icon
التغطية الحية

عُقد الغرب تجاه العرب في مونديال الدوحة

2022.12.14 | 20:35 دمشق

ئءؤر
+A
حجم الخط
-A

بث تلفزيون سوريا يوم السبت الثالث من كانون الأول 2022 الحلقة الأسبوعية من برنامج "ضمائر متصلة" الذي يقدمه الأستاذ "ياسر الأطرش". وإذا كان البرنامج ينتصر لمونديال عالمي يقام لأول مرة في بلد عربي، فإنه أي المونديال، جعل العرب، ربما لأول مرة، يتناسون خلافاتهم، وربما لأول مرة أيضًا، يقفون على رأي واحد، مشجعين الفرق العربية متمنين لها الفوز، كما تجلى المونديال بحضور سياسي/شعبي داعم للقضية الفلسطينية، إذ رفعت الأعلام الفلسطينية في وقت تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهجمات وحشية تطول البشر والشجر في مدن الضفة.. كما رفع علم الاستقلال السوري رمزًا لمطلب السوريين الرئيس في الحرية والديمقراطية والتنمية.

 

 

لا شك في أن المونديال تظاهرة عالمية عظيمة، استطاع القطريون أن يوفُّوها حقها، ويخرجوها كما شاهدها الجميع، وشهدوا بأنها من أجمل دورات المونديال وأرقاها على غير صعيد.

ولأن الحلقة انطلقت من المونديال إلى العلاقة الإشكالية تاريخيًا بيننا، عربًا ومسلمين، وبينهم غربًا متعاليًا علينا بما أنجزوه في حقول العلوم والتكنولوجيا في عصرنا الحديث تحديدًا.. استوجب التوقف عندها، فقد تناول الضيوف في جملة ما تناولوه، عُقَد الغرب من العرب والمسلمين معيدين إلى الأذهان مقولة الكاتب البريطاني "روديارد كبلنغ" المولود في الهند عام 1865: "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً".

فقد أشار الأستاذ "معن البياري" في ردِّه على سؤال مقدم البرنامج عن تلك النظرة الغربية الفوقية التي ظهرت في المونديال، إلى "أن عقدة الغرب متصورة لديهم في كونهم ينتجون الأدوات الحضارية التي يستفيد منها العالم العربي والإسلامي، ويريدون مقابل ذلك فرض قيمهم الاجتماعية والأخلاقية التي تنتجها مجتمعاتهم.. كما يفترض الغرب أن هؤلاء المستهلكين متخلفون في عقولهم أيضًا، إذ هم غير قادرين على استيعاب المنتج الثقافي الغربي. ويربط الغرب، في هذا الجانب، ربطاً آليًا بين مستوى التطور التكنولوجي ومستوى التطور العقلي، ومعروف أن العادات والتقاليد والكثير من الأمور الروحية تبقى في المجتمعات زمنًا أطول من التغيرات المادية وتأثيرات علاقاتها فما بالك بالتنوع المجتمعي الطبيعي التي يتباعد في الجغرافيا، ويتباين في شروطه التاريخية، في حين يخضع الكل لقوانين التنوع والتعدد. ولعلي أستوحي مما قيل: إن عدم مساهمة العرب في إنتاج التكنولوجيا لا يعني أبدًا أنهم متخلفون عقليًا، كما يسوِّق الغرب".

إن الكثير من العرب والمسلمين الذين يهاجرون إلى بلاد الغرب لأسباب عدة أو يختطفون إلى تلك البلاد بأساليب شتى! تراهم يبدعون في مجالات العلوم والتكنولوجيا التقليدية منها والمعاصرة.. وكثيرون منهم يتقلدون مراكز إدارية مرموقة على صعيد العمل، ويتقاضون رواتب مجزية، وبعضهم تفوق في المجال السياسي أيضًا.

إن الغرب في الحقيقة يريد ومن خلال مقولة "روديارد كلبنج" تنميط حال معينة هي الاستعلاء ذاته، وقد تناول إدوارد سعيد مقولة "كلبنج" في كتابه "الثقافة الإمبريالية"، وقد خصص فصلًا لها جاء تحت عنوان: "ملذات الإمبريالية"، بيَّن فيه: أن "الاستعمار الإنكليزي للهند أو ما يسمى بدرة التاج البريطاني، قد ولَّد الشعور والانطباع عند "كلبنج" حول الفارق الكبير ما بين الغرب المستعمر، والشرق الواقع تحت سيطرته، لذا من المستحيل أن يتلاقيا.."

كما أكّد "سعيد" أنَّ العرب أول من استخدم المقولة في أدبهم وأسقطوها على الواقع الجغرافي الذي كثيرًا ما يباعد بين الأحبة من الناس مخلِّفًا حنينًا وحسرات.. ويمكن إضافة استخدام الشاعر "إلياس فرحات" للعبارة في سعيه وراء لقمة عيشه.. "أغرّب خلف الرزق وهو مشرق.. إلخ"

قد تحمل المقولة شيئًا من المصداقية بسبب التباين الذي ذكره الأستاذ "معن" لكنها في العموم ليست صحيحة كليًا، إذ لا بد من تحميل الغرب جزءًا من مسؤولية تخلف بعض دول الشرق بسبب سياساته غير السوية وغير العادلة. وأذكر أنني كتبت مقالة تحت عنوان "هل يقتلنا المليار الذهبي" نشرتها "العربي الجديد" في 5 تشرين الثاني 2020 أشرت فيها إلى نظرية "مالتوس" العنصرية وإلى نظرية "المليار الذهبي" الجديدة التي يحاول الغرب أن يمارسها.

ومما جاء في المقالة: "إلى متى تبقى شعوب هذه المنطقة خاضعةً لهذا التهميش الذي يمارسه المليار الذهبي، بتقدمه العلمي والتكنولوجي، وباعتماده على الاستبداد السياسي وعسكره وممتلكاته، وعلى عقلية التخلف والتطرف المتولدة عن سياسات التجهيل التي يتبعها؟ أم إن الانتفاضات التي عرفت بالربيع العربي ماضية نحو غاياتها، وما هذه الدماء التي تزهق إلا قرابين فداء لنهضة قادمة، ولأجل كلمة مقدّسة اسمها الحرية؟"

أعود إلى البرنامج والمونديال، وأجوبة الضيوف على سؤال مقدم البرنامج حول تسييس الغرب للمونديال، والكيل بأكثر من مكيال. وتحدث في هذا الجانب الأستاذ عمر الكوش فذكَّر بموقف أوباما الذي خطَّأ قرار الفيفا بإقامة المونديال في قطر منذ صدوره.. وأشار إلى موقفي الغرب من روسيا تجاه مونديال 2018 إذ تجاوز مواقف روسيا تجاه حقوق الإنسان، وقمعها المعارضة في بلادها، علمًا أن ذلك المونديال كان عاديًا، ولم يتميز بشيء ما. بينما اختلق الغرب أمورًا شكلية ليهاجموا قطر وعموم العرب، بينما أدهش القطريون العالم بما قدموه لإنجاح المونديال الذي حقق مشاهدات فاقت كل ما سبقه من مونديالات، ونجم ذلك عن كمال التحضيرات في شكل المونديال  ومحتواه وجمالياته، كما لم يحصل أي حدث يمكنه أن يخدش وجه المونديال أو يعكِّر صفوه..

أما الأستاذة رفقة شقور فقد قاربت لبَّ عقدة الغرب، وجوهر مواقفه، وقيمه "الإنسانية" بحق العرب والمسلمين.. وكان أكثرها إجرامًا وبشاعةً هو ما أعطاه الإنكليز للعدو الصهيوني ما لا يملكونه في فلسطين المحتلة، وذكَّرت بوعد بلفور ودور الغرب في قيام دولة إسرائيل.. وأشارت كذلك إلى فرض الغرب الرياضة الإسرائيلية على المونديال..

وفي الرد على سؤال مستخلص من أجواء المونديال، ومن مقالين نشرا في صحيفتي الإندبندنت البريطانية، والفاينانشال تايمز الأمريكية. حول المونديال ودوره في توحيد العرب والبلدان الطرفية، جاء جواب الأستاذ معن البياري: إن "المشاعر العربية والإسلامية موحدة قبل مونديال قطر وبعده وفي الإحساس العام أنَّ ثمة مشتركات كثيرة أولها مقاومة الظلم والاستبداد والتطلع إلى الحريات وإلى نهوض اقتصادي، ومعرفي. كل هذا موجود لدى الشعوب عامًة، لكن خصوصية العرب إلى جانب ذلك كله، في ما يجمعهم من لغة وثقافة وتراث.. والجميل في مونديال قطر أنه أتاح هذه الفرصة الإعلامية والثقافية والاجتماعية لتظهير هذه الوحدة التي ربما نغفل عنها، أو ننساها، وبودنا جميعاً لو أن حكامنا العرب ينصتون إلى هذا الهاجس، ويلتفتون إلى هذا المجموع العام الموحد بما يمثله من رموز وتطلعات.."

إن قضايا إشكالية طرحتها حلقة البرنامج ومنها "إعلان حقوق الإنسان" الذي يرفعه الغرب في وجه كل من يختلف معه، والعرب لا يعادونه، ولا يختلفون معه إلا في جزئيات، ربما لامست  خصوصية ما قد تكون موجودة لدى هذا المجتمع العربي أو ذاك، وهذا أمر طبيعي..

خلاصة القول إن الغرب يحاول دائمًا أن يبحث عن غطاء لسياساته التي تتعارض مع مصالح الشعوب وأوضح مثال له موقفه من قضايا الشعوب العادلة، وأهمها القضية الفلسطينية التي كان لها حضور مميز أزعج الإسرائيليين.

وتبقى مسألة تطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والديمقراطية والخلاص من ألوان الاستبداد وتجاوز الفوات الحضاري بأشكاله كافة بيت القصيد ومادة امتحان للعرب نخبًا وحكومات.