عفرين... مؤشر آخر للكارثة أفلا نتعظ؟

2018.08.01 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كانت الصور الأولية القادمة من مدينة عفرين بداية دخول قوات المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي ضمن عملية «غصن الزيتون» المستهدف لوحدات حماية الشعب، غير مطمئنة للعفرينيين سواء من بقي في عفرين أو من نزح جراء المعارك التي دارت في المدينة وريفها، إذ شهدت الأيام الأولى من سيطرة المعارضة السورية، حالة من الفوضى العارمة وفلتاناً أمنياً تسبب بحدوث انتهاكات عدة من نهب للممتلكات واعتداء على المدنيين.

في الحال سارعت فصائل المعارضة السورية المسيطرة على المدينة  إلى التنديد بهذه الممارسات، وأعلنت عن ضبطها للأوضاع في المدينة، وإحالة الجناة إلى القضاء وإعادة المسروقات إلى أصحابها، وتعهدت بعدم تكرار ما حدث، خاصة أن ضمن تلك الفوضى وصلت رسائل أخرى للعفرينيين الذين جلهم من المكون الكردي، منها تحطيم تمثال الرمز الكردي الأسطوري كاوا الحداد، ما اعتبره الكرد رسالة واضحة للحكام الجدد لعفرين، مفادها أن وراء الأكمة ما وراءها.
 بالتوازي مع ذلك عقد في مدينة غازي عنتاب التركية  مؤتمر لنشطاء من عفرين تحت مسمى «مؤتمر إنقاذ عفرين» واسم المؤتمر ذاته أشار إلى تعقد الوضع في المدينة لا بل يمكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك بأن نقول أشار اسم المؤتمر إلى كارثية الوضع في عفرين وريفها، فلا ينقذ إلا من كان في تهلكة.

وكان من مخرجات «مؤتمر إنقاذ عفرين» تشكيل لجان ومجالس محلية لتدير المناطق التي سيطرت عليها المعارضة،

لم تتوقف الأخبار القادمة من عفرين حول الانتهاكات المستمرة التي تطال المدنيين، سواء من فصائل معروفة بأسمائها، أم من مجموعات مسلحة مجهولة.

وتم الإعلان بالفعل عن عدة مجالس محلية في مركز مدينة عفرين والنواحي التابعة لها، أناطت بنفسها مهمة ترتيب الأوضاع في المنطقة، وإعادة النازحين، وإن مستقبل المدينة سيكون بيد أهلها وبإدارة مدنية.

لكن، بالرغم من الإعلان الأول للفصائل عن ضبط الفوضى الأمنية في عفرين والإعلان الثاني لمؤتمر إنقاذ عفرين حول تشكيل المجالس المحلية، وإضافة إلى ذلك ما تم الإعلان عنه من نشر لقوات أمنية تحت مسمى الشرطة الحرة في عفرين، لم تتوقف الأخبار القادمة من عفرين حول الانتهاكات المستمرة التي تطال المدنيين، سواء من فصائل معروفة بأسمائها، أم من مجموعات مسلحة مجهولة، تقوم بمصادرة أملاك المواطنين وتختطف آخرين لتطالب فيما بعد بفدية لإطلاق سراحهم.

 إضافة إلى ما نشر عن عقاب جماعي لبعض القرى من قبل الفصائل المسيطرة عليها لسكان هذه القرى بتهمة التعامل أو الانتساب لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وهذا ما أشار إليه مؤسس مؤتمر إنقاذ عفرين «حسن شندي» في مشاركة له ضمن برنامج «الصالون السياسي» الذي يعرض على شاشة تلفزيون سوريا قبل أسبوع، حيث أشار شندي إلى عدم وقوع انتهاكات كثيرة في المدينة وريفها، وعدم قدرة المجالس المحلية على ممارسة نشاطها في ظل الفوضى الموجودة بتوزع ثلاثين فصيلاً عسكرياً في المدينة وريفها يعمل كل حسب ما يراه مناسباً، ففي سياق الحديث أشار إلى أن العديد من المواطنين يتعرضون للاعتقال والتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية لعدة فصائل وبذات التهمة وهي في أغلب الأحيان الانتماء لوحدات حماية الشعب.

أفرزت هذه الفوضى الأمنية حالة من التخوف الكبير لمستقبل المنطقة خاصة وإن مدناً أخرى كجرابلس والباب مازالت تعاني من ذات الحالة رغم مرو أكثر من سنتين على سيطرة المعارضة السورية عليها بعد طرد تنظيم الدولة منها.

ويرجع الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل السبب في هذه الفوضى الأمنية لعدم وجود تنسيق فعلي بين هذه الفصائل، عدا عن الخلافات الموجودة بين الفصائل ذاتها والتي أفرزت في كثير من الأحايين صدامات عسكرية راح ضحيتها مدنيون بحكم وجود هذه الفصائل في مناطق سكنية آهلة.
في المقلب العفريني يزداد الوضع تعقيداً وسوءاً  بحكم أن المدينة ذات غالبية كردية و
تتوجس من المستقبل توجساً وجودياً خاصاً وتجد في ما يحصل عملية تغيير ديمغرافي تستهدف الوجود الكردي في المنطقة، ويتزايد التخوف من أن الحالة هي حالة احتلالية إلى يقين في ظل ما تتعرض له البلدات والقرى العفرينية من انتهاكات وصفت في بعض الحالة بالممنهجة، وتزايد هذه الشعور لدى معظم الكرد في سوريا بعد أن أسكنت عائلات نازحة من مدن وبلدات سورية أخرى- هم أيضاً مهجرون- في منازل نازحي عفرين الفارغة.

بطبيعة الحال لن يدوم الوضع كما هو عليه اليوم، وهنا الحديث ليس عن أشهر وسنوات قريبة فقد يستمر الوضع لسنة أو سنتين، لكن في النهاية لابد أن تضع الحرب أوزارها، ويصار إلى حل للقضية السورية شديدة التعقيد، لكن ما يغفل عنه المسيطرون على عفرين هو أن هذا  التوجس لدى العفريين يتحول إلى حالة من الكراهية، ويتحول لشرخ بين مكونات  المنطقة الشمالية لريف حلب التي تحتضن خليطاً إثنياً، هذا الشرخ المجتمعي المعنون بالدم لن تستطيع هذه الفصائل أن تحله بقوة السلاح الذي تحكم به اليوم، بل سيكون وبالاً على المنطقة لأجيال قادمة، وهنا استذكر ما قامت به وحدات حماية الشعب حين عرضت جثث مقاتلي المعارضة قبل سنوات على شاحنة جابت شوارع عفرين حينها وما نتج عن ذلك التصرف من رد فعل ساخط تحول إلى شيء من الكراهية والحقد، فما إن سيطرت هذه الفصائل على عفرين حتى دار الحديث عن أن في هذا شيئاً من الانتقام لأولئك المقاتلين.

يجري كل هذا في ظل وجود العشرات من منظمات المجتمع المدني التي ترفع شعارات نبذ خطاب الكراهية،

قد لا تدرك هذه الفصائل المنشغلة في الوقت الراهن بثانويات الأمور من جلب دعم عسكري، إلى توسيع مناطق نفوذها، بخطورة ما تنتجه سياساتها الخاطئة، والفوضى التي لا تنتج إلا الحقد والكراهية بين مكونات المنطقة.

والمؤسسات الإعلامية التي بدورها ترفع شعارات العمل على كشف الأخطاء ودرء الفتنة والتعصب المذهبي والقومي، منها موجود على الأرض في الداخل السوري ومنا موجودة في الدولة المجاورة لسوريا.

قد لا تدرك هذه الفصائل المنشغلة في الوقت الراهن بثانويات الأمور من جلب دعم عسكري، إلى توسيع مناطق نفوذها، بخطورة ما تنتجه سياساتها الخاطئة، والفوضى التي لا تنتج إلا الحقد والكراهية بين مكونات المنطقة، لكنه لزام على من يريد بها خيراً أن يعمل على ردم الهوة وكشف ما يحصل دون مواربة، أي المنظمات الحقوقية والراصدة للانتهاكات والمؤسسات الإعلامية العاملة في المنطقة وأيضاً المجموعات التي تحمل شعارات العمل على مبادئ العيش المشترك ونبذ خطاب الكراهية، فالتماهي مع الجريمة أيضاً جريمة.

خلاصة القول، تبقى المدن لأهلها والأرض لا تبر إلا بأصحابها ومن يبر بها، وبات لزاماً علينا بعد سنوات القهر السبعة التي مضت أن نتوقف لنعيد الحسابات ونتأكد بأننا نبر بهذه الأرض ونبر بمستقبل من سيأتي بعدنا من أجيال، أم أننا ماضون بما نحن عليه من سلوك عيش قد يذهب بما هو آت بعد أن أتينا على الحاضر وعثنا به خراباً؟ّ!