icon
التغطية الحية

فاضل السباعي.. سيرة أخرى نكتبها بعد الغياب دون أن نخجل

2020.11.26 | 20:24 دمشق

sba.jpg
إسطنبول- تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أثارت الفنانة التشكيلية "سهير السباعي" مشاعر أصدقائها الواقعيين والافتراضيين حين كتبت على حسابها الخاص منشوراً تنعى فيه والدها حين قالت: "والدي الكريم، فاضل السباعي، أبو سوزان وسهير وخلود وفراس، في عهدةِ الخالق الأعظم. رحمةٌ وسلامٌ ونورٌ لروحك الطيبة".

قبل أن تنعيه، كان السباعي قد هزّ مشاعر أصدقائه وأحبائه ومتابعيه حين كتب منشوراً في منتصف تشرين الأول الماضي، قال فيه: "يا الله.. لقد اتعبتني أوجاع الجسد وصروف الحياة.. فخذني إليك يا الله"

سبقه الراحل بمنشور، في آب الماضي، كان أكثر وجعاً وألماً من اللاحق، حين قال: "لن أسامح بعضَ ذرّيتي وأهلي ومن يحيطون بي.. لتقصيرهم في إعانتي ثقافيا وصحّيا. وسوف أشكوهم.. هناك.. لربّ العالمين".

فهل كُتب علينا، نحن السوريين، الرحيل كمهجّرين أيضاً دون معيل أو صاحب أو حبيب يهتم بنا؟

 

117598677_3016757911787069_2210698231327033338_n.jpg
من صفحة الراحل السباعي (فيس بوك)

 

سيرة ذاتية بقلم الذات

وكعارف بعاداتنا التي باتت مكررة خلال السنوات العشر الأخيرة، بحيث لا نتذكّر سِيَر ومآثر الآخرين إلا بعد مضيّهم؛ وحتى هذا الجهد وفّره علينا السباعي حين كتب منشوراً طويلاً لسيرة حياته الذاتية، كما أحب أن يصفها ويراها القارئون. وليس أدقّ وأوضح من سيرة ذاتية يكتبها الراحل عن ذاته قبل رحيله.

كتب السباعي:

بطاقة (CV)، فاضل السباعي

وُلد بحلب (عام 1929) في حيّ وراء الجامع الأموي الكبير، وهو الابن الأول لـ"أبو السعود السباعي" الذي أنجب تسعة عشر من البنين والبنات. درس الحقوق بجامعة القاهرة.

عمل محاميًا، فموظّفًا في وزارات الدولة، قبل أن يطلب إحالته على التقاعد (1982) وهو مدير في وزارة التعليم العالي، ليتفرّغ للكتابة.

 أسّس بدمشق (1987) دار إشبيلية للدراسات والنشر والتوزيع، ولها جناح في المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة.

عضو مؤسّس في اتحاد الكتّاب العرب بدمشق (1969)، ومقرّر جمعية القصة والرواية في الاتحاد لستّ دورات. وله بضعة وثلاثون كتابًا، طُبع بعضها غير مرة.

أصدر سلسلة ”شهرزاد الـ21“ قصصًا للصغار والكبار. ويُصدر سلسلة ”الكتاب الأندلسي“، التي استهلّها بكتاب من تأليف شيخ المستشرقين الإسبان البروفسّور ”خوان فيرنيت“ بعنوان: ”فضل الأندلس على ثقافة الغرب“، والكتاب الثاني ”الأندلس في عصر بني عبّاد، دراسة في سوسيولوجيا الثقافة والاقتصاد“ تأليف الباحث المغربي د. أحمد الطاهري.

 تُرجمت بعض قصصه إلى بضع عشرة لغة، منها: الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والفارسية والتركية وغيرها.

 صدر كتابه ”بدر الزمان“ مترجمًا إلى الإسبانية (برشلونة 1999)، وكتابه ”حزن حتى الموت“ مترجمًا إلى الفرنسية (باريس 2002).

 أعدّت المستعربة البولونية ”بياتا سكوروبا“ أطروحة عن روايته ”ثم أزهر الحزن“ ونالت عليها درجة الماجستير من جامعة كْراكوف.

وأعدّ المستعرب السويدي ”فيليب سايار“ أطروحة عن أدبه عنوانها ”رسالة في فنّ الفانتازيا في قصص فاضل السباعي“ قدّمها في جامعة استوكهولم. وفي آب 2017 نالت الطالبة السورية "كلثوم سليمان" درجة الشرف على أطروحة الماجستير من جامعة إسطنبول وعنوانها "السرد القصصي عند فاضل السباعي".

تحوّلت روايته ”ثم أزهر الحزن“ إلى مسلسل تلفزيوني تحت اسم "البيوت أسرار".

يَعُد نفسه من أنصار حقوق الإنسان ومن المطالبين بعودة مؤسّسات المجتمع المدني، وهو واحد من المثقفين السوريين الألف الذين وقّعوا عريضة ”ربيع دمشق 2001“.

أنجب ثلاث بنات "سوزان"، وبعدها "سهير" و"خلود" (وهما فنانتان تشكيليتان) وابنًا "فراس". وهو جدّ لعشرة من الأحفاد والأسباط، أنجبوا ثمانية أطفال.

غادر البلاد في تشرين الأول 2013 إلى حيث معظم أفراد أسرته في فلوريدا/ الولايات المتحدة الأميركية متجنّسين ومقيمين، متابعًا نشاطه في شبكة التواصل الاجتماعي، وعاد إلى حضن الوطن عصر الاثنين الثامن من حزيران 2015.

 

117354823_3008427889286738_4806164340371373345_n.jpg
من صفحة الراحل السباعي (فيس بوك)

 

عاد يبحث عن قبر "مريح" في سوريا

كتب السباعي بعد عودته إلى دمشق بنحو عام (2016):

"قبر، في "الدحداح"، مريح!

ذات مرة حدّثني صديق بأنّ صاحبا له، دعاه لمرافقته في مشوار، ولم يُفصح له إلى أين!

يقول (وقد عرفتُه أنا مشّاءً يهوى المشي على القدمين كلّ يوم):

خرجنا من بيتينا قريباً من "جامع الفردوس"، نمشي الهوينى في "شارع بغداد"، وما شعرت - علم الله - بالتعب، ولا هو شعر، إلى أن وجدنا نفسينا عند باب «مقبرة الدحداح»، التي يُفضّل كثير من أهالي دمشق أن يستودعوها - لتوسّطها المدينة - أجداثَ آبائهم وأجدادهم، ودخلنا المقبرة من بابها الشمالي.

جعل صديقي يقودني، مجتازاً بي قبوراً غير مستوية، وأنا ألهث، بجواره تارة، ووراءه تارة أخرى. إلى أن توقّف عند قبر فاغر فاه، بأن أُزيحت عنه من فوق عارضةٌ حجريّة أو اثنتان، استطاعتا أن تبدّدا شيئاً من عتمة القبر!

وبينما أنا غارق في استغرابي، رأيت صديقي ينضو عنه معطفه الخفيف، وكأنه يتهيّأ لأداء أمر: تقدّم، يدوس بقدميه كومة من تراب، ثمّ ينحدر نحو فوَّهة القبر، ويتدلّى فيه، عبر العارضتين المزاحتين، بتُؤدة، مُسقطًا نفسه داخل القبر، الذي بدا لي - مع إمعان النظر - مكسوّاً من جوانبه بحجارة منحوتة بيض… وقبل أن يتراءى لي أن أرفع صوتي مستغيثاً، رأيته يغادر عتمة القبر، ثمّ يستوي أمامي، وهو ينفض عنه ما علق به من تراب وغبار، ويقول لاهثاً: «قبر مريح!». ثم يعلمني أنه اشترى هذا المثوى من «تجّار» القبور بثمن باهظ، ليكون جاهزاً حين يأتي الأجل!

لمّا أنهى صديقي روايته سألته: "هل وقع هذا لك في أيام الحرب التي تعمّ البلد، أم قبلها؟"

قال: "أقول لك جرى هذا أمامي قبل يومين!".

فقلت في نفسي: يا الله.. ما فعلت هذه الحرب بنا!".

ترى، هل سيلقى فاضل سباعي قبراً في دمشق المكلومة ليرتاح فيه بعد كل هذا العذاب؟

كلمات مفتاحية