icon
التغطية الحية

عن حركة العصر الجديد والماديّة المتوحشة في مسلسل "لعبة الحبّار"

2022.03.07 | 17:05 دمشق

alhbar.jpg
من مسلسل لعبة الحبار (نتفلكس)
+A
حجم الخط
-A

كل عملٍ فني يحقِّق جماهيريَّة واسعة؛ يستحق الدراسة والتحليل للوصول إلى فهم أعمق للتغيّرات التي طرأت على المتلقي.

ومن هذا المنطلق، فإن مسلسل "لعبة الحبار" جديرٌ بالدراسة والبحث خصوصاً أنَّ هناك شبه إجماع بين النُّقاد والجمهور على تقييم عالٍ جداً للمسلسل؛ فحسب موقع imdb؛ كان متوسط التَّقييمات 8.0 من أصل 10، وهذا تقييم جيدٌ جداً، وفي موقع metacritic  كان التّقييم 7.3 من أصل 10 بالنّسبة للجمهور، و69 في المئة للنّقاد، بينما كانت نتائج موقع rotten tomatoe بنسبة 94 في المئة بالنّسبة للنّقاد، و83 في المئة بالنّسبة للجمهور.

القصة

يدخل الألعاب 456 لاعباً يُختارون بعناية فائقة حيث تكون حياتهم مهدَّدة ومشكلاتهم متشابكة ومعقّدة، ونتيجة دخولهم هذه الألعاب هناك احتمال لشخص واحد من أصل 456 بالحصول على مبلغ 40 مليون دولار أميركي تقريباَ.

المسلسل مشبّع بالأرقام والرُّموز، ولهذه الأرقام دلالات متضاربة وفق علم زائف يدعى علم الأعداد، والرّموز أيضاً حاضرة بكثافة في المسلسل. عدد الألعاب ستة، ولكن اللّاعبين لا يتعرَّفون على اللّعبة قبل موعدها، وكل من يفشل يموت، إنها ألعاب الطّفولة ذاتها لكنّ الخسارة باللعبة المُعدلة هو موت بيولوجي حقيقي.

الرأسمالية المتوحشة والحاجة إلى الروحانية

يطرح المسلسل مفهوم "الرأسمالية" كدين، إلهه المال وثوابته مستمدة من الفردية والمادية، والاستهلاك أهم أدواته؛ لينقسم المجتمع وفقا لذلك إلى طبقتين تصبح الحياة لدى كل منهما بلا قيمة ولا معنى. فطبقة الأثرياء تصبح حياتهم بلا معنى بعد أن جربوا كل متع الحياة، بينما طبقة المعدمين تصبح حياتهم بلا قيمة نتيجة استحالتها من دون توفر المال.

من خلال هذا التناقض العجيب في التقاء طبقة الأثرياء والمعدمين بعدم وجود قيمة أو معنى للحياة؛ تبرز للواجهة ضرورة إعادة صياغة معنى جديد لها. هذه الحاجة تفسر انتشار أفكار جديدة تحاول الاستفادة من نتائج العلم التجريبي وتضيف له تفسيرات من العلوم الزائفة وكذلك تستفيد من الفلسفات الروحية والأديان، أي أنها تحاول الدمج بين مختلف أنواع المعارف الإنسانية بشكل قد يبدو في كثير من الأحيان غير منهجي، على ضوء ذلك نجد أن المسلسل يتضمن بين ثناياه محاولات لتفسير الحياة وفهم السلوك البشري وكل ذلك بصورة بصرية مبهرة وقصة ممتعة.

الحلول أمامنا لكنّنا نبحث عنها بمكان آخر

مسارات الألعاب موضحة برسوم توضيحية على جدران الصّالة المرصوفة بالأسِرَّة، لكنّ تركيز اللّاعبين منصبّ على البحث وانتظار إعلان اللّعبة من القائمين عليها، ولم يفكر أحدهم بمعنى تلك الرموز المرسومة على الجدران.

 يقول التبريزي: "كيف يمكن للبذرة أن تصدق أن هناك شجرة ضخمة مخبأة داخلها؟ ما تبحث عنه موجود بداخلك"، وكذلك هذا ‏العمل يريد أن يقول: "كلّ شيء موجود داخل القاعة، أمام ناظري اللّاعبين لكنهم مستمرون بالبحث عن الحلول عند من يظنون أنَّهم يمتلكون الحلول".

معضلة الخير والشَّر

يطرح المسلسل جدليّة الصّراع بين الخير والشّر بأبهى صورها وتجلياتها، ومن ينتصر في نهاية اللّعبة هو الإنسان الخير، المتمثل بالرقم 456 "جي-هون Seong Gi-hun" الذي يبقى طوال الألعاب الإنسان النّقي البسيط الحريص على استخدام الوسائل الأخلاقيّة في صراعه من أجل البقاء، ليخرج من الألعاب الدّموية ويداه نظيفتان من الدماء، فهو نهاية التطور النّفسي للكائن البشري المتخبط بين الرغبات والأحلام الطفولية!

حرص كاتب العمل على تكريس قانون الكارما (الثّواب والعقاب)، فكل شخصيات المسلسل؛ تُقتل بنفس طريقة ارتكابها لجرائمها

في المشاهد الختاميّة للمسلسل نرى "أو-إلنام/ Oh Il-nam" ذو الرقم واحد (مصمّم الألعاب)، يراقب متسوّلاً وسط عاصفة ثلجيّة من نافذته المطلة على الشّارع؛ المتسوّل بحاجة إلى مساعدة عاجلة لكن مصمّم الألعاب يستمر بالمراقبة فقط، وعندما جاءه "جي-هون"، كان هناك تحدٍ بينهما، مصمّم الألعاب يراهن أنّ المتسوّل سيموت برداً ولن ينقذه البشر فهو يتبنى فكرة الشّر وعدم خيريّة البشر، بينما يراهن جي-هون على إنقاذ المتسوّل حيث يتبنى الخير وخيرية الإنسان. بعد لحظات من موت مصمّم الألعاب يحضر أحد المارّة سيارة الشّرطة ويأخذون المتسوّل لمكان يحتمي به، وبذلك تنتصر خيريّة الإنسان.

قانون "الكارما"

حرص كاتب العمل على تكريس قانون الكارما (الثّواب والعقاب)، فكل شخصيات المسلسل؛ تُقتل بنفس طريقة ارتكابها لجرائمها، أو بطريقة الهرب ذاتها من انتقام الخصوم؛ فالفتاة "ساي-بيوك/ Kang Sae-byeok" التي تغرس قطعة زجاج في عنق رجل سرقت أمواله، تموت بالطريقة ذاتها بشظيّة زجاج تفتح أحشاءها، ورجل العصابات "دوك-سو/Jang Deok-su" الذي هرب من الموت عبر القفز من فوق الجسر، يموت عندما ينهار فيه الجسر الزجاجيّ باللّعبة ما قبل الأخيرة.

لعبة (الكلل)

في لعبة الكرات الزجاجية (الكِلل/ الدحل) تم تقسيم اللّاعبين إلى ثنائيات كلّ شخص يختار شريكه، الاعتقاد السّائد أنّ هناك تعاوناً بين الشركاء، لذلك ركّزوا في اختيار الشّريك على القوة، لكنهم فوجئوا أنّ كلّ ثنائيّ سيموت أحدهما وينجو الآخر، واللّافت أن جميع الذين فازوا بالّلعبة كانوا الأكثر تفاؤلاً ورغبة بالحياة، وبعضهم يكرّر مقولات كرّسها مدربو التّنمية" التّحفيزية" تتعلق بأهمية التفكير الإيجابي والثّقة بالنّفس والمعتقدات الإيجابيّة، رغم أنّ اللّعبة لا تحتاج إلى مهارات وإنّما تعتمد على الصّدفة البحتة.

الإنسان مخير

بعد اللّعبة الأولى "لعبة الدّمية" لم يتبقّ إلا 201 من اللاعبين، حيث اعترضوا على هذه الدموية المفرطة، وطلبوا اجتماعاً عاجلاً مع القائمين على اللّعبة، نُظّمت على أثره أوّل عمليّة تصويت حرّة بين الانسحاب والاستمرار، المُصوّت الأوّل كان اللّاعب ذا الرقم "456" الذي يمثّل الفطرة الإنسانيّة النّقية، وبالطّبع سيختار عدم الاستمرار. في نهاية عمليّة الانتخاب كانت النّتيجة متعادلة؛ حيث صوّت مئة لاعب لعدم الاستمرار ومئة لاعب للاستمرار، وبقي "أو-إلنام" ذو الرّقم واحد، حيث شاءت إرادة مصمّم الألعاب أن يتوافق مع إرادة الإنسان المتمثِّل باللّاعب ذي الرَّقم "456"، أي أنَّ المصمم الذكي يختار ما يختاره الإنسان الخالي من المعتقدات المعيقة، وهذا ما تنصُّ عليه "قوانين" الجذب والانعكاس والاستحقاق.

وبذلك وجد الجميع أنفسهم خارج مسرح الألعاب ليعودوا إلى الألعاب مرة أخرى؛ بعد أن أدركوا أنّ الألعاب تمنحهم فرصة"1/456" للفوز بمبلغ كبير، بينما في مسرح الأحداث الحقيقي لا تمنح أيّ فرصة للنّجاة.

تعدُّد قراءات المسلسل

يمكن قراءة المسلسل من زاويا نظر متعددة، لكننا سنقرؤه من زاوية بعض المقولات التي بدأت تتكرّس في حياتنا اليوميّة من خلال صناعة التّنمية (البشريّة)، هذه المقولات لم تكن مقبولة اجتماعياً منذ عشر سنوات وهذا ربما أحد أسباب رفض المسلسل آنذاك، أما اليوم فأصبح المجتمع مشبّعاً بتلك الأفكار، وهذا لا يعني أنّ جميع هذه الأفكار ضارة أو غير صحيحة، هنا نحن بصدد الإشارة لتلك الأفكار بين ثنايا المسلسل وليس تقييمها وإطلاق الأحكام عليها.

هذه الأفكار المقبولة على نطاق عالمي والناتجة عن بحث معنى للحياة في ظل الرأسمالية/ المادية المتوحشة، وهو بحث تقوم به النخبة الثقافية المدركة لمشكلات الواقع، إضافة إلى الصّورة المبهرة والألوان اللافتة والإخراج الكوري المميز والجديد على المتلقي؛ وكنتيجة لهذه العوامل وغيرها حصل الاتفاق بين النقاد والجمهور على نجاح المسلسل، رغم وجود أخطاء في بعض المشاهد.

فـ "قوانين" مثل الكارما والجذب والانعكاس والاستحقاق، ما هي إلا تجسيد لأفكار حركة العصر الجديد التي بدأت تتبلور بشكل واضح وجلي وأصبحت تتغلغل في نسيج المجتمعات عبر غطاء الأديان والفلسفات الرّوحية تارةً وعبر دورات التّنمّية (البشريّة) وبعض ممارسات علم النفس تارةً أخرى.