icon
التغطية الحية

عمالة النساء تجتاح مدينة حلب

2021.12.03 | 04:58 دمشق

whatsapp_image_2021-12-02_at_6.29.55_pm.jpeg
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

دفعت ظروف الحرب وتبعاتها المرأة السورية لخوض تجارب قاسية وصعبة في سبيل إعالة أسرهن خاصة الأرامل والمهجرات، وزادت الظروف الاقتصادية والمعيشية المنهارة من قساوة العيش، حتى باتت مشاهد النساء العاملات في أسواق وشوارع مدينة حلب اعتيادية بعد أن كانت غير موجودة سابقاً.

اضطرار العديد من نساء مدينة حلب إلى العمل من أجل إعالة أسرهن خلال الأعوام الأخيرة، كان له وقعه الخاص على مجتمع لم يعتد على عمل النساء خاصة في الشوارع والأماكن العامة، حيث بدأت النساء بالعمل في المطاعم والمقاهي وفي الأكشاك وعلى "بسطات" بيع الخبز وغيرها، إضافة إلى تنظيف الأبنية من الخارج إذ كن سابقاً يعملن في تنظيف البيوت على نطاق ضيق فقط.

تقول "أم أحمد" لموقع تلفزيون سوريا وهي تجلس أمام "بسطتها" التي تحوي ما يزيد على 10 ربطات من الخبز، كانت قد اشترتها من فرن للخبز في حي الشعار بمدينة حلب: "أقف كل يوم من الساعة الرابعة فجراً حتى السابعة للحصول على 15 ربطة خبز من فرن البنشي أو فرن الشعب في حي الشعار وأحياناً أذهب إلى فرن الوحدة الحكومي في حي الميسر للحصول على الربطات وبيعها بسعر يتراوح ما بين 1000 و 1500 ليرة سورية، لأتمكن من إعالة أطفالي وتأمين مصروفهم اليومي من طعام وشراب ودواء".

تجهد "أم أحمد" في العمل لتأمين مصروف عائلتها بعد اختفاء زوجها عام 2016 في حي "قاضي عسكر" وغياب أخباره بالكامل منذ ذلك الحين، وتظن أنه قُتل على الأغلب وتم دفن جثته بعد عدم التعرف إليه، تاركاً لها خلفه أربعة أولاد أكبرهم بلغ الآن 21 عاماً، لكنها تمكنت من إبعاده خارج البلاد إلى تركيا هرباً من الخدمة الإلزامية في قوات النظام.

 

WhatsApp Image 2021-12-02 at 6.29.56 PM.jpeg

 

وعن كيفية تأمين ربطات الخبز يومياً توضح أم أحمد بقولها: "أتعامل مع أصحاب الأفران لتأمين 15 ربطة كل يوم بالتنسيق مع حرس الفرن التابعين للشرطة، وأدفع ثمن الربطة 800 أو 900 ليرة سورية، ثم أبيع الربطة الواحدة في الصباح بمبلغ 1500 ليرة وعند المساء، أُخفض السعر إلى 1000 ليرة كي لا تبقى عندي وأتعرض لخسارة اليوم بكامله".

يرى المتجول في مدينة حلب أن الأسواق باتت تزدحم بالنساء في كل مكان، ليس من أجل التبضع وحسب بل بتن على الجانبين كبائعات ومشتريات، وكذلك في المقاهي والمطاعم والمحال التجارية وحتى في دوائر النظام الحكومية والشوارع بشكلٍ عام ليطغى الطابع الأنثوي على المشهد بشكل كامل.

الظروف الصعبة التي أفرزتها الحرب في سوريا دفعت "فاطمة" للعمل في محل لبيع الألبسة النسائية في حي الجميلية، فاطمة وهي طالبة جامعية في كلية الآداب بجامعة حلب، تقول لموقع تلفزيون سوريا "أعمل منذ عامين تقريباً لأُعيل أسرتي وأحصل على مصروف الدراسة في الجامعة، 100 ألف ليرة سورية كلفة الفصل الواحد كحد أدنى، والدي مريض مقعد في الفراش لا يستطيع العمل، وأنا أعمل مع أخي لتأمين ما يلزمنا في المنزل".

وشرحت الطالبة الجامعية ظروف عملها قائلة: "راتبي في الشهر الواحد 100 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب 35 دولار أميركي، فأنا أعمل بشكل يومي أكثر من 6 ساعات، وأحاول ادخار أجرة الطريق التي يمكن أن تكلفني 25 ألف ليرة سورية شهرياً، فاعتمد على التنقل مشياً على الأقدام بين الجامعة والمنزل ومكان العمل".

"لا وقت لدي للدراسة"، تقول فاطمة "أعود إلى منزلي الساعة الحادية عشرة ليلا كل يوم، ولا أستطيع مراجعة ما أخذته في محاضرات الكلية، ولا أملك حلاً سوى العمل فأهلي فقراء ويسكنون منزلاً بسيطاً في حي السكري ولا يملكون المال لمساعدتي على إكمال دراستي".

رافقنا أم سعيد وهي ربة منزل وأم لطفلين أحدهما في العاشرة من عمره والثاني في السابعة، والدهم معتقل في سجون النظام منذ سيطرته على حلب مطلع عام 2017.

تقول أم سعيد: "أعمل في تنظيف الأبنية في المناطق الغربية من مدينة حلب وخاصة في حيي المارتيني وحلب الجديدة مقابل 5 آلاف ليرة سورية لكل بناء، يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع".

وتضيف: "أحصل كل أسبوع على مبلغ 20 ألف ليرة سورية مقابل تنظيف أربعة مبان، لكن العمل مجهد جداً خاصة في فصل الشتاء مع برودة الطقس واحتمال إصابتي بالمرض ما سيكلفني أعباءً إضافية جديدة ثمناً للأدوية".

وحول وضع زوجها تخبرنا أم سعيد: "زوجي معتقل في سجن عدرا العمالية بتهمة الإرهاب وانتمائه للجيش الحر منذ عام 2017 وبقي عامين لانتهاء حكمه، أسعى لزيارته كلما تأمن لدى مبلغ من المال، لكن لا حيلة لدي إلا الصبر حتى خروجه من السجن.. ابني الأكبر سعيد يعمل في ورشة للخياطة مقابل 15 ألف ليرة في الأسبوع، أما شقيقه الصغير مصطفى فهو في الصف الثاني الابتدائي وأفكر في الوقت الحالي بالاستغناء عن المدرسة وتوجيهه إلى العمل مع أخيه".

أسباب ظاهرة عمالة النساء

توضيحاً لأسباب هذا الوضع الذي تعيشه هؤلاء النساء والسوريون عموماً، يؤكد الخبير الاقتصادي سمير الطويل أن هناك كثيراً من النساء دخلن سوق العمل بالسنوات الأخيرة وخاصةً بعد تخطي الدولار حاجز الـ 1000 ليرة، إضافة إلى المرسوم رقم 3 الذي أصدره النظام عام 2020، والذي جرم التعامل بغير الليرة السورية وحصر تداول الدولار بالقنوات الرسمية من وجهة نظره، وهي مكاتب صرافة معتمدة أو مكاتب حوالات معتمدة، هذا الأمر خلق نوعاً من العوز والحاجة لدى كثير من الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على حوالات أقاربهم المغتربين أو اللاجئين من خارج سوريا، ما أسهم في زيادة نسبة الفقر وصولاً إلى نحو 90% من سكان سوريا.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن المرأة تحولت من ربة منزل إلى عاملة في مهن صعبة سواء في المصانع أو المحال التجارية، وذلك بسبب الفرق الكبير بين قيمة الرواتب والتضخم بالأسعار، ما يعني أن إعالة شخص واحد للأسرة لا يكفي، ويجب أن يعمل أكثر من شخص في الأسرة حتى يستطيعوا تأمين احتياجاتهم، وكثير من النساء اضطررن إلى العمل في العمل نفسه لأزواجهن المفقودين أو الغائبين، وهي غالباً أعمال شاقة لأن القطاعات والأعمال الإدارية حصل فيها اكتفاء كامل.

وأضاف "الطويل" أن هذه الظاهرة سببت آثاراً نفسية واجتماعية على النساء، لكن في النهاية لا أحد يكترث للظروف النفسية والاجتماعية في ظل الحرب أو في بلد مدمر كسوريا، فمعظم الناس يسعون لتأمين لقمة العيش كي يستمروا في الحياة، ويبقى خيار العمل الشاق أهون من الموت جوعاً للأسف".

العمل على حساب الأسرة

أما عن تضرر المرأة من الناحية الاجتماعية، فأكد الخبير الاقتصادي "عبد الناصر الجاسم" أن عمل المرأة تسبب بضرر كبير على الأسرة التي تعتبر هي عمودها الفقري، وبالوقت ذاته هي من تلم شمل العائلة ومن تتحمل العبء الأكبر مع غياب كثير من الرجال وباتت المرأة مضطرة للعمل إلى جانب قيامها بدور الأم والأب، وهو ما يفقدها كثيراً مما كانت تحظى به من علاقات اجتماعية ومع الجيران والأقارب.  

كما أضاف الجاسم أن للظروف الاقتصادية وقلة فرص العمل وتدني الأجور وانتشار الفساد في مؤسسات النظام وانتشار تسلط القوات الرديفة والشبيحة، ضغطاً اجتماعياً على المرأة جعلها ترضى بظروف عمل لا تتناسب مع طبيعة المرأة السورية، كما أشار إلى أن هذه الأمور انعكست على الجانب النفسي للمرأة التي وجدت نفسها أمام مسؤولية كبيرة لم تتعود على تحملها من قبل.

رغم عدم وجود إحصائيات محددة لأعداد ونسب عمالة المرأة في سوريا، فإن الواقع يرسم صورة مظلمة عن واقع النساء في مناطق سيطرة النظام، في حين تزداد الأعداد يوماً بعد آخر تزامناً مع موجة الغلاء غير المسبوقة التي تشهدها البلاد.