على درب النظام السوري.. لبنان يحول شعبه إلى مخبرين

2024.01.23 | 06:03 دمشق

آخر تحديث: 23.01.2024 | 06:03 دمشق

كل مواطن خفير
+A
حجم الخط
-A

تسيطر الأحزاب اليمينية اللبنانية على مفاصل وسائل الإعلام المحلية، الذين وعلى رغم اختلاف توجهاتهم وسياساتهم تجاه أبرز الملفات اللبنانية الأساسية وأكثرها تعقيدا، تتوحد صفوفهم ونشراتهم وتتكثف تقاريرهم حين تتلخص الأزمات اللبنانية بسردية الوجود السوري في لبنان، وكأنه امتحان وطني ينجح فيه من يغذي خطابه بكراهية مرتفعة السقف، في محاولة لإثبات ما لا يمكن إثباته، أن الحكومة اللبنانية تتابع عن كثب، تطورات الأزمات اللبنانية المتفاقمة والمرتبطة باللجوء السوري حصرا، فيطفو إلى السطح ذلك القلق حول مستقبل لبنان الديمغرافي والاقتصادي بشكل أساسي، دافعين بالمعضلات اللبنانية العميقة نحو منطقة الراحة، المتمثلة بحالة اللجوء المغرية لأي دولة ذات نظام مترهل تبحث عن ضحية تلبسها عقودا من الفشل.

ترتفع وتتراجع حدة العنصرية تبعا للأجندة السياسية اللبنانية، فالركود السياسي الذي يعيشه لبنان وسط الزلازل الإقليمية المحيطة به يبدو مريبا، بينما جبهة الجنوب لا تزال مشتعلة ضمن قواعد الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي، في حين يحذر رئيس الأركان الإسرائيلي من أن احتمالات اندلاع حرب في الشمال باتت أعلى من أي وقت سابق وأنهم مستعدون بكل قوتهم لها، وعلى اعتبار أن الجنوب اللبناني، كيانا مستقلا بذاته منفصل عن دولة لبنان "الكبير"، تسعى نخبة سياسييه إلى التنقيب عن مخرجات للأزمة السياسية والاقتصادية من بوابة اللاجئين العريضة لكن هذه المرة ضمن قالب متطور فاق التوقع.

مبادرة "كل مواطن خفير" أو مخبر، احتراما للدقة في انتقاء المصطلحات، أطلقها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ونائب بيروت غسان حاصباني برفقة عدد من نواب البرلمان اللبناني خلال مؤتمر صحفي

ووسط كتل النيران المحيطة بلبنان وخيار الحرب المطروح في ظل أزمة اقتصادية يواجه اللبنانيون مآلاتها، وعجز الدولة عن إدارة الأزمة بطبيعة الحال، وفي سياق الفشل المستمر، ومع انعدام قدرة مجلس النواب على الاتفاق على تسمية رئيس للجمهورية أو اقتراح قانون يثبت وجودهم داخل كيان الدولة، اجتهد عدد من نواب الأمة في التنقيب عن حلول جذرية للمعضلة اللبنانية من بوابة اللجوء السوري لحرف الأنظار عن واقع دولة تلتقط أنفاسها الأخيرة في سبيل تنفيس الاحتقان الشعبي، عبر ابتداع وسائل "إبداعية" تخفي بين ثناياها كراهية تجعلها أقرب إلى الدناءة.

مبادرة "كل مواطن خفير" أو مخبر، احتراما للدقة في انتقاء المصطلحات، أطلقها نائب رئيس مجلس الوزراء السابق ونائب بيروت غسان حاصباني برفقة عدد من نواب البرلمان اللبناني خلال مؤتمر صحفي، وهذه المبادرة هي عبارة عن تطبيق يحمل اسم "تبليغ" يتيح للمواطن التبليغ عن السوريين “المخالفين للقانون وغير الشرعيين” وذلك لأن "أمن بيروت والأشرفية خط أحمر" بحسب حاصباني.

في دولة الدويلات، تبدو الخطوط الحمراء كثيرة، في حين تبدو حمرة خطوط بعض المناطق أكثر سماكة وعرضا، بينما تنعدم الخطوط نفسها في مناطق أخرى ومعها تلك الصفراء أو البيضاء التي تتوسط الطريق السريع، وبين الخطوط وعلى اختلافها وتباين حمرتها، ثمة شعب ينتظر انقلاب الطاولة، وخلال انتظاره هذا يعمل على إيجاد ما يمكن فيه تأمين أساسياته اليومية، وعلى اعتبار أنه ثمة ساعات انتظار طويلة، فثمة وقت كاف جدا لاستثماره في المراقبة والتتبع، بهدف التبليغ عن المخالفين من التابعية السورية حصرا، وذلك لحفظ الأمن والأمان، ولعل هذا التطبيق هو النسخة الأكثر تطورا لحالة المخبر لدى النظام السوري، لكن بدلا من التقارير المكتوبة أو الحضور الشخصي، طوّر الغيارى على أوطانهم تطبيقا يتيح للمواطن التبليغ عن المخالفة من المنزل تأكيدا على أهمية الرفاهية للمواطن "المخبر" وهو ما يجعله مواطنا مميزا عن زملائه في دول مجاورة.

انتصار وهمي ينضم لسجل الانتصارات الوهمية المليء بالإنجازات العنصرية التي يجتمع حولها "الوطنيون الجدد" وهي فئة تتجلى وطنتيها في تجديد خطاب الكراهية تجاه اللاجئين على وجه الخصوص

استعرض حاصباني تطبيقه الخارق ضاربا بعرض الحائط هيبة القوى الأمنية التي تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام المواطنين والمقيمين عامة في حمايتهم جميعا على الأراضي اللبنانية من جهة، متناسيا أي -حاصباني- ورفاقه أن مثل هذه المبادرات التي حتى وإن صيغت عن حسن نية، لها انعكاسات سلبية على الشارع اللبناني الملتهب أصلا، الأمر الذي قد يغذي الكيديات ويعيق التماسك الاجتماعي ويزيد الشرخ داخل المجتمع الواحد في ظل قلق يسيطر على الطرفين من مستقبل مجهول وترحال قد يطول الجميع وينهيهم على طريق لا أفق له ولا خطوط تحيطه.

انتصار وهمي ينضم لسجل الانتصارات الوهمية المليء بالإنجازات العنصرية التي يجتمع حولها "الوطنيون الجدد" وهي فئة تتجلى وطنتيها في تجديد خطاب الكراهية تجاه اللاجئين على وجه الخصوص وهي نفس الفئة التي تخشى تغيير الطغمة السياسية، وتعيد انتخابهم حرصا على وحدة الصف وحقوق "الطائفة" وهي نفسها أيضا التي ترفع صوتها في استديوهات البرامج السياسية تشتكي السلطة وتطلب محاسبتها أيضا، ثم تأتي السلطة على هيئة فئة يعيش أكثر من نصفها ضمن حالة من القلق والترقب من الترحيل بسبب -مجددا- فشل الدولة في ضبط الحدود وبالتالي إدارة ملف اللاجئين وما تبعه من عرقلة الإقامات، والتي تشكل أزمة حقيقية بالنسبة لشريحة كبيرة من السوريين الذي لا يستطيعون الاستحصال على إقامات شرعية خشية من الترحيل، لا سيما أن قانون العمل اللبناني يحد مجالات عمل الأجنبي ضمن ثلاثة قطاعات هي الزراعة والبناء والبيئة ما أدى إلى تعميق الأزمة وخلق فجوة بين الطرفين وفشل أي مسار حقيقي في اتجاه إيجاد حلول قابلة للقياس في ملف النزوح.