icon
التغطية الحية

عزمي بشارة: قضية فلسطين كاشفة والحرب على غزة بيّنت عيوب مجلس الأمن

2023.12.11 | 05:56 دمشق

بشارة
عزمي بشارة (التلفزيون العربي)
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، إن "قضية فلسطين هي قضية كاشفة"، مشيرًا إلى أنّ الحرب على غزة "بيّنت عيوب مجلس الأمن الدولي"، الذي شدّد على أنّ بنيته لا يمكن أن تستمرّ بوضعها الراهن.

جاء ذلك في حديث إلى شبكة "التلفزيون العربي" ضمن التغطية المتواصلة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لفت من خلاله بشارة إلى أنّ إسرائيل تريد أن تحول قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة، محذّرًا من احتمال الذهاب إلى حرب استنزاف طويلة قد تستمرّ لأشهر طويلة.

وميدانيًا، رأى المفكّر بشارة أنّ المقاومة "تبلي بلاءً عظيمًا وترفع الرأس"، لافتًا إلى أنّ سلوك المقاومة يشير بشكل واضح إلى أنها استعدت لسيناريو الاجتياح البري.

واعتبر أنّ بعض الدول العربية التي كانت تريد أن تعطي إسرائيل في البدء "فرصة لإنجاز المهمّة"، بدأت تشعر أن ما يقوم به الاحتلال في غزة يمثل خطرًا على استقرار المنطقة. وشدّد على أنّ خروج الشعوب العربية إلى الشارع ضروري لأنه سيؤكد أن العدوان على غزة يمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار المنطقة، مجدّدًا وصف الموقف العربي من الحرب على غزة بالمجمل بأنه "موقف المتفرّج".

وأوضح بشارة أنّه لا يمكن إنكار أن الخطوات التي يتخذها الحوثيون لها تأثير على الوضع العام، بمعزل عن الموقف من الجماعة ودورها في اليمن، مشدّدًا على أن ما يقوم به الحوثيون وحزب الله في لبنان وغيرهم، وإن بدا غير كافٍ، لا يُقارَن بما لا يقوم بشيء على الإطلاق.

وفيما تحدّث عن محاولات إسرائيلية لإخفاء حجم الخسائر وتقديم إنجازات مزعومة، جزم أنّ الدول التي لم تحرك ساكنًا تجاه ما يجري في غزة من حرب إبادة وخطط تهجير، تفقد هيبتها واحترامها على المسرح الدولي.

خسارة أخلاقية غير مسبوقة للولايات المتحدة

وعلّق بشارة على مسألة إفشال الولايات المتحدة صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، في ظلّ حرب الإبادة التي تُشَنّ على الشعب الفلسطيني، بالقول إن "القرار فيه بنود ضدّ حركة حماس، بينها بند يقول إنه يجب إطلاق سراح المحتجزين بدون شروط، وهو ما قد لا تقبله الحركة بسهولة".

ولفت إلى أنّ الولايات المتحدة لم تحاول حتى أن تحرج حركة حماس من خلال هذا القرار، والسبب بسيط وهو أنّهم يريدون استمرار الحرب، وأنهم ما زالوا يريدون منح إسرائيل فرصة لإنجاز المهمة التي يتفقون مع تل أبيب على أهدافها، ولا سيما لجهة "القضاء" على حركة حماس.

ولاحظ أنّ الأميركيين أفشلوا قرار وقف إطلاق النار مع معرفتهم بأن ما يجري في قطاع غزة هو فعلًا حرب إبادة تتضمن خطة تهجيرية لجعل القطاع غير صالح للسكن والحياة فيما بعد عبر تحطيم كل مقومات الحياة، ولا سيما الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وفي هذا السياق، تحدّث بشارة عن خسارة أخلاقية غير مسبوقة منذ حرب العراق وربما قبل ذلك جسّدها موقف الولايات المتحدة في جلسة مجلس الأمن، مشيرًا كذلك إلى ما وصفه بالعزلة الأميركية الواضحة، التي لم تجارِها فيها حتى بريطانيا نفسها.

بنية مجلس الأمن الدولي لا يمكن أن تستمرّ

وانطلاقًا ممّا تقدّم، توقف الدكتور عزمي بشارة عند "بنية" مجلس الأمن الدولي الحاليّ، مستعيدًا النقاش حول مسألة الدول دائمة العضوية التي تتمتّع بحق النقض، حيث اعتبر أنّها مسألة إرث استعماري، ملاحظًا أنّ ثقافات وحضارات كاملة مستثناة منها، من بينها دول أميركا اللاتينية ودول العالم الإسلامي بأسره.

الأميركيون أفشلوا قرار مجلس الأمن مع معرفتهم بأن ما يجري في قطاع غزة هو فعلاً حرب إبادة تتضمن خطة تهجيرية وخطة لجعل القطاع غير صالح للسكن والحياة فيما بعد عبر تحطيم كل مقومات الحياة، ولا سيما الصحة والتعليم والبنية التحتية

واستهجن بشارة في هذا السياق كيف أنّ دولة واحدة من الدول الدائمة العضوية يمكن أن تحبط صدور أيّ قرار عن مجلس الأمن، الذي يفترض أن يكون الهيئة الرئيسية في الأمم المتحدة والذراع التنفيذية له، واصفًا ذلك بأنّه أمر غير ديمقراطي، بل غير إنساني بكل المعايير.

وقال: "من غير المعقول أن تقف قرارات مجلس الأمن على صوت واحد يستطيع أن يعطّل كل إرادة البشرية والإنسانية"، مشدّدًا على أنّ هذا الأمر يولّد غضبًا عالميًّا، ما يعني أنّ بنية مجلس الأمن الحالي لا يمكن أن تستمرّ بصيغتها الحالية، وفي ظلّ تعطيل القرارات، كما تفعل الولايات المتحدة اليوم، وكما فعلت روسيا سابقًا في الملف السوري.

فرنسا تناور وتريد دورًا مختلفًا

وفي سياق التعليق على مجريات جلسة مجلس الأمن، استبعد بشارة أن تكون بريطانيا بوارد "التمايز" عن الولايات المتحدة، مشدّدًا على أنّ الموقف البريطاني الرسمي لا يزال سيئًا، ولو أنّ المظاهرات التي تتصاعد في لندن وغيرها من المدن البريطانية بدأت تؤثّر عليه.

أما فرنسا فرأى بشارة أنّها تناور وتريد دورًا مختلفًا، لافتًا إلى أنّ السلوك الفرنسي إزاء الحرب على غزة تغيّر في الآونة الأخيرة إلى حدّ بعيد، لكن لا يزال هناك قمع وتحريض على أي موقف داخل فرنسا يتماهى مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

ولفت في هذا السياق إلى وجود محاولات للتمايز على مستوى السياسة الخارجية، "لكن الموقف بالمجمل في موضوع غزة لا يزال مكانه"، متحدّثًا عن حالة "تأمرك" غير مألوفة بدأت في فرنسا في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وتتعمّق في الوقت الحالي، مشدّدًا على أنّ باريس لم تكن يومًا إحدى الدول التي تقول "نحن الغرب" إذ كانت تحب أن تتميز.

ومع ذلك، أضاف بشارة: "لنكن إيجابيين، ففرنسا على الأقلّ صوّتت لوقف إطلاق النار وهذا جيد".

التماهي الأميركي الإسرائيلي وصهيونية بايدن الواضحة

عمومًا، أكد بشارة أنّ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن هي التي ستحاول أن تمنع أي تغيير في بنيته الحالية، لكنّه شدّد على أنّ القضية الفلسطينية عمومًا هي قضية كاشفة وهي الامتحان للديمقراطية والإنسانية.

وفيما رأى أنّ غزة كشفت عيوب مجلس الأمن الحالي، شدّد على وجوب أن تفتح معركة مستقبلًا على بنية هذا المجلس، مستغربًا كيف يمكن أن يكون دور المجموعة العربية كلها مقتصرًا على تقديم اقتراح يُرفَض بهذا الشكل.

وعلى مستوى العلاقة الأميركية الإسرائيلية، والتماهي بين واشنطن وتل أبيب اليوم، رغم التوتر السابق بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لفت بشارة إلى أنّ الأمر يُفهَم وفقًا للسياق الذي يأتي به، فالتوتر كان يندرج ضمن سياق الصراع داخل الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين، أو في إسرائيل بين الليكود وحزب العمل.

وأشار إلى أنّه "عندما يظهر هناك من يفسد خطة الولايات المتحدة في إقامة محور إسرائيلي عربي يمكّن الولايات المتحدة من التفرغ لقضايا الشرق وآسيا يصبح الموضوع مختلفًا تمامًا"، واضعًا التماهي الأميركي الإسرائيلي الكامل في هذا الإطار، علمًا أنّ "صهيونية بايدن الواضحة" تلعب أيضًا دورًا في هذا السياق، وفق وصف بشارة.

وإذ أشار إلى أنّ القضية فاضحة، والأمور مكشوفة كما لم تكن في يوم من الأيام، تحدّث عن "فائض عاطفي شعوري وأيديولوجي" في العلاقة بين هؤلاء الأشخاص وإسرائيل له دور أساسي في المشهد، مضيفًا: "هناك مصالح بلا شكّ لكن إضافة إلى ذلك هناك لا عقلانية".

إسرائيل متفاجئة والمقاومة كانت مستعدّة

على صعيد التطورات الميدانية بعد شهرين على بدء الحرب على غزة وبعد نحو خمسة أسابيع من الحرب البرية على قطاع غزة، جدّد بشارة التأكيد على أنه ليس خبيرًا عسكريًا، ولا يطمح أن يكون، إلا أنه نوّه بأداء المقاومة الفلسطينية.

وأوضح أنّ كل سلوك المقاومة وانصعاق إسرائيل منه يدلّ على أنهم استعدّوا جيّدًا لإمكانية أن تجتاح إسرائيل قطاع غزة، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل متفاجئة ولذلك كل يوم تزداد الخسائر في صفوف جيش الاحتلال والتي وصلت إلى معدل جريح كل ساعة.

وذكّر بشارة بأنّه بعد عملية 7 أكتوبر قال إنه إذا كانت المخابرات الإسرائيلية متفاجئة من القدرات الهجومية لكتائب القسام، لا يجب افتراض أنها تعرف قدراتها الدفاعية، مضيفًا: "أعتقد الآن أنهم متفاجئون من قدرة القسام على الدفاع وليس فقط على الهجوم".

وفيما اعتبر أنّ إسرائيل لا تزال متمسّكة بالهدف المعلن من الحرب وهو القضاء على حماس، أشار إلى أنّها تعمل اليوم على صياغة هذا الهدف بشكل محدّد أكثر، وتحديد ما يقصدون منه تحديدًا.

ورأى في هذا السياق أنّ القصف الهائل والهمجي وغير المسبوق على قطاع غزة في مرحلة من المراحل، كان ينمّ عن ارتباك وعدم وضوح حول ماذا يريدون ومن يقصفون، مجدّدًا القول إنّ غريزة الانتقام والثأر تحكّمت بهم وما زالت لإرضاء المجتمع الإسرائيلي واستعادة هيبة الجيش.

ولم يخفِ اعتقادهم أنّهم يريدون ايضًا تربية الشعب الفلسطيني وكذلك الشعوب الأخرى وإرسال رسالة إلى لبنان مثلاً، لافتًا إلى أنّ المنطق الاستعماري الاستيطاني الذي فيه غطرسة وغرور يؤدي إلى ذلك.

وأشار إلى أنّ ما فاجأ الإسرائيليين فعلاً هو أنّ الفلسطينيين في عملية 7 أكتوبر، أخذوا عقيدتهم التي تقوم على أنّ "حروب إسرائيل يجب أن تكون صاعقة وقصيرة وعلى أراضي الآخرين" كما قال بن غوريون ذات يوم، إلا أنهم طبّقوها ضدّهم. وقال: "لم يتوقعوا أمرًا كهذا بسبب الاستعلاء في النظرة إلى العرب وفلسطين".

إذلال الفلسطينيين وتعريتهم.. عقوبة على البقاء

وتوقف المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عند مشهد اعتقال العشرات من المواطنين في شمال قطاع غزة وإذلالهم، عبر تعريتهم وتصويرهم، معتبرًا أنّ هذا المشهد لم يكن مهينًا للمعتقلين، بل للإسرائيليين أنفسهم.

ورأى أنّ هؤلاء عوقبوا فقط لأنهم بقوا في بيوتهم، ولم يغادروها، إما لأنّهم أرادوا الموت بكرامة في منازلهم، أو لأنه لا يوجد أي ضمان بأن الحياة في الشارع أو الجنوب أكثر أمانًا، وبالتالي فإنّ العقوبة هي على البقاء، وليس على أيّ شيء آخر.

وقلّل بشارة من شأن الادعاءات التي ساقها الاحتلال الإسرائيلي بأنه اعتقل مقاتلين من القسام، بعدما كشفت الكذبة بالوقائع والمعطيات، ملاحظًا أنّ هذه الخانة (معتقلون من كتائب القسام) ما زالت فارغة، إذ لم يأسر الإسرائيليون مقاتلين من القسام حتى الآن، وهذا ما يزعجهم.

وفيما لاحظ بشارة أنّ قسمًا من وسائل الإعلام التقليدية في الغرب تعامل مع مشهد إذلال المواطنين وتعريتهم بوصفه "مشهدًا عاديًا"، لاحظ أنّ "طوفان وسائل التواصل" كان له رأي آخر، حيث كان واضحًا أنّ الأمر لم يكن مقبولاً بالنسبة للرأي العام.

وأعرب عن اعتقاده بأنّ منصات التواصل الاجتماعي خلقت عالمًا جديدًا تجري فيه ديناميكيات مختلفة، وكما أنّ عدم وجود سياسات تحريرية في وسائل التواصل يجعلها استعراضًا للنرجسية والأكاذيب والجهل، إلا أنّه قد يساعد في تحرير الحقيقة في مثل هذه الحقيقة.

ولفت إلى وجود جيل كامل على هذه المنصّات قد يكون عرضة للتجهيل والشائعات والأكاذيب، لكن لديه فطرة سليمة ويحكم على الأشياء بين الخير والشرّ، مشدّدًا على أنّ الأكاذيب والتمثيليات التي يقوم بها الإسرائيليون تضرّ بهم بالدرجة الأولى.

دول عربية بدأت تشعر أن ما تقوم به إسرائيل يهدّد استقرار المنطقة

وفي سياق حديثه لـ"العربي"، علّق بشارة على التعاطي الدبلوماسي ولا سيما العربي والإسلامي مع الأزمة، حيث رأى أنه لا توجد إرادة مشتركة كافية لاتخاذ أي خطوات جدية، بعيدًا عن العلاقات العامة التي قد تكون جيّدة في بعض المحطات، لكنها غير كافية.

ولفت إلى أنّ بعض الدول العربية وربما الإسلامية التي كانت في البداية تريد أن تعطي إسرائيل فرصة لإنجاز المهمّة وإنهاء الموضوع، والتي كانت تقول كلامًا للدول الكبرى غير الذي تقوله لشعوبها، بدأت تشعر أن ما تقوم به إسرائيل خطر حقيقي على الاستقرار في المنطقة يجب وقفه.

وأوضح أنّه مع استمرار المأساة في قطاع غزة وتضامن الشعوب العربية والشعوب في العالم أجمع، بدأ يتولد لدى هؤلاء شعور أن ما تقوم به إسرائيل يشكّل "مغامرة غير محسوبة" قد يؤثّر على الاستقرار في المنطقة بأكملها.

ومع اعتقاده أنّ هذه الدول لن تحمل أي تهديد أو إنذار بخطوات عملية، شدّد على أنّ الشعوب هي التي يمكن أن تسد هذه الثغرة، شارحًا أنّ خروج الشعوب إلى الشوارع يقنع الغرب بأن ما تقوم به إسرائيل فعلاً يهدد الاستقرار.

وإذ تمنّى لو أن الأنظمة تتخذ مواقف فعلية وحازمة توقف إسرائيل عند حدها أو تجعل الولايات المتحدة توقف إسرائيل عند حدها، شدّد على أنّ خروج الناس إلى الشوارع يبقى مهمًّا ما دام ذلك غير متوافر. وقال: "لم نقم حتى الآن بما يجب، فالموقف العربي بالمجمل لا يزال موقف المتفرّج، ويجب أن يتغيّر ذلك وإلا لن يكون هناك محفّزات".

الخطوات التي يقوم بها الحوثيون في اليمن "لها تأثير"

وتوقف الدكتور عزمي بشارة عند الخطوات التي يقوم بها الحوثيون في اليمن، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في غزة، معتبرًا أنّها "مؤثّرة"، وذلك "بغض النظر عن اتفاقنا أو خلافنا مع الحوثيين في اليمن"، حيث شدّد على أنّ الأزمة هناك يجب أن تنتهي إلى مصالحة وطنية وليس إلى انفراد الجماعة بالحكم.

لكنّه لفت، وفقًا لقراءة موضوعية للمعطيات، إلى أنّ "العمل الحوثي بدأ يؤثر"، مضيفًا: "قد لا يكون كافيًا، لكن لا نستطيع أن ننكر أن له تأثير، خصوصًا لجهة الإمساك بالسفن البحرية بهذا الشكل وقطع الطرق البحرية إلى إسرائيل طالما غزة محاصرة بخطاب عقلاني، وليس كلامًا في الهواء".

وللمنزعجين من هذا الدور للحوثيين، وللقائلين إنّهم يستغلون قضية فلسطين، اعتبر بشارة أنّ الحلّ ببساطة هو أن تتحرك الدول العربية الرسمية، خصوصًا أنّه يمكن أن يكون لها دور مؤثّر أكثر بكثير من الحوثيين، متسائلًا في هذا السياق لماذا لم تنفذ الدول العربية، وتحديدًا مصر، قرار كسر الحصار الذي اتخذته في قمة الرياض.

بعض الدول العربية وربما الإسلامية التي كانت في البداية تريد أن تعطي إسرائيل فرصة لإنجاز المهمّة وإنهاء الموضوع، والتي كانت تقول كلامًا للدول الكبرى غير الذي تقوله لشعوبها، بدأت تشعر أن ما تقوم به إسرائيل خطر حقيقي على الاستقرار في المنطقة يجب وقفه

وأكد بشارة أنّ الحوثيين مدعومون من إيران وربما يتصرفون بإيعاز من طهران، لكنه اعتبر أنّ الأذى قد حصل بالنسبة لإسرائيل، التي تدخل طور الأزمة الاقتصادية، وقال: "هناك مشكلة في إسرائيل والحوثيون يضيفون إلى هذه المشكلة عنصرًا إضافيًا".

وشدّد على أن الحوثيين على الأقل يقومون بشيء، كما أن حزب الله في لبنان أيضًا يقوم بشيء، مضيفًا: "قد لا يكون المتوقع منهم لكن لا يُقارَن بمن لا يفعل شيئًا".

وإذ أكد أنّ المطلوب ليس فتح جبهات وإعلان حرب، اعتبر أن الدول التي لم تحرك ساكنًا في ما يتعلق بحرب الإبادة ومخططات التهجير تفقد هيبتها واحترامها على المسرح الدولي، منبّهًا إلى أنّ السلوك العربي الحالي مضرّ للأمن الوطني لكل دولة عربية على حدة.

خطاب العدالة والإنصاف والنفوذ الصهيوني المتزايد

وفي تقييمه للتظاهرات المتصاعدة في مدن وعواصم عالمية بوتيرة أسبوعية، تحدّث بشارة عن تغلغل خطاب العدالة والإنصاف والظلم والمظلومية بشكل واسع على مستوى العالم.

ولفت في هذا السياق، إلى حصول تحول على المستوى الإنساني يطاول ليس فقط قضية فلسطين، بل أيضًا قضايا البيئة والسود والنساء وغيرها من القضايا.

وأشار إلى أمرٍ ثانٍ ينبغي أخذه بعين الاعتبار وهو أن الإملاء الصهيوني بالطريقة التي تجري الآن ستوصل الناس إلى سأم، بمعنى أنّ النفوذ بالشكل الذي يظهر الآن لا يمكن أن يستمرّ، خصوصًا مع تجاوز الحدود واللعب في النار.

ولفت في هذا السياق إلى ما يفعلونه الآن في الجامعات والبرلمانات وبعض الشركات وإدارات الصحف، والذي لا يقوم به أحد في الغرب، كاشفًا عن نقاشات دائرة بشكل واصح حول كونية قيم التنوير والعدالة.

وأشار إلى أنّ العداء للصهيونية ظاهرة يهودية في الأساس، إذ إنّ غالبية يهود أوروبا كانوا معادين للصهيونية عشية الهولوكوست، في حين أنّ هذه الحركة في المجمل استفادت من العداء للسامية.

وأوضح أنّ اليهود في أوروبا لم يقتنعوا بالهجرة إلى فلسطين لولا المحرقة، موضحًا أنّ الهجرة المفضلة بالنسبة إليهم هربًا من أوروبا الشرقية كانت إلى الولايات المتحدة وليس إلى فلسطين. كما لفت إلى أنّ الكثير من المعادين للساميين في العالم يحبون إسرائيل الآن، وهذا لا يعني أنهم يحبون اليهود.

الشعب يعاني والمقاومة "تبلي بلاءً عظيمًا"

وختامًا، رفض المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تبنّي الخطاب الذي يقوم على منطق أنّ الشعب الفلسطيني يعشق الموت وأمنيته أن يموت، والذي يبتعد حتى عن إظهار معاناة الشعب الفلسطيني وأوجه مأساته.

وشدّد بشارة على أنّ الشعب الفلسطيني يعاني والمأساة كبيرة، "ويجب أن نحرك العالم كله بسبب هذه المأساة، وأن نكون حريصين جدًا وغير مبذرين بصور الأشلاء وغير ذلك لكن بما يكفي مما يجب أن يشهده العالم حول الإبادة التي تجري".

وقال: "ليس صحيحًا أنّه يجب التركيز فقط على بطولات المقاومين لأن فيه استهانة واستخفافًا بمعاناة الشعب الفلسطيني"، مضيفًا: "الناس صابرون لكن لا يجوز الاستخفاف بمعاناتهم والمبالغة سترتدّ علينا".

وفي الوقت نفسه، أكد بشارة أن المقاومة ترفع رأس أي عربي بأدائها البطولي، الذي بات محيّرًا لخصوم الشعب الفلسطيني ومحرجًا لهم في الآن نفسه، مع رؤيتهم لهذا القدر من الثبات والعزيمة وقوة الإرادة وعدم الاستسلام والنضال.

وفيما جدّد القول إنّ إسرائيل بحالة صدمة، تحدّث عن محاولات إسرائيلية لإخفاء حجم الخسائر وتقديم إنجازات مزعومة.

وخلص إلى أنّ المقاومة تعرف قوتها وهي حتى الآن تبلي بلاء عظيمًا في هذه المعركة، لكنّه حذر من أنّ الأمر قد ينتهي إلى حرب استنزاف طويلة وقد تستمرّ لأشهر، مشدّدًا على أنّ التحدّث الحقيقي هو في الخروج إلى الشارع والتظاهر وليس التغني بالبطولات على مواقع التواصل، وبالتالي في التحرك الفعلي والتضامن مع الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.