عصام العطار.. كما عايشت

2024.05.21 | 06:39 دمشق

آخر تحديث: 21.05.2024 | 11:10 دمشق

3544444444444444444444444
+A
حجم الخط
-A

في يوم من الأيام كان علي أن أقابل اللواء آصف شوكت في مكتبه بدمشق عندما وصلت إلى الدائرة الرسمية استقبلني الضابط ظافر اليوسف واصطحبني إلى مكتب اللواء رئيس مخابرات النظام السوري آنذاك، عندما دخلت المكتب استقبلني اللواء آصف مرحبا بقوله أهلا بزلمة عصام العطار، فقلت له إن من يعرف عصام العطار يكون مرفوع الرأس. عصام العطار هو قامة وطنية بامتياز وليس هو كمن يدعي الوطنية.

المعارضة العراقية دخلت العراق على الدبابة الأميركية، لكن عصام العطار ولو دار الزمن وقدر للدبابة الأميركية أن تدخل سوريا فسوف يكون عصام العطار تحتها وليس فوقها. هكذا عرفت الأستاذ عصام العطار رحمه الله تعالى.

 البدايات في آخن

في مطلع السبعينيات من القرن الماضي وصلت إلى مدينة آخن غربي ألمانيا لألتحق بجامعتها الهندسية العليا في كلية هندسة الميكانيك، علمت بأن مسجدا يتوسط أبنية جامعة آخن. سعادتي كانت كبيرة بأن أستطيع التردد على هذا المسجد. كان المسجد مركزاً ثقافياً اجتماعياً متعدد الجوانب يقوم على تنظيمه والإشراف عليه اتحاد الطلبة المسلمين العالمي في جامعة آخن، كنت أرى تعدد جنسيات المشاركين في الصلوات وفي البرامج الثقافية والاجتماعية. 

منذ البداية لفتت نظري دروس عصام العطار. حينذاك لم أكن أعرفه أو قد التقيته من قبل، لكن اسم الأستاذ عصام كان في ذاكرتي، حيث كنت اقرأ هذا الاسم تحت صوره الملصقة على جدران أزقة وحارات دمشق القديمة، التي كنت أجوبها في صغري يومياً. كانت الصور هي من حملته للانتخابات البرلمانية التي جرت في بداية الستينيات من القرن الماضي.

كان لأحاديث ودروس الأستاذ عصام وقع خاص في نفسي، فقد كانت تعبر عن ثقافة عميقة وعن روح الإسلام، وكانت تشعرك بأن دين الإسلام دين العزة والكرامة والعدالة الإنسانية، هذا ما جعلني اقترب منه.

لقد أصبحت مشاركتي في هذه النشاطات الثقافية مكملة لدروسي الجامعية، وكانت كلمات وتوجيهات الأستاذ عصام محفزا ومشجعا لي كي أتابع تعليمي الجامعي بكل جدية واجتهاد، فهو يحض على أن يكون المؤمن مزودا بالعلم والمعرفة على مستوى العالم والعصر وأن متابعة الطالب للدراسة الجامعية بجد وتفوق هي بمنزلة العبادة أيضا. وأن عالمنا يحتاج إلى مثل هؤلاء المؤمنين المثقفين ليقودوا المسيرة الإنسانية على المستوى المطلوب وأن يكون عملهم مستمر ومخلص ومتجرد. 

كانت دروس عصام العطار في مسجد بلال يومية وأسبوعية على مستوى مدينة آخن وشهرية من خلال ندوة يحضرها الطلبة المسلمون من جميع أرجاء ألمانيا والدول الأوروبية المجاورة، تهدف هذه النشاطات إلى تعميق الثقافة الإسلامية عند الأفراد وإلى توسيع الأفق لديهم من خلال عرض ومناقشة قضايا العالم والعصر.

وفي نهاية كل ندوة شهرية كان للأستاذ عصام كلمة ختامية توجيهية يحرص جميع الحضور على سماعها ليعودوا إلى مدنهم وجامعاتهم وقد حصلوا من الزاد على ما يعينهم على متابعة دراساتهم وأعمالهم على أكمل وجه. 

كثير من هؤلاء الطلبة احتلوا بعد عودتهم إلى بلادهم الأصلية مناصب علمية في المؤسسات والجامعات وبعضهم احتل مناصب وزارية أيضا.

كانت سعادتي كبيرة عندما كنت أستطيع الاجتماع والسماع لضيوف الأستاذ عصام من أقربائه ومن المشاهير في جميع أنحاء العالم الذين تعلمت وأخذت كثيرا من العبر منهم أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأديب الجليل علي الطنطاوي والد زوجته الشهيدة بنان الطنطاوي. ووالدة الأستاذ عصام التي كانت قد تقدمت بها السن وكانت تروي لنا الشعر في معرض كل واقعة وفعل. 

لم أكن أعرف عصام العطار، لكن اسم الأستاذ عصام كان في ذاكرتي، حيث كنت اقرأ هذا الاسم تحت صوره الملصقة على جدران أزقة وحارات دمشق القديمة، كانت تلك الصور هي من حملته للانتخابات البرلمانية.

الأستاذ محمد حميد الله أستاذ العلوم الإسلامية في جامعة السوربون، ومترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفرنسية. والأستاذ زهير الشاويش، صاحب المكتب الإسلامي في بيروت للطباعة والنشر. والأستاذ الدكتور محمد هواري أستاذ في كلية الصيدلة في جامعة دمشق. الأستاذ الدكتور هيثم حمدي الخياط أستاذ كلية الطب في جامعة دمشق وعضو مجمع اللغة العربية في دمشق.

كما استمعت في مسجد بلال إلى شخصيات سياسية حرصتْ على زيارة الأستاذ عصام مثل نجم الدين أربكان رئيس وزراء تركيا حينها، وغلبدين حكمتيار رئيس وزراء أفغانستان السابق.

النشاطات الثقافية برعاية الأستاذ عصام كانت تجري وفقا لبرنامج ثقافي وعلى مراحل محدودة كان يقوم بإصدارها كل ستة أشهر مما يعين الطلبة على بناء ثقافتهم الإسلامية بشكل وسطي وواسع ومتوازن. 

وبما أنني كنت قلم الأستاذ عصام لمدة خمسة أعوام تقريبا في أثناء دراسة الماجستير اطلعت على مراسلاته ورسائل من يتابع نشاطاته من خلال ما ينشره على صفحات مجلة الرائد الشهرية آنذاك، وكثير من هؤلاء المشاهير ممن كتب له مقدرا ومعجبا بآرائه وأفكاره وكتاباته. وأذكر منهم على سبيل المثال الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة والشخصية الخليجية الشيخ جاسم فخرو وكثيرين غيرهم.

كان الأستاذ عصام أخا وصديقا وفيا لكل من عرف، يشارك الجميع وبكل تواضع في أفراحهم وأتراحهم ويسأل بانتظام عن كل فرد منهم ولا شك بأن زوجته الشهيدة بنان كانت سنده الأيمن ورفيق دربه الذي اختار على الرغم من كل ما يواجهانه من مصاعب وتحديات، وخاصة وأن المرض بسبب الظروف القاسية التي عايشها في بداية هجرته القسرية عن بلده قد رافقه منذ شبابه فكانت الشهيدة بنان مكملة له ومشاركة له فيما اختاره في أن يسيرا على درب الإسلام المستقل المتميز مناضلين مجاهدين في سبيل الله لا يلتفتا إلى أي عرض من أعراض الدنيا أو إلى أي منصب شخصي.

بوصلة الأستاذ عصام كانت مصلحة الأمة باستمرار ومن سعة أفقه كان يعلمنا على أن يكون في حياتنا الإسلام هو الأصل وأن الحركات والتنظيمات والأحزاب هي عبارة عن وسائل يمكن أن تكون مناسبة في وقت وغير مناسبة في وقت آخر، وأن "الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

ومن نشاطات العطار الرئيسية كان المؤتمر السنوي الصيفي الذي كان يشرف على إقامته وتنظيمه اتحاد الطلبة المسلمين في أوروبا، وكان يحضر ويحاضر في هذا المؤتمر السنوي العديد من علماء المسلمين المشهورين من أمثال يوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وناصر الدين الألباني ومحمد قطب ومحمد الصباغ وأديب الصالح وعدنان زرزور وعباسي مدني وأحمد صدقي الدجاني وغيرهم.

كان الأستاذ عصام أخا وصديقا وفيا لكل من عرف، يشارك الجميع وبكل تواضع في أفراحهم وأتراحهم ويسأل بانتظام عن كل فرد منهم.

35555555555555555

مواقف لي مع الأستاذ عصام

من خصائص ثقافة الأستاذ عصام أنها كانت حسب تقديري موسوعية ففي خضم دروسه تشعر بأنك تستمد العلم من موسوعة فقهية، ففي يوم من الأيام وفي بداية عهدي به قرأت في كتاب رياض الصالحين، حديث رسول الله ﷺ الصحيح بأن الميت يعذب بما نيح عليه، وبما أنني شاب يافع ويتعلم من الأستاذ عصام بأن الإسلام دين الحق والعدل وجدت بأن هذا المعنى يتعارض مع ما ندرسه فذهبت إلى الجامع وانتظرت الأستاذ عصام حتى يفرغ من الصلاة لأواجهه بحديث الرسول ﷺ وكيف يتعارض معنى الحديث مع  الحق والعدل؛ أي أن المرء يعذب بما نيح عليه وهو قد توفي وانتهى ما يمكن أن يقترفه من ذنوب.

استمع إلي الأستاذ العطار كعادته بكل إنصات وهدوء، وما إن فرغت من سؤالي، حتى أخذ يشرح لي بأن الحديث صحيح وأنه كان في عهد الجاهلية الذي سبق الإسلام مألوفا بأن كثيرا من الناس يوصون أهلهم بما يرغبون به من النوح عليهم وعن المدة والطريقة، هنا أتى الإسلام ليضع حدا لهذه الأعمال الجاهلية وأن الموت حق، وعلى الإنسان في هذه الأحوال أن يصبر ويدعو لمن غادر الدنيا إلى رحمة الله إلى دار البقاء وأن ليس للإنسان إلا ما سعى.

كانت معظم أحاديث عصام العطار دليلاً على موسوعيته العلمية.

بعد العشرة القريبة من الأستاذ عصام وبعد إتمام دراسة الماجستير والحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانية تخصص بناء آلات النسيج شاءت الأقدار وانتقلت من مدينة آخن إلى مدينة لينداو في جنوبي ألمانيا وأصبحت رئيساً لقسم الأبحاث والتطوير لآلة النسيج في مؤسسة دورنييه، ولكن على مدى سنوات بقيت صلتي مع الأستاذ عصام موسمية وعندما بلغت الخمسين من عمري حدث ما حدث من عمليات 11 سبتمر 2001 وما عاناه المسلمون في أوروبا الغربية من مضايقات وتمييز. عندها نظرت إلى ما قدمته لهذا المجتمع من تطور صناعي وأبحاث علمية واتخذت قراراً بأنه يجب علي تذكير المجتمع من حولي بما قدمته له وأن الوافدين على هذه المجتمعات ليسوا المستفيدين الوحيدين من وجودهم في الغرب بل وإنما الغرب يستفيد من وجودهم بين ظهرانيه أيضاً. عندها فكرت بكتابة سيرتي الذاتية لأبين للغرب ما قدمته من علم وتقدم وإنجازات صناعية بداية قررت أن أقرأ للكتاب المعاصرين مما قد يأخذ بيدي لأبدأ وأكتب سيرتي الذاتية بعد أن أصبحت سيرتي الذاتية جاهزة بخط اليد قررت إطلاع الأستاذ عصام عليها وأخذ رأيه بها، وفي جلسة واحدة قرأت نص الكتاب عليه وبعد أن فرغت من القراءة قال هذا أسلوب الأديب طه حسين في الكتابة عندها قلت له أين أنا من عميد اللغة العربية؟ لكنني بعدها تمهلت وفكرت واعترفت للأستاذ عصام بأنني كنت قد قرأت كتاب الأيام للأديب طه حسين رحمه الله قبل الشروع بكتابة سيرتي الذاتية كان ذلك دليل على عمق الثقافة الموسوعية للأستاذ عصام في اللغة العربية وآدبائها. يومها رغبت إليه بأن يكتب مقدمة لهذه السيرة وقد حصل. 

من الأمور التي كنا نصغي إليها بشغف عندما يتحدث الأستاذ عصام عن مواقفه الجريئة إلى جانب الحق والعدل وفي مواجهة الظلم والقهر وكنا نستمع إليه أيضا عندما يذكر لنا مواقف رجال عظماء من التاريخ.