عين على واقع "الصحة الإنجابية" بمدينة الرقة تحت سيطرة "قسد"

2023.08.01 | 19:22 دمشق

عين على واقع "الصحة الإنجابية" بمدينة الرقة تحت سيطرة "قسد"
+A
حجم الخط
-A

تُعدَّ الصحة الإنجابية جزءاً أساسياً من الصحة العامة، عرّفت منظمة الصحة العالمية الصحة الإنجابية بأنها الوصول إلى حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية في الأمور ذات العلاقة بوظائف الجهاز التناسلي وعملياته وليس فقط الخلو من الأمراض أو الإعاقة.

تواجه النساء في مناطق شرقي الفرات مجموعة من العوائق التي تمنعهن من التمتع بمستوى جيد من الصحة البدنية والعقلية، والشروط المتصلة بها من ناحية توافر الرعاية الصحية وإمكانية الوصول إليها وجودتها، لا سيما الصحة الإنجابية.

تشتكي "زينب" وهي زائرة لمشفى التوليد في مدينة الرقة عن بُعده من منطقتها، والازدحام الكبير الذي يشهده المشفى يومياً، كون عدد المراكز والمشافي التي تقدم خدمة مجانية، محدودة جداً ولا تغطي احتياجات النساء، ولا تتناسب مع الكثافة السكانية في المنطقة.

تقول "مريم" إن عدد طبيبات النسائية محدود وقليل مقارنةً بعدد النساء الزائرات للمشفى، بسبب تفضيلهنّ العمل في العيادات أو المشافي الخاصة. فتقضي مريم وهي حامل في شهرها الخامس وقتاً طويلاً للانتهاء من فترة المعاينة والتصوير والتحاليل اللازمة، لمدة تترواح بين /4/ إلى /6/ ساعات.

بينما تفضّل "سناء" الولادة بمشفى خاص بسبب ما يعانيه مشفى التوليد الحكومي في مدينة الرقة من تدني في بعض الخدمات الأساسية كنقص الكوادر الطبية المؤهلة والنظافة والتعامل الجيد إضافةً لوجود بعض المحسوبيات (كلجوء بعض الإداريين والممرضين لاستقبال أقاربهم ومعاملته معاملة خاصة دون المرضى الآخرين) على حد تعبيرها.

مصاعب كبيرة تواجه الأهالي في مدينة الرقة وريفها عند زيارتهم لمشفى التوليد الحكومي، بدءاً من سوء تنظيم الدور للمريضات وليس انتهاءً بالرشاوى والمحسوبيات، عدا عن سوء الخدمات ونقص المعدات وقلّة الأسرّة في مشفى يُعتبر القِبلة الوحيدة للنساء التي تعاني بالأصل من سوء الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة.

يخبرنا الطبيب (أحمد) اسم مستعار من مدينة الرقة، عن تأثر المنطقة ومشافي الرقة عموماً ومشفى التوليد خاصةً بالظروف الأمنية وتقلبات السيطرة في المنطقة، وأهمها نقص أطباء وطبيبات النسائية خاصة ونزوحهم إلى مدن أخرى كدمشق، أو لجوء بعضهم إلى تركيا وأوروبا.

يقول الطبيب: "تواجه النساء صعوبة بالوصول إلى المشفى من مناطق الأرياف البعيدة، حيث تصل المسافة أحياناً إلى أكثر من 40-50 كم، ولا تلبّي سيارات الإسعاف التابعة للمشفى إلا الحالات القريبة جداً وداخل المدينة، أما الأرياف فحالات الإسعافات تتم بسيارات الأهالي الخاصة".

يتابع الطبيب: "يستوعب مشفى التوليد ما بين 50-60 حالة يومياً وتفتقر غرف عمليات التوليد لكثير من المعدات، حيث يتم إجراء ما يقارب 15-20 عملية قيصرية يومياً، بسبب لجوء النساء للعمليات القيصرية دون الطبيعية لأسباب جمالية تخص النساء".

على الرغم من تفضيل معظم النساء الذهاب للعيادات الخاصة، وتحمّل أجور وتكاليف المعاينة الباهظة، بسبب تدهور الخدمات في مشفى التوليد الحكومي بمدينة الرقة، إلا أن نساء أخريات كان لهنّ تجارب مختلفة خلال زيارتهن لبعض العيادات وتوصيف الواقع السيئ فيها.

تخبرنا "وضحة" بأن العيادات الخاصة القريبة من منطقتها تتكون من غرفة استقبال واحدة ويصل عدد المراجعين لـ80 شخصاً في بعض الأوقات، وغالباً ما تستغرق معاينة المريضة مدة لا تتجاوز /5/ دقائق، بسبب الازدحام الكبير جداً في غرفة الانتظار، إضافة لعدم تجهيز العيادة بالأدوات أو المعدات التي تساهم في خدمة صحة المريضة أو المرافق الذي معها من (مراوح، مدافئ، كراسي، حمامات، مياه نظيفة، فوط صحية….. إلخ)، عدا عن المعاملة السيئة من قبل الممرضات القائمات على استقبال المرضى وتنسيق الأدوار.

يؤكد الطبيب (أحمد) اسم مستعار أن كثيراً من النساء تُجبرهن الظروف الاقتصادية على الولادة عند قابلات قانونية أو حتى (ولادات غير مختصات) لانخفاض تكاليف أجورهن، على الرغم من عدم توافر أي إمكانيات حال حصول أي حالة طارئة في أثناء الولادة، مضيفاً أن مشفى التوليد الحكومي يفتقر كما كل المشافي الخاصة للحواضن التي لا تغطي كل الحالات اليومية إضافةً لارتفاع أجورها في المشافي الخاصة.

تُعتبر خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ضروريةً لسلامة المرأة، وهي جزء مهم في حياتها، وتغطي هذه الخدمات طيفاً واسعاً من الرعاية الصحية، بما في ذلك العناية بالأمهات وحديثي الولادة، والوصول إلى سُبُل منع الحمل، والوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسبة وغيرها من الأمراض المنقولة جنسياً، وتوفير العلاج لها.

تُعد مسألة الحصول على الأدوية قبل وخلال وبعد فترة الحمل، من أهم عناصر الصحة الإنجابية للمرأة، فكثير من النساء يُصبنَ بعددٍ من الأمراض خلال فترة الحمل وأبرزها فقر الدم ونقص الكلس وسكر الحمل، نتيجة عدم تناول أدوية داعمة بسبب عدم توافرها مجاناً، وغلاء أسعارها.

تشتكي "صبحة" من عدم توافر الأدوية مجاناً في المستوصفات القريبة بمنطقتها، ما يضطرها للاستغناء عن تناول بعض الأدوية، بسبب عدم أهميتها حسب معرفتها أو غلائها غالباً.

وبالحديث عن توافر الأدوية في الصيدليات يخبرنا "الصيدلي محمد" بأن معظم أصناف الأدوية الأساسية للمرأة قد تتوافر في بعض الأحيان، ولكن بأسعار باهظة جداً، حيث ارتفع سعر بعضها حتى ٢٠٠% خلال السنة الأخيرة، مما أدى لاستغناء عدد كبير من النساء عن تناول بعض الأدوية من الأدوية الموصوفة، بسبب سوء أوضاعهن الاقتصادية، وتردي الأوضاع المعيشية في المنطقة.

ويؤكد الصيدلي "محمد" افتقار الصيدليات لأدوية علاج العقم وبعض الأدوية الهرمونية ولجوء بعض النساء إلى الطب البديل لعلاج مشكلات تأخر الحمل ومنهن من يضطرن للسفر إلى مدن أخرى للعلاج، الأمر الذي بات يضيف عبئاً كبيراً آخر عليهن.

ولأن الصحة الإنجابية مسؤولية مجتمعية مهمة وأساسية في كل المراحل العمرية، فلا بد من تأمين رعاية للمرأة، من توفير خدمات صحية جيدة للأمومة السليمة والتي تشمل رعاية الأم في أثناء الحمل والولادة والنفاس، وتوفير خدمات تنظيم الأسرة مع تقديم الاستشارات المبدئية اللازمة.

ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان فإن الصحة الإنجابية في أي عمر تؤثر تأثيراً عميقاً على صحة الفرد لاحقًا، ويشمل ذلك التحديات التي يواجهها الناس في أوقات مختلفة من حياتهم.

ومنذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة في 17 تشرين الأول 2017، تعاني المدينة وريفها من نقص في توفير خدمات تنظيم الأسرة المبنية على احتياجات المجتمع حيث وصلت المرافق الصحية (مشافي - مراكز) إلى أدنى مستوياتها في تقديم الخدمات للمرضى، على الرغم من دعم بعض دول التحالف الدولي، ونشاط عدد كبير من المنظمات التابعة لها.