عن لقاء هولاند مع "تلفزيون سوريا".. ملء لفراغات الرواية

2023.02.02 | 09:03 دمشق

فرانسوا هولاند مع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ظهر الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، في لقاء خاص عبر "تلفزيون سوريا" متحدثاً عن الموقف الفرنسي المتقدم تجاه سوريا في مرحلة رئاسته لفرنسا، مبيناً سعيه الدؤوب لضغط غربي فعال على بشار الأسد في مقابل تلكؤ غربي ودور اليمين المتطرف في أوروبا المعارض لأي تدخل غربي ضد الأسد، مؤكداً أنه حذر الأوروبيين من نتائج تقاعسهم عن نجدة السوريين بقوله " إن لم نحل مشكلة سوريا فإن سوريا هي التي ستأتي إليكم" وبأنه قد بذل وسعه لدعم الثورة السوريين وفي إطار دعمه كان قد استقبل قادة من الجيش الحر وقدم ما أمكنه من مساعدة ودعم لهم.

ولعل الموقف المتقدم الذي طرحه هولاند في مقابلته مع "تلفزيون سوريا" قد تدفع المشاهد للتساؤل عن مدى صدق هولاند فيما طرحه، خصوصاً أن المشاهد قد اعتاد أن يطرح الزعماء السابقين في مقابلاتهم الإعلامية بعد خروجهم من السلطة ما يبرئ ذمتهم من تقصير أو إخفاق إدارتهم في قضايا محلية ودولية، فهل بالغ هولاند فيما طرحه خلال اللقاء أم أنه بالفعل قد فعل كل ما يمكنه فعله تجاه القضية السورية.

أرادت فرنسا منذ تولي الرئيس هولاند لمقاليد الحكم أن يلعب المجتمع الدولي دوراً أكثر فاعلية في دعم الثورة السورية وحرمان نظام الأسد من تفوقه العسكري ومن أكثر أدواته القمعية تأثيراً على حجم الحراك المناهض للنظام، فبعد أشهر قليلة من تولي فرانسوا هولاند لرئاسة فرنسا في مطلع العام 2012 طرحت فرنسا مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن إرسال مراقبين دوليين إلى سوريا للإشراف المباشر على مدى التزام النظام بخطة المبعوث الدولي الخاص السابق إلى سوريا كوفي عنان، بما يضمن سحب النظام للأسلحة الثقيلة من المدن والتجمعات السكنية.

عادت فرنسا بعد عام تقريباً لتتبنى ضرورة توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد بعد المجزرة الكيماوية في الغوطة الشرقية في آب 2013، وكان هولاند قد أقر في مقابلة تلفزيونية في عام 2018 أنه يتحمل جزءا من المسؤولية لما آلت إليه الأمور في سوريا وذلك لعدم التدخل عسكريا خلال 2013، والاكتفاء بالمفاوضات السياسية، عقب استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في عدد من مناطق ريف دمشق. مؤكدا على "مسؤولية" باراك أوباما وديفيد كاميرون كذلك.

في أيلول 2015 وخلال استقباله لرئيس "الائتلاف الوطني السوري" آنذاك خالد الخوجة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك أكد هولاند أن فرنسا قد أعدت مشروع قرار بالاشتراك مع بريطانيا وإسبانيا أمام مجلس الأمن لإدانة القصف بالبراميل المتفجرة مع تقديم مقترحات عملية لردع النظام عن استعمال البراميل التي كانت من أبرز الأسلحة التي منحت النظام تفوقاً عسكرياً من جهة وحرمت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام من الهدوء والقدرة على الاستمرار والصمود وعقدت مهمة الثوار في المناطق المحاصرة وفي أحياء حلب الشرقية، وتعهد هولاند لرئيس الائتلاف حينها أنه في حال فشل مشروع القرار بسبب الفيتو الروسي والصيني فإن باريس ستتخذ منفردة إجراءات ملموسة لدعم الجيش الحر بما يمكنه من حماية المناطق المحررة.

لم تتهرب حكومة هولاند من التعهد الذي قدمه لرئيس الائتلاف الوطني وبالفعل وجهت الحكومة الفرنسية الدعوة لخالد خوجة لزيارة باريس بعد أن عارضت روسيا مشروع القرار الفرنسي الأوروبي لمنع النظام من استعمال البراميل المتفجرة في 28 من تشرين الأول 2015، توجهت كاستشاري لمجموعات من الثوار والجيش الحر برفقة رئيس الائتلاف آنذاك لزيارة لندن للقاء المسؤولين هناك ولنلبي في اليوم التالي دعوة الرئاسة الفرنسية في 7 من تشرين الثاني 2015.

كانت فرنسا في عهد هولاند من ضمن الدول القليلة جداً التي تستقبل المعارضة السورية وممثليها استقبالاً رسمياً بصفتها الممثلة الشرعية لسوريا ولهذا دلالات مهمة عن وجهة النظر الفرنسية آنذاك تجاه سوريا والقضية السورية واستقبل خالد خوجة استقبالاً بمراسم شرف كاستقبال الرؤساء ورؤساء الحكومات لتعقد الاجتماعات في القصر الرئاسي الفرنسي حيث استقبل وفد المعارضة السورية مستشار هولاند للشؤون العسكرية.

الحضور الفرنسي في تلك الاجتماعات أكد منذ البداية أن الرئيس هولاند قد اتخذ قراراً بتأكيد المسؤولين الفرنسيين بتقديم دعم نوعي فعال للمعارضة السورية يمكنها من حماية المناطق المحررة والدفاع عنها حيث شارك في الاجتماعات رئيس الأركان ومسؤولون رفيعو المستوى من وزارة الدفاع الفرنسية، ليعود الفريق الفرنسي للتأكيد على أن الاجتماع يأتي في سياق التزام هولاند بتعهداته التي قطعها وأن موضوع نقاشنا الأساسي يتمثل في بحث الدعم النوعي الذي يمكن لفرنسا تقديمه للثوار لحرمان النظام السوري من تفوقه الجوي.

الاجتماع الطويل اكتسب أهميته عن غيره من اللقاءات في كونه تضمن نقاشات تقنية تفصيلية انتهى بالاتفاق على تشكيل لجنة سورية فرنسية يشارك فيها ضباط سوريون اختصاصيون من الجيش الحر لبحث آليات وصول الأسلحة والتدريب عليها وبحث الضمان الأهم وهو عدم وصول الأسلحة لـ "جبهة النصرة" أو "تنظيم داعش"، على أن يقوم رئيس الائتلاف بالعمل على بحث المسألة مع الجانب التركي وفصائل الجيش الحر في شمالي وجنوبي سوريا.

بعد ستة أيام فقط على الاجتماع وقبل أن ينتهي رئيس الائتلاف من مشاوراته حول الضباط السوريين المناسبين لعضوية اللجنة السورية الفرنسية، في مساء 13 من تشرين الثاني شن تنظيم داعش هجومه الثلاثي المروع على العاصمة الفرنسية ليستهدف في أحد محاوره ملعب "دو فرانس" الذي كان يشهد مباراة ودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا وبحضور الرئيس الفرنسي أيضا، ليقع أكثر من مئة قتيل وعشرات الجرحى ضحية لهجمات داعش على باريس في ذلك اليوم الدامي.

بعد الهجوم طوت الحكومة الفرنسية ملف الدعم العسكري للمعارضة السورية ليعلن هولاند في خطابه المتلفز الأول بعد الهجمات أن أولويات فرنسا باتت تتمثل بالقضاء على تنظيم داعش، ليعود هولاند ويعلن بعد أسبوعين من هجوم باريس لكن هذه المرة من موسكو التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي لتأسيس آلية تعاون بين الجانبين لمحاربة تنظيم داعش في سوريا كما أعلن الرئيسان تعزيز العمل المشترك لبلديهما ضد الإرهاب واتخاذ قرارات بشأن استراتيجية الحرب على تنظيم "داعش" والأزمة السورية.

كما عبر هولاند عن أسفه تجاه إسقاط تركيا للطائرة الروسية مؤكداً ضرورة تجنيب المنطقة أي تصعيد! بعد أن كان هولاند ينتقد أداء روسيا في سوريا ويتهمها بتركيز ضرباتها الجوية على الجيش الحر وليس تنظيم داعش، إلا أن هولاند استدرك مؤكداً أن الاستدارة الفرنسية محصورة بالنشاط العسكري تجاه سوريا ولا تسمل موقفها السياسي حين أكد في نهاية المؤتمر الصحفي المشترك مع بوتين أنه لا مستقبل للأسد في سوريا.

لا شك أن مواقف فرنسا في عهد الرئيس الفرنسي هولاند تجاه القضية الفرنسية كانت أكثر انسجاماً مع شعارات فرنسا حول الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن فرنسا في عهده قدمت للمعارضة السورية ما لم تقدمه فرنسا في عهد ماكرون وانخفض مستوى الاهتمام الفرنسي بالمعارضة السوري إلى مستويات غير مسبوقة، وبعد أن كان رؤساء الائتلاف يستقبلون من قبل الرئيس الفرنسي في باريس بمراسم رسمية ويعقدون مع وزرائه اجتماعات مطولة بات مسؤولو الائتلاف يستقبلون هناك ببرود ومن دبلوماسيين من الدرجة الرابعة وربما الخامسة.

أشار هولاند في مقابلته مع تلفزيون سوريا التي قدمتها المجتهدة كاترين قنطار إلى دور اليمين المتطرف في أوروبا ودوره في إعاقة خطوات عملية في سوريا، ويبدو جلياً أن مؤتمره الصحفي المشترك مع بوتين عبر عن الاستسلام لابتزاز اليمين المتطرف وبطبيعة الحال بوتين، وصحيح أن هولاند تمسك بضرورة رحيل الأسد إلا أن السياسات الفعلية التي انتهجتها فرنسا مع بقية الدول لم تحقق ذلك المطلب وما يزال السوريون مسكونين بالإحباط الذي أعلن هولاند عبر تلفزيون سوريا تفهمه!