علاقة الصراعات الدولية والجيوبوليتيك مع الواقع السوري

2024.05.19 | 06:10 دمشق

سوريا
+A
حجم الخط
-A

يسأل بعضهم، ما علاقتنا كسوريين مثلا بالشأن المغاربي الجزائري والصراع على الصحراء الغربية؟ ولماذا يجب أن نهتم بالصراع السوداني أو الليبي؟ وهو محق في سؤاله، فلقد تعودنا لسنوات طويلة من إعلام النظام السوري على أن الأخبار المتعلقة بسيادته أولا، زواره، تصريحاته، زياراته للدول الأخرى.. الخ، ثم الأخبار السياسية التي تمجد به، كأن يصرح نقيب صيادي السمك في نيكاراغوا مثلا أن سياسة سيادته حكيمة ومتوازنة، ويؤكد على الحقوق المشروعة.. إلخ. ثم أخبار الدول المحيطة ثم العالم.

وعلى المقلب الآخر، فإن قرب الحدث من القارئ مهم جدا في علم الصحافة، وفي اهتمام القارئ به، فحادث سيارة حصل في مدينتي حمص مثلا، سأهتم به وبتداعياته ومن أصيب ومن مات وكيف حصل الحادثو.. إلخ أكثر من اهتمامي بحوادث أكبر تحصل في أماكن أبعد، لهذا أتفهم هذا المنظور للرؤية، لكني أعتقد أن لكل حدث في العالم - مهما صغر أو كان بعيدا جغرافيا - انعكاساً علينا كسوريين، وعلى ثورتنا، فنحن لا نعيش في جزيرة مهجورة بعيدا في أقاصي العالم، بل نحن في بؤرة الصراعات الدولية منذ عمق التاريخ لليوم، ومن لا يقرأ ماذا يحدث من صراع وتحالفات بين القوى المختلفة؟ وصعود قوة وضمور قوة أخرى، لا يستطيع أن يعمل بالشأن السياسي، وينصر قضية شعبه، ونحن - كمناضلين ضد استبداد نظام الأسد - جزء من هذا العالم وصراعاته وتشابك القوى المختلفة وتحالفاتها، وقراءة هذا الواقع وتقدير الحدث وأبعاده، يساعدنا على نصرة ثورتنا وقضية شعبنا في الانعتاق من الاستبداد والانتقال إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

في العلاقات الدولية والجيوبوليتك والسياسة:

بعد سنوات طويلة وتجارب مريرة، أصبح معظم السوريين يعلمون أن المصلحة هي المحرك الرئيسي للحكومات، ومهما كانت العلاقات التحالفية مميزة بين الحكومات، لكن كل حكومة تبحث عن مصلحة ذاتية تخصها (مصلحة شعبها، أو الحاكم) حتى لو كانت على حساب حليفها. درس قاس تعلمناه بدماء أهالينا، ورغم ذلك ما زالت القضايا الكبرى كالديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها محل نظر، ولا يمكن أن تهملها الحكومات بشكل كامل حتى لو ادعت أنها مهتمة، ويمكن رؤية هذا اليوم في مظاهرات الجامعات المتضامنة مع غزة، في أميركا وأوروبا، وهذا ما يجب ألا ننساه، فالعلاقة ذات شقين، نفعي مصلحي، وأخلاقي إنساني، لهذا أعتقد أن من مصلحتنا تصديق كذبهم، ولعب لعبتهم، فنبحث عن نقاط التقاء مصالحنا مع مصالحهم، ونعمل عليها، وبنفس الوقت نستمر في المطالبة بحقنا كشعوب في أن نعيش بدول ديمقراطية تحترم مبادئ حقوق الإنسان، ونوسع علاقاتنا مع الجمهور ومنظماته التي تؤمن أكثر من الحكومات بالمبادئ الأخلاقية، لتكون سندا لنا في الضغط على الحكومات.

في التحالفات:

سعى الأميركي بقوة من أجل إضعاف خصومه ومنافسيه، ففتت الاتحاد السوفييتي، ولاحق روسيا حتى وصل إلى حدودها بعد أن كان يقف في النصف الغربي من برلين، واليوم وبعد الفراغ الذي تركه التراجع الأميركي، وسعيه المحموم لاستباق الزمن وعدم الابتعاد عن صدارة العالم، وإضعاف منافسه الصيني، لابد أن نفكر بموقعنا، على الأقل كي لا نكون تحت أقدام الفيلة وهي تتصارع.

نظرا لأهمية الشرق الأوسط لما يمتلكه من ثروات طبيعية (نفط وغاز و..) وحاجة خطوط التجارة الدولية للمرور به، وإشرافه على مسطحات مائية ومضائق مهمة، تسعى أميركا لأن يبقى الشرق الأوسط كوكبا يدور حولها، لهذا لا تريد لإيران أن تخرج من فلكها، وتريدها مع السعودية وإسرائيل، بعيدين عن الصين وروسيا، (أنظر مقالة "الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران")  في المقابل تعمل الصين وروسيا على التمدد وإيجاد تحالفات في كل منطقة من الشرق الأوسط وإفريقيا يمكن أن يصلوا إليها، وتوسعت العلاقات مع إيران المتمددة في الشرق الأوسط، المسيطرة على أربع عواصم عربية - بعد أن سمح الأميركي لها بهذا التمدد بسوء تقدير منه - وتسعى للمزيد عبر أذرعها المنتشرة في كل مكان، (انظر مقالة أسئلة صعبة في استشراف المستقبل وانعكاس أزمات الإقليم على سوريا) فنراها تتمدد في المغرب العربي والجزائر عبر البوليساريو التي أشرفت جماعة حزب الله على تدريبها لتنفيذ عمليات في مضيق جبل طارق، ونراها في السودان، وفي أماكن ثانية بإفريقيا، والإيراني عدو لنا ولثورتنا، وكل ما يضعفه يصب في مصالحنا.

لهذا أعتقد أنه علينا الاهتمام أكبر بما يدور من تحالفات في منطقتنا وما حولها، فمثلا إن نظرنا إلى العراق، كيف يجب أن نتابع الزيارات المتبادلة في المنطقة، زيارة أردوغان لبغداد وأربيل، والتصريحات التركية المتتالية حول العملية العسكرية بشمالي العراق لتطهيرها من pkk وإنشاء منطقة آمنة فيه، وهل هذا بهدف إضعاف النفوذ الإيراني؟ وهل كانت زيارة البرزاني لطهران بهدف تبريد أجواء الصراع بعد تفجير حقل غاز كورمور قرب السليمانية بشمالي العراق؟ وماذا عن الحراك الذي يقوم به الحلبوسي وحزب تقدم؟ وماذا سينتج عن المؤشرات التي توضح قرب عودة الصدر عن اعتزاله للسياسة وما أهمية هذه العودة، وما الحصة التي سيسحبها من القوى التي تتبع إيران؟

في السودان، لماذا علينا أن نتهم بالصراع الداخلي في السودان؟ وكيف يجب أن ننتبه للمسيرات التي تبيعها إيران لقوات الدعم السريع؟ وما مدى تغلغلها في إفريقيا؟

وعلينا أن ننتبه للصراع الجزائري المغربي، وقد دخلت الإمارات القريبة من المغرب مؤخرا على هذا الخط بعد تسريبات عن نية الإمارات شراء حصة في شركة الغاز الجزائرية الإسبانية "ناتورجي" التي تنقل الغاز من الجزائر إلى إسبانيا. تتخوف الجزائر التي تشترط على شركات الغاز الاسبانية عدم بيع الغاز لطرف ثالث (تقصد هنا المغرب) إلا بعد حصولها على موافقتها، من شراء الإمارات لحصة إسبانيا في هذه الشركة، وقيامها بتوريد الغاز للمغرب، طبعا مع إعادة التذكير بأن إيران تدعم الجزائر من خلال دعم البوليساريو، وبأن المغرب على خلاف مع الجزائر، وإيران ونظام الأسد طبعا، بسبب دعمهم للبوليساريو.

من المستجدات أيضا انضمام المغرب إلى النادي المغلق للدول الإفريقية التي تصنع الطائرات العسكرية من دون طيار (جنوب إفريقيا، ومصر، والنيجر) بالتعاون مع إسرائيل، وقد نقلت "لوموند الفرنسية" عن رئيس الشركة الإسرائيلية BlueBird Aero Systems، أن (وحدة إنتاج الطائرات بدون طيار، بدأت العمل في المغرب).

كما أعلنت الحكومة البريطانية "قانونية ومشروعية النشاط التجاري للحكومة المغربية في الصحراء الغربية" بالتزامن مع إعلان شركة بريطانية عن موافقة الحكومة المغربية البدء في استغلالها لحقول النفط المكتشفة في شمال غربي البلاد.

أيضا في الحديث عن روسيا، وهي شريكة إيران في قتلنا، علينا أن نتابع معركتها في أوكرانيا، وتمددها في إفريقيا، وعلاقتها مع إيران والصين والهند، وأخبار مشروع "ممر الشمال – الجنوب" وما علاقته مع الأخبار الواردة بأن الهند ستوقع اتفاقية لإدارة ميناء جابهار الإيراني الواقع على بحر عمان في جوار باكستان لمدة 10 سنوات.

كل هذا الحراك الضخم حول العالم يراه البعض أمرا ثانويا لا علاقة لنا به، بينما أراه أمرا مهما علينا متابعته بجدية، وعلينا فتح خطوط التواصل مع كل المتضررين من التمدد الإيراني، وكل معارضي نظام الملالي، في سبيل تأمين أوسع تحالف قادر على طرد الغزاة المحتلين لبلادنا الداعمين لنظام القتل والإجرام، نظام الأسد القاتل لشعبه الناهب لثروات بلاده العميل لقوى الخارج.

 

 

كلمات مفتاحية