عودة الثنائي الشيعي للحكومة.. الرسالة وصلت من فيينا ومأرب

2022.01.18 | 06:36 دمشق

d-65-asbab-dakhlyt-wkharjyt-wra-wdt-althnayy-alshyy-llhkwmt.jpeg
+A
حجم الخط
-A

المشهد السياسي اللبناني الأبرز اليوم يتمثل في عودة الحكومة اللبنانية إلى الانعقاد، بعد قرار حزب الله وحركة أمل أو ما يطلق عليهما "الثنائي الشيعي"، بالعودة إلى المشاركة في جلسات الحكومة بعد ثلاثة أشهر ونيف على تعطيلها، وهذا الحدث كان كافيًا وحده لتحسن الأسواق المالية وانخفاض سعر الدولار، في دليل واضح على أنّ عامل الثقة يشكّل المدخل الأساس لمعالجة الأزمة المالية المتفاقمة في لبنان، والتي تتطلب خطوات عملية، تبدأ من تحويل الحكومة إلى ورشة عمل مفتوحة بعد استعادتها لدورها، ولا تنتهي بإنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإدخال العملة الصعبة إلى لبنان.

إيران رمت في الخريطة المعقدة حجراً لإظهار حسن نياتها لإتمام الاتفاق النووي عبر تعبيد الطريق لتسويات في لبنان والعراق

ولا شك في أنّ الأنظار السياسية والشعبية ستتركّز على الجلسة الأولى للحكومة، التي غابت عن المشهد السياسي طويلًا، وما يمكن أن ينتج عنها من قرارات، وفي طليعتها دراسة مشروع قانون موازنة العام 2022 وإحالتها إلى البرلمان، خصوصًا أنّ عودة حكومة ميقاتي إلى الانعقاد تساهم في تعزيز وضع الاستقرار الذي كان قد اهتز أخيرًا مع ارتفاع الدولار وعودة الناس إلى الشارع، ومع هذه العودة ستنصرف القوى السياسية والناس إلى أولوية الانتخابات النيابية التي دخلت في نطاق العدّ العكسي لإتمامها، على رغم الكلام المتواصل عن وجود نيّات لبعض القوى بتأجيلها.

وبغض النظر عن التحليلات فإنّ عودة الثنائي الشيعي عن مقاطعة مجلس الوزراء يندرج ضمن سلسلة مؤشرات إقليمية على عتبة اتفاق نووي مكتمل الأركان، وهناك تحليلات عديدة حول مؤشرات هذا الموقف الشيعي، وهي أن إيران رمت في الخريطة المعقدة حجراً لإظهار حسن نياتها لإتمام الاتفاق النووي عبر تعبيد الطريق لتسويات في لبنان والعراق.

بالمقابل يود الأميركيون أن يحقق الاتفاق مكاسب للسعودية وإسرائيل. فالسعودية تتقدم في اليمن، ولإيران رغبة بوقف إطلاق النار هناك. أما إسرائيل فتهتم بإنجاز ملف ترسيم الحدود مع لبنان، وتوقيع المراسيم نهائياً وإرساء الاستقرار في الجنوب اللبناني. وهذا يحتاج إلى جلسات حكومية، وتخفيف الضغوط على لبنان، من خلال الإعلان عن إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وتخفيف وتيرة ارتفاع سعر صرف الدولار، مقابل ضخ المصرف المركزي الدولارات في الأسواق.

وقبيل موقف الثنائي بالعودة لطاولة الحكومة أطل نائب الأمين العام للحزب إياه نعيم قاسم ليتهم القاضي طارق بيطار بالمسؤولية عن التعطيل السياسي وجرّ البلاد إلى أتون فتنة، لكن ثمة ما استجدّ خلال ساعات مساء ذلك اليوم، ودفع بحزب الله للعودة عن قرار تعطيل حكومة صنعها بنفسه، إضافة إلى التواصل مع رئيس الجمهورية للبحث في تنسيق المواقف، بعد اتخاذ الثنائي الشيعي لقراره وليس قبله.

لكن مراجع سياسية تشي بدخول باريس بقوة على الخط في لبنان بغطاء أميركي، سعياً لعودة جلسات مجلس الوزراء كانت طوال الفترة الماضية من دون جدوى. لكن المناخ الإقليمي اختلف اليوم، حيث يتحدث الجميع عن العودة قريباً للاتفاق النووي وفي مهلة أسابيع قليلة. وهذا ما انعكس أيضاً على ملف العلاقات الإيرانية - السعودية، إذ ساد حديث عن عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. وفي حال سارت الأمور في هذا الاتجاه فهي ليست النهاية بل بداية النهاية.

بالتوازي يشير دبلوماسي عربي أن طهران طرحت بشكل مفاجئ، مُبادرة سريعة لوقف إطلاق النّار وخفض التصعيد في اليمن، وأن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان التقى وفداً قيادياً في جماعة أنصار الله اليمينية في سلطنة عمان. حيث أبلغ الوفد الحوثي أن إيران تواصلت مع دول عديدة ضمنها فرنسا والسعودية وقطر وتشاورت معها على وقف الأزمة والقتال في اليمن.

كما أن عبد اللهيان أبلغ نظيره الفرنسي جان إيف لودريان منذ يومين أن حزب الله سيعيد تفعيل حكومة لبنان خلال أيام وذلك نظراً للأجواء الإيجابية في فيينا مع الدول الكبرى والظروف المتطورة مع السعودية في اليمن، بالمقابل فإن هذه التطورات البالغة الأهمية تأتي معطوفة على تطور المساعي التي تقوم بها الدوحة لفك العقد العالقة بين إدارة بايدن والإدارة السعودية حول ملفات المنطقة ما يعني ترجمة ذلك في وقف التدهور السياسي والأمني والمالي في لبنان، بعد الارتياح الذي قد تشهده الدول التي تتصارع في لبنان والمنطقة.

وعليه يرى الدبلوماسي العربي أنه لا بدّ من التأكد أنّ الإعلان عن التوصل للتفاهم حول الاتفاق النووي الإيراني سيعني في النهاية التوصل بالتزامن مع ذلك إلى اتفاقات أخرى في ملفات الشرق الأوسط الشائكة والمعقدة، وهذا الاتفاق سيفتح مجالات ومناخات إيجابية لخلق تفاهمات واتفاقات في مساحات جغرافية أخرى، من جورجيا وحتى أوكرانيا وصولاً إلى اليمن وليبيا والعراق وربما الملف السوري. وهو ما معناه أنّ روسيا ستكون حاضرة في هذه الملفات. ومن البديهي الاستنتاج بأنّ الملف اللبناني سيكون حاضراً عند طرح الملف السوري.

لكن مطلعين لبنانيين يشككون حتى اللحظة أننا وصلنا للخواتيم السعيدة، إنما نحن في نوع من محاولات التقارب لإرساء تفاهمات أوسع وأشمل، وهذا الأمر بحاجة إلى وقت أطول، خصوصاً أن الملفات الإقليمية والدولية معقدة وهناك لاعبون كثر من أبرزهم روسيا وتركيا والسعودية وقطر، لكن ما جرى يفترض أن تكشف مصيره الأيام وخاصة أن لبنان ما يزال قضية غير مجدية للسعودية.

ملف التّرسيم يحتاج إلى حكومة للتّوقيع على الاتّفاقات والمراسيم، وأنّ مفتاح الحل بالسّياسة هو ترسيم الحدود، والتّرسيم بحاجة إلى موافقة حزب الله،

والعودة الشيعية للحكومة تتزامن مع جملة أحداث أهمها ما قيل إنه إعداد واستعداد لاستقبال الوسيط الأميركي في عمليّة التّفاوض لترسيم الحدود​ البحريّة بين لبنان وإسرائيل ​آموس هوكشتاين​.

لذا فإن ملف التّرسيم يحتاج إلى حكومة للتّوقيع على الاتّفاقات والمراسيم، وأنّ مفتاح الحل بالسّياسة هو ترسيم الحدود، والتّرسيم بحاجة إلى موافقة حزب الله، و "هوكشتاين" أسَرّ لأحد الشخصيّات الدبلوماسيّة الأجنبيّة في واشنطن، أنه للمرّة الأولى يشعر بأنّ هناك جديّةً لدى كلّ الفرقاء اللبنانيين لترسيم الحدود مع الجانب الإسرائيلي، وبكلّ الفرقاء يعني "حزب الله" ضمنًا.

أما الحدث غير العابر فيكمن في زيارة السّفيرة الأميركيّة ​دوروثي شيا​ لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتناولهما موضوع النفط والغاز المصري وتأمين استثناءات من عقوبات قيصر حول استجرار الغاز المصري عبر سوريا، فضلًا عن مسألة ترسيم الحدود اللّبنانيّة- الإسرائيليّة، بالإضافة إلى إعادة فتح العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين طهران والرياض، كلّ هذا الكلام ينمّ عن أن الاتفاق النووي​ الذي يطبخ على نار هادئة في فيينا، بدأت ارتداداته الإقليمية تترجم في لبنان وغيره من الدول.

ولا يمكن فصل مسارات الحراك الغربي تجاه لبنان، وعليه يصل في أواخر الشهر الحالي، وزير خارجية الفاتيكان، بياترو كالاغار، إلى لبنان، للمشاركة في مؤتمر يعقد في جامعة الروح القدس حول مصير المسيحيين في المنطقة، وهذه الزيارة باتت تشي بسؤال مهم أنه ماذا بقي بعد 25 عاماً من لبنان التي طالما سعى الفاتيكان إلى المحافظة عليه، بصيغته التعايشية بين المسيحيين والمسلمين، وبوجود المسيحيين فيه وضمان وجودهم في الصيغة اللبنانية؟ سؤال تطرحه اليوم دوائر الفاتيكان بخوف كبير على لبنان.