غزة نموذجا لإخافة اللبنانيين

2024.03.09 | 07:02 دمشق

Israeli army
+A
حجم الخط
-A

لا تزال الجبهة اللبنانية متوترة والتصعيد مرتفع من قبل الأطراف المتصارعة، حيث باتت الجبهة اللبنانية أكثر سخونة وأكثر توترا من خلال الضربات القاسية التي يتلقاها حزب الله, وزيادة الخسائر البشرية والمادية التي باتت البيئة الحاضنة للحزب تتلقاها يوميا.

غزة نموذجا لتفزيع اللبنانيين بذات المصير

إذا كانت غزة هي الضحية بسبب حسابات غير مدروسة ودون قراءة التغييرات الجيوسياسية العالمية، فإننا نرى مستوى الرد والقتل لدى الكيان المعتدي والذي يحاول أن يؤمن للمستوطنين استمرارية دائمة ترفض التعايش الذي كان معمولا به في شمال الكيان مع حزب الله وجنوب الكيان مع حركة حماس.

من هنا نرى التهديدات التي يطل بها قادة العدو لجهة الحرب ضد لبنان وخاصة القادة العسكريين الذين يعلنون بأنه لا يوجد مانع أمام قواتهم بالتقدم نحو أي منطقة في لبنان، وما فعله الجيش الصهيوني في غزة يمكن فعله في لبنان، إذا تجاوز الحزب الخطوط التي رسمها العدو في عملية التصعيد وباتت المواجهة أكثر حرارة.

إذن يمكن أخذ هذا التهديد بجدية أو يمكن اعتباره دعاية تعبوية تعمل على اللعب على المصطلحات في إطار الحرب النفسية التي يقوم بها طرفي الصراع القائم في الجنوب اللبناني (إسرائيل وحزب الله).

وإذا حاولنا مراقبة التصعيد الذي ابتدأ في الجنوب اللبناني منذ الثامن من تشرين /أكتوبر الماضي، فقد هدد العديد من القادة الإسرائيليين عدة مرات، بإمكانية الدخول في حرب واسعة والدخول بريًا إلى لبنان، في وقت يواصل فيه حزب الله، عملياته العسكرية ضد أهداف إسرائيلية، في ما وصفها "بعملية إسناد لحركة حماس". 

في المقابل يعمل العدو على التصعيد الممنهج الذي يستخدمه طول فترة الحرب بطريقة استفزازية للضغط على الحزب والبيئة وسائر المكونات من خلال طرح العدو أمام المجتمع الدولي على ضرورة تطبيق القرار 1701، لأن إسرائيل لا تريد الحرب، لكن بحال الامتناع من الجانب اللبناني فإن إسرائيل من أجل حماية سكان الشمال وتوفير الأمن لقوات جيش الاحتلال مستعدة للذهاب أبعد من مناطق شمالي الليطاني ومناطق انتشار قوات "اليونيفيل".

الاستراتيجية الإسرائيلية في تعاملها مع الحزب

يعتمد الاحتلال أطرا مختلفة في التعامل مع الحرب عل الجبهة اللبنانية بطريقة مختلفة عن حرب 2006، حيث باتت الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة تركز على عدة نقاط وهي:

1- ضرب المناطق الحدودية، وتهديم القرى المحاذية للحدود لإفراغها من أهلها وبالتالي منع وصول المقاتلين إليها.

2- الخروج خارج مناطق شمال الليطاني وتم تحديد نقاط لضربها من أجل إرباك اللبنانيين، وضرب المخازن والطرق اللوجستية لإعاقة طرق الإمداد والتذخير من سوريا والبقاع، وطرق الساحل والمناطق المحاذية للقتال.

3- استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة للانقضاض على المقاتلين في حزب الله لإنزال خسائر كبيرة في هذا الجسم العسكري:

4- اغتيال قادة ميدانيين للحزب بوساطة المسيرات حيث باتت المسيرات سيدة الموقف في حرب الاغتيالات الإسرائيلية المفتوحة في لبنان.

5- استخدام طائرات الأباتشي وإف 16 في ضرب أهداف في الداخل والخارج من أجل إيقاع خسائر كبيرة وخاصة في البيئة المدنية.

6- إطلاق المناورات الحربية من استخدام جدار الصوت والبالونات الحرارية وإطلاق المسيرات للتصوير من أجل إخافة البيئة الحاضنة وإرباكها.

فكل هذه الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في حربها ضد لبنان هي إشارات بأن الحرب مستمرة حتى يتم التوافق على تنفيذ الاتفاق الدولي 1701 وإخراج الحزب من الجنوب بواسطة المبعوثين الدوليين من أجل حماية أمن الشمال الإسرائيلي.

الإصرار الإسرائيلي على تفعيل القرار الدولي

إن المقاربة بين سكان الشمال الإسرائيلي الذين يعيشون في فنادق ومنتجعات على حساب دولتهم، فإنهم يرفضون العودة إلى منازلهم قبل إيجاد حل نهائي لتهديد سلاح الحزب.

لكننا اليوم أمام أزمة باتت تترك ظلالها على الجانب الآخر للجبهة لجهة النزوح اللبناني الذي لا يحظى بأي اهتمام من الدولة أو الحزب كما حال الجانب الآخر. مما ساهم بنوع من التململ والانزعاج لدى الجنوبيين والتفكير بالمجهول القادم في ظل التطورات التكنولوجية التي يمتلكها العدو في تحديد هوية الأشخاص والأماكن المطلوبة في القتل دون رحمة، حيث بات الخوف والفزع يسيطر على جميع السكان في لبنان من أية عملية عسكرية بشعة قد تعرض حياتهم للمجهول كما حدث في غزة.

وبظل هذه التطورات الميدانية نرى سكان المستعمرات يضغطون على حكومتهم لإنهاء المواجهات كي يعودوا إلى منازلهم في أقرب وقت، حيث تشير المصادر إلى سرعة التفاوض مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب بالوسائط الدبلوماسية، لكن إذا تعذر تنفيذ ذلك بواسطة التوافق الدولي فإن إسرائيل تعلن عن إمكانية إعادة الأمن من خلال عمل عسكري مباشر، وبالتالي يكون لبنان عرضة للتهديد الإسرائيلي الذي يشير إلى أن الدولة ستدفع الثمن، وليس الميليشيات وهذا يعني سقوط اتفاق الهدنة، ودخول البلد في دوامة جديدة تفرضها إسرائيل على لبنان.

إذا الجميع ينتظر المفاوضات بفارغ الصبر حيث بات انتهاء الحرب في غزة مطلب الجميع من كلا الجبهتين، لكن لايزال المجهول يسيطر على المفاوضات ولايزال شبح الحرب يلقي بظلاله على المنطقة.

هوكشتاين في بيروت

بشكل مفاجئ تم الإعلان عن زيارة خاطفة لمبعوث البيت الأبيض المستشار "آموس هوكشتاين" إلى بيروت بتاريخ 2 آذار / مارس الحالي والتي ستعتبر زيارته الثلاثة إلى لبنان منذ عملية "طوفان الأقصى" بهدف منع توسيع الحرب على لبنان ولبحث ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، وبحسب اللذين التقوا هوكشتاين لم يجدوا من زيارته أي تطور فعلي لتطبيق الاتفاق الدولي، بل كان يحاول إيجاد مخرج للحرب من خلال عناوين بسيطة أهمها خروج الحزب من عدة كيلومترات جنوبا، وعدم النقاش بسلاح الحزب، وإعطاء فرصة جديدة للطرفين في إنهاء الحرب، وليس الدخول في المضمون الفعلي للاتفاق، في محاولة لإفراغ القرار من مضمونه والالتفاف عليه لمصلحة الإيرانيين من خلال إعطاء الحزب نصرا شكليا وتحقيق إنجاز سريع لإدارة جو بايدن قبل الانتخابات، لكن المبعوث الأميركي لم يتلق الجواب النهائي في لبنان وأبقى مساعده في بيروت بعد أن جال على كل القوى بانتظار الرد النهائي لتفعيل مبادرته.

فهل تقبل إسرائيل بما تريده واشنطن من خلال إفراغ مطالبها القائمة على تطبيق اتفاق 1701 بالدبلوماسية الدولية أو من خلال القوة العسكرية المكلفة على لبنان؟ وما هي الحوافز التي ستقدم لكل من حكومة اليمين الإسرائيلي وإلى حزب الله بحال الموافقة على وقف إطلاق النار وفق الخطة الأميركية.

وهل يبقى الإصرار الإسرائيلي على تطبيق الاتفاق الدولي دون الإذعان للمطالب الأميركية كورقة للضغط على (إيران وحزب الله)؟ وهل سيعمل نتنياهو على تطبيق القرار بقدراته من خلال توسع التصعيد على الجبهة الجنوبية.

وفي المقابل فهل سيكون تطبيق 1701 ونشر الجيش وقوات اليونيفيل هما الضمان الفعلي لردع إسرائيل من ارتكاب أي مغامرة تهدف لجر الحزب لحرب قادمة في أخر الربيع وأوائل الصيف، أم سيسر نتنياهو للحروب وتدمير لبنان وفق ما كشفت عنه المخابرات الألمانية؟