على هامش انتخابات الرئاسة الأميركية

2020.11.06 | 00:14 دمشق

915816-biden-trump.jpg
+A
حجم الخط
-A

لعله من الطبيعي أن تحظى انتخابات الرئاسة الأميركية باهتمام وترقب عالمي كبير، نظراً للدور الذي تحتله الولايات المتحدة الأميركية – سياسياً واقتصادياً وأمنياً – على مستوى العالم، وانعكاسات هذا الدور الذي تترجمه سياسة واشنطن على  حيوات الدول والشعوب.

ولكن ما هو طبيعي أيضاً أن يكون اهتمام الدول والحكومات الأخرى بما سيحصل في البيت الأبيض ناتج عن الشعور بما ستفعله هذه الحكومات فيما إذا احتفظ الجمهوريون بالرئاسة أم جاء نظراؤهم الديمقراطيون، أي ثمة خطط وبرامج لدى تلك الدول، وهي إذ تترقب أو تنتظر وصول أحد المرشحين إلى سدّة الرئاسة ،فإنما لتعيد النظر في أجندتها التي تراها مناسبة، والتي تعتقد أنها تحفظ مصالحها، أمّا ما هو غير طبيعي، هو أن تتحوّل نتائج انتخابات الرئاسة إلى حدث مفصلي في حياة الدول، وأن معطيات هذه الحدث أو تداعياته هي التي ستتحكم بمصائر الشعوب، وكأن الحكومات والدول ليس لديها البدائل الكافية والخيارات التي تمكّنها من الاستمرار في إدارة شؤونها وقضاياها وحياة شعوبها، أي إنها قد أجرت تصفيراً كاملاً لعداداتها قبل الانتخابات، وباتت في حالة إفلاس كامل، إلى أن يأتي الرئيس الأميركي الجديد، لتعيد رسم وبناء برامجها وفقاً لما يشاء هذا الوافد الجديد إلى البيت الأبيض.

ما يستدعي هذه المقارنة التي تبدو غريبة، هو الحالة الراهنة للسوريين وكيفية تعاطيهم واهتمامهم وردود أفعالهم حيال موضوع نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، ذلك الاهتمام الذي يخرج عن طوره أو سياقه الطبيعي، ليصل إلى عملية أشبه ما تكون بالمراهنة أو لعب القمار، لقد تجاوز الانشغال بهذا الحدث، الأحاديث العامة للمواطنين وكذلك تجاوز مجالس الأحزاب والكيانات السياسية والتجمعات والتيارات، بل أصبح الشاغل الأهمّ أيضاً لمراكز البحوث، والموضوع الأبرز للندوات وورشات العمل السياسية، فضلاً عن تدفقه الطاغي على وسائل التواصل  الأخرى.

ولعلّ السؤال الذي يهجس به الجميع: ما الذي يمكن ان تحمله نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية حيال القضية السورية؟ وبقدر ما يبدو هذا التساؤل مشروعاً، إلّا أن مشروعيته تبقى مشطورة، بسبب الاكتفاء بتساؤل منقوص، إذ من المنطقي والمُفترض أن تتلو هذا التساؤل أسئلة أخرى، من مثل: ماذا لدينا من خطط وسياسات وبرامج لنتعامل من خلالها مع الطارئ الأميركي المستجد في حال حدوثه؟ وهل لدينا البدائل الكافية من الاستراتيجيات التي يمكن أن تواكب المستجدات السياسية الأميركية إن حصلت؟ ماذا لو تمكّن بوتين من إقناع الإدارة الأميركية بحلّتها الجديدة المرتقبة ببحث مسألة عودة اللاجئين وإعادة الإعمار دون الوصول إلى حل سياسي ترعاه الأمم المتحدة، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه الروس من خلال مؤتمرهم المفترض في دمشق ( 11 – 12 من الشهر الجاري ) وفقاً للمصادر الروسية؟ وما الذي يتوجب علينا فعله لو تحققت مساعي لافروف بدفع نظام دمشق إلى التطبيع مع إسرائيل بمباركة أميركية، وما هي تداعيات ذلك على القضية السورية، وماذا لو أقرّت الحكومة الأميركية بإدارة ذاتية في شمال شرقي سوريا مع بقاء القضية السورية معلّقة؟ وما الذي يتوجب على كيانات المعارضة السورية فعلُه في حال استمرار عمل اللجنة الدستورية بهذه المماطلة واستثمار الوقت من جانب النظام، موازاة مع الامتناع الكامل عن بحث قضية المعتقلين وكذلك مع استمرار سياسة (القصف والقضم) التي يمارسها النظام وحلفاؤه على إدلب؟ هذه الأسئلة ومثلها الكثير مما يتداعى في الأذهان، قلّما تكون مقرونة بنصفها الأول: ما المُنتَظر من الإدارة الأميركية الجديدة؟ وكذلك قلّما وجدناها على جداول أعمال الندوات ومراكز الدراسات التي تعيش حالة ازدهار بالحديث والانشغال بالانتخابات الأميركية، وكأننا والحالة هذه، قد فعلنا جميع ما يتوجب علينا، ورمينا بالكرة في الملعب الأميركي.

ليس بوسع أحد التنكّر للدور الفاعل والهام الذي قام به المجلس السوري الأميركي في دفع القضية السورية إلى واجهة اهتمام الإدارة الأميركية

وتحاشياً من الوقوع في آفة التعميم يمكن التأكيد على أنه ليس بوسع أحد التنكّر للدور الفاعل والهام الذي قام به المجلس السوري الأميركي في دفع القضية السورية إلى واجهة اهتمام الإدارة الأميركية في بداية العام الجاري، وكان قانون قيصر نتيجة هذا الجهد الهام، علماً أن هذا الحراك الفاعل قد انبثق من خارج الأطر الرسمية للمعارضة، ولكن السؤال الذي يُطرح: أليس حريّا بهذه الخطوة ان تكون حافزاً لقوى المعارضة السورية نحو السعي الحثيث للتعاطي مع واشنطن بغية إيجاد موقف أميركي يعنى بالقضية السورية دون أن تكون مرهونة بقضية أخرى، وأعني بذلك عدم استمرار المراهنة على الموقف الأميركي من إيران، وهل يتوجب على السوريين المراجعة الدائمة لتاريخ الصراع بين الخمينية والإدارات الأميركية المتعاقبة ليجدوا أن ( الجمهوريين والديمقراطيين) معاً لم يخرجوا من إطار الاستراتيجية الأميركية القائمة على مبدأ ( احتواء نفوذ إيران وليس الإجهاز عليه)، ولئن ندّد ترامب بالاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمه نظراؤه الديمقراطيون، فإن أسلافه من الجمهوريين

( بوش الابن) قد سلّموا العراق غداة احتلاله عام 2003 كاملاً لإيران، وإذا تخاذل باراك أوباما في عدم معاقبة نظام الأسد حين هاجم سكان الغوطة بسلاحه الكيماوي في آب 2013 ، فما الذي فعله ترامب مع نظام الأسد، للسبب ذاته، في الرابع من نيسان 2017 ، سوى استهداف بضعة هنكارات خالية من أية محتويات في مطار الشعيرات؟

ما من شك بأن القضية السورية بلغت مستوى من التعقيد جعلها مرهونة بصراع المصالح الدولية، وما من شك أيضاً بأن الجغرافيا السورية باتت مسرحاً لاحتراب دولي وإقليمي تكاد تغيب عنه القضية الجوهرية للسوريين، ولا مصلحة لهم في جانب كبير مما يجري سوى استمرار نزيف دمهم وتعزيز مأساتهم، ولئن كان هذا الأمر مدعاة لشيوع الشعور بالإحباط وشكلاً من أشكال انتظار ما سيأتي به القضاء والقدر وفقاً لقناعة كثير من السوريين، فإن تماهي القوى السياسية والنخب الثقافية بمختلف مشاربها وأشكالها مع هذا الشعور، من خلالها انتظارها للحلول المُتخيّلة التي سيفاجئون بها المجهول في يوم ما، إنما يعني التسليم الكامل والإقرار بمشروعية ما يجري على الأرض السورية من خراب ودمار.