرات الأساسية، والتنازع على أسعار القمح، وحرائق الغابات، اعترف الأسد بأن الاقتصاد السوري يعاني من سقوط تاريخي حر، وذلك عندما قال: "ثمة ظروف قاسية وعصيبة لم تشهد لها سوريا مثيلاً منذ استقلالها" في عام 1945، وذلك في زيارة رسمية نادرة له خلال الشهر الماضي إلى محطة توليد الطاقة سابقاً في حلب، ويعلق على ذلك السيد نيكولاس بوداناك مدير الأبحاث لدى منظمة ميرسي الإنسانية فيقول: "إنها أسوأ أزمة خبز منذ بداية النزاع السوري في عام 2011".

إذ بالرغم من تعرض مدن كاملة للحصار والقصف مع وصول النزاع لذروته في السابق " فإننا لم نصل لهذا المستوى من الاحتياج في سوريا" بحسب رأي أمجد يامن مدير فريق الدفاع لدى منظمة أنقذوا الأطفال الخيرية، والمقيم في عمان بالأردن، إذ يتابع بالقول: "إذ لم تصل الأزمات لهذا المستوى في عموم نواحي البلاد من قبل" بعدما أصبح 80% من السوريين على الأقل فقراء بحسب ما أوردته هيئة الأمم المتحدة.

ويرى منتقدو الحكومة بأن فسادها وثروة المحسوبين على النظام سمحت بازدهار التكسب غير المشروع وتقويض الاقتصاد، بيد أن الأسد ينحي باللائمة في ذلك على العقوبات الدولية التي تمارس الضغط على النظام منذ أن قام بقمع المتظاهرين في عام 2011، حيث ذكر خلال الأسبوع الماضي بأن مليارات الدولارات من أموال السوريين أصبحت محتجزة في مصارف لبنان وذلك هو جوهر المشكلة حسب زعمه.

بيد أنه لم يُعرف حتى الآن كم تبلغ قيمة الأموال السورية العالقة في المصارف اللبنانية المجمدة منذ أن فرض المقرضون ضوابط وحدودا على رؤوس الأموال غير الرسمية في أواخر عام 2019 وذلك ليعيقوا عمل المصارف، بعدما كان لبنان يمثل شريان الحياة المالية الأساسي بالنسبة للسوريين.

ويقدر أصحاب المصارف والسياسيون قيمة الإيداعات السورية في لبنان بعشرات المليارات من الدولارات، أي ما لا يقل عن 20 مليار دولار بحسب ما ذكره الأسد، وهكذا أصبح السوريون بحاجة لتلك الأموال التي لن يتمكنوا من استرجاعها على الأرجح.

كما أنه من غير المحتمل أيضاً أن تقوم حكومة النظام بتلبية الاحتياجات السنوية من القمح والتي تعادل 2.5 مليون طن، بحسب رأي السيد بوناداك. وذلك لأن الأراضي التي تقوم بإنتاج القمح بشكل رئيسي في سوريا تقع في شمال شرقي البلاد وتسيطر عليها الإدارة الكردية التي اختلفت مع دمشق بشأن أسعار الحبوب. وفي الوقت ذاته تعرض قطاع الزراعة في المناطق التي يسيطر عليها النظام إلى موجة شرسة من حرائق الغابات، كما تراجعت الصادرات القادمة من روسيا مع سعي الكرملين لحماية موارده خلال فترة تفشي جائحة فيروس كورونا.

ففي شهر أيلول، شرعت الحكومة بتموين الخبز إلا أن تلك المخصصات كانت ضئيلة جداً لدرجة بات معها خالد يقوم باقتسام حصته مع العاملين لديه الذين يحصلون دخلاً أقل من دخله بكثير، فيقول: "أعطيتهم بطاقتي التموينية، فاشترى كل منهم أربع ربطات خبز بدلاً من اثنتين".

ومع توفر بقية أنواع الأغذية، أدى انهيار الليرة إلى حدوث حالة تضخم، فاضطرت العائلات إلى اختصار وجبة من وجباتها بل حتى التخلي عن الفاكهة الطازجة، وذلك لأن كلفة شراء حاجيات أسرة واحدة من المأكولات والخضراوات ارتفعت بنسبة 90% عما كانت عليه خلال الأشهر الستة الماضية بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة. وحول ذلك يحدثنا عمر وهو رجل في الخمسين من عمره يعمل في مكتب ويمضي بالعادة ساعتين باليوم وهو ينتظر دوره لشراء الخبز الذي تدعمه الدولة كونه أرخص بأربع مرات من أسعار الخبز الموجودة في محال البقالة العادية، فيقول: "لقد تعودنا على هذه الحالة الآن". بيد أن هبوط الليرة يعني هبوط راتبه أيضاً ليصل إلى 40 دولارا بالشهر أي ما يعادل 10% فقط من قيمته قبل انهيار الليرة.

ويعلق عمر الذي لديه أربعة أولاد ويهتم بوالديه العجوزين فيقول: "لقد حذفنا بالتأكيد الكثير من الأشياء من قائمة الطعام لدينا، فلو رغبت بشراء دجاجة اليوم ستجد بأن سعرها أصبح أعلى بعشرة أضعاف مما كان عليه في السابق".

وكغيره من السوريين، يحس هذا الرجل بخيبة أمل كبيرة بسبب الفساد إذ لم يعد يثق بالمسؤولين وقدرتهم على حل تلك المشكلات ولذلك يقول: "لم يعد لدي أمل بتغير أي شيء، لكن أملي الوحيد يتعلق بالله وحده".

المصدر: فاينانشال تايمز