icon
التغطية الحية

عربة جسد يسمونها الرغبة.. إلى محمد فارس محلّقا في فضاء

2024.04.21 | 08:37 دمشق

آخر تحديث: 21.04.2024 | 08:37 دمشق

768799000
من لوحة كنيسة "سيستينا"
+A
حجم الخط
-A

عربة جسد يسمونها الرغبة

"إلى محمد فارس محلّقا في فضاء"

 

"ميغيل أنجلو على سقف كنيسة "سيستينا" روما*

والإله العظيم في سقف القبة من خلفه أمراء الملائكة

يمد طرف سبابته إلى إصبع آدم الممدودة

 يعطيه الحياة

ها أنت تقذف العربة من أول الخلق الى آخر الأبد

في مسرح العبث

ملايين الشبابيك والكوى في جهة أطراف المسرح الثلاثة والرابع على الجمهور يسقطون الزند الفارس.. ويستمعون الى الفرجة الفارعة

وأنت تضع الخلق والكون والتواريخ في العربة وتقذفها

على حدود السيف

وها أصداء وصرخات التواريخ بالهتاف تروي

ومسرح العراء المكشوف لا يعيد اللوحة ولا يكرر ضرب ريشتها مرتين.

العربة تمخر الأرض والجسد من طرف إلى طرف

لتزهر معها وردة الثالوث

 لولادة الحرية بطعنات الحتوف والموت

ارفع نشيدك فوق الأكتاف يا حادي الشعر ويا فارس الموسيقا والأمل

بالمزاهر والدفوف وعود الريشة الأبدي

ألّفْ نشيدَك"

***

عربة جسد يسمونها الرغبة

أنت لا أحد سواك

وكان موتها خاطفا مثل طائر الرّعد

 كان بطلا

وكان موتُها طعنةً لا يمحوها زمن

وكانتْ بطلةً..

وظلّت إسطنبول واقفةً تبكي

بلا تفاحةّ و لا أعلام

كانَ "قَبلاي تشارشي" مترعاً بالأسى لروحٍ لوّعَتْه الآلام

لم يطقْ حملَها

غادرتْ إلى سماوات

هناك في شام كأنها شام

ما زالت الحارات الداميةُ بجراح الأنين تستصرخ الأبد

وهي تودّع عروساً أحلى من شفةِ طفل ينادي ماما

***

كن أنت ولا تكن غيرَك ولو ملّكوك الأرض

ولو عاجلك الموت خاطفاً بطلا

تكن في الجدارة حرّا

 ولا طعنة الساموراي بسيف أجداده

ارفع ستارتك عن خديعة الزمان

بالحتوف

اصنع الحياة وأنت تمثل ولا تحوّل الحياة إلى واقع وخبرٍ وتمثيل

بل أبدع حياة فوقَ الحياة

وموتاً قبل الموت

واكشف عريّ الحياة الأولى وأنت في عز المواجهة كأنّك على سراط العدم

الحياة تُعاش لمرّة واحدةٍ ولا تحتاج لمن يكرّرها مرّتين بصورٍ معادةٍ وانماطِ سقيمة

 أعطيتَ الحياةَ لمرةٍ واحدة لا تتكرر

 لم يسألك ولمْ تسأل أحدا

وكنت الفارس والظل معا

***

الوجودُ الحيّ إبداعُ صاحِبه

والعمل المسرحيّ والفن إبداع الجمعِ وشخصياتُ الأمثولةِ والعبارة الكاشفة

 الإبداع أن يكونَ مرّةً واحدةً ويكون إبداعاً فوقَ الإبداع

لا يتكرّر مرتين

الاحتفاظ العالي بحرارة الطبيعية والصدقية والجسد الناري ببرد المتجمد ونارِ "الأولمب" معا

لا افتعال ولا مجانيّة

المسرح هنا روح نبالةٍ وارتجال عظيم لا يجيدهُ إلّا الندرة المجانين.. يكلمون أنفسهم والأرواح ويعيدون رسم الأبد

مثل النهر الدافق لا تتكرر برهاته وأنفاسه مرتين ولا لعبةُ التمثيل مرتين وإلا يصير آسنا وتهريجا

***

سِرْ وتكلمْ إن شئت بصوت القناع والجوقة

 وانزعها مرة واحدة

وكُن الـ "دي لارتي" وبطل الميلودراما في العراء كأنّ ألف قناعٍ يواجهك بالخديعةِ وملايين الأصوات

في عراء مسرح مكشوف

وكوريدا بأعلام الفينيق العتيق

والسهام تنغرزُ في الجسد سهماً وراء سهمٍ بصرخاتِ الهتافِ والجنون

هو لحمكَ يا سيدي ولا تشعر به يَتهتّك!

أعطيتُ الحياة هبةً فلأعطيها عمري لا للموت

وسأدفعها بخِنجَرَي قَرنيّ الطالعين من معابدِ عشتارَ وسومرَ

ومُنجردِ امرئ القيسِ في الهيكل العظيم

إذا أردت أن تمثل

إذا أردت أن تموت على الحلبة

لا تكن نجماً بل هاوياً لمسرح معبود فاردٍ للزمن والأركانِ

 معَ وعيكَ الكليّ لكلّ حركةٍ أو لفتةٍ أو همسةٍ تَصطنعُها وتلقيها

 لا تغبْ عن نفسك ووعيك

لا الزمانُ ولا المكانُ ولا تلقينُ الحاكي القديم

مع أنّك لا تنسى بأنكَ تلعبُ تمثيلاً بمهارةِ الطائرِ وعزيمةِ الفنّان وأنتَ تسمعُ الصمتَ

هل تمثّل هل تلعب؟ هل تؤدي دور الفارسِ أمْ تجترحه من عدم؟

عشْ ولا تمثّل

 وإنْ مثلتَ فعِشْ في ذروةِ الجنون والحاسة وفي الأعماق البعيدة

الزمن البعيدُ لعبةُ الأبطالِ والتراجيديا في وجهِ صهيلِ الرّياح وصلصلةِ السيوف

 وفي الزمن الآن بالنيون والليزر وغابةِ السيلكون والتّايغا بلا سيوفٍ

الأرضُ حرّى.. خشبة مسرحٍ بالجمر

 ولوعاتٌ لا تنامْ

العبْ هناكَ في ردهاتِ الغيابِ واتركْ نفسكَ تعانقُ صداها وتردد أغنيةَ البجعةِ السوداء وحدَها

المسرح

القصيدة

الموسيقا

الأغنية

كذلكَ في كلّ فنٍّ كن أنتَ ونفسك في نَفسِك وجمهوركَ في أفقكَ ومسرح جسدكَ وفضائكَ وقوس الصّعب

و في مَلكَتِكَ وحبيبتكَ فيكَ

وإنْ صرختَ فامخر الكونَ ليس زعيقا بل همسا فوق حاجزِ الصوت وهسيسِ الأعماق الراجفة:

أيَتُها المجنونة.. لقد بكّرتِ كثيرا عودي

***

أنتَ لستَ "نجنيسكي" الملوع بجواه وحمّى ناره

 ولا بطل عربة الرغبة تتلظّى بينَ مفرقيهِ وعرامِ رأسهِ وأخمصِه

ارقصْ بجنونكَ بقلقكَ بغضبكَ بعصفكَ بخيط حرير يذبَحُكَ

ويحلحلُ ركبتيك

ايّها الماجنُ الغاوي بألفِ أنثى

ووردة

 ومارلون براندو العظيم على طرف حاسّتها المشبوبةِ بنارٍ ترمي

وهي تموتُ بفحيحها المجنون: خذني لأضيعَ عن دمي

يلوّح لك وهو في عرام عناقِه الطاعن المجنون بَهدهدةِ أعماقٍ بعيدةٍ في "العرّاب"

و"القيامة الآن"**

في بحيراتِ "بالميرا بالما"

العبْ الصمتَ وارسم موسيقاكَ وكنِ الدمعَ والأبدَ فيك

كنْ أنتَ ودمعكَ ونزفكَ ولوعكَ وعطشكَ وخيباتِك وثأركَ الدفين

وواحداً في القصيدة ولوحةِ الريشةِ.. في الفيلم.. في المسرحيةِ.. في الأغنيةِ.. في بحيرةِ البجعِ

  في طائرِ النّار

وقد رمتكَ الحتوفُ والحروبُ ومحاربو العتماتِ والأقبيةِ الغارقةِ في تواريخ الماء

 انهضْ كما يفزّ الصقرُ ويلعبُ ماهرُ الحبلِ بلا أجنحةٍ ولا جدرانَ

أنتَ الآنَ سيّد حلبتِكَ ومكانَكَ الأكيد بلا حصانٍ ولا سيف

لا قلبٌ لتاريخ يجاريكَ

اضربْ درفاتِ الأرضِ بألفِ عودٍ مجنون

 أيّها المهرجُ بالسّلاح

وألفُ أبدٍ يغتلي

 


* اللوحة الجدارية التي رسمها ميغيل أنجلو على سقف الكنيسة عبارة عن عشرات المشاهد التي تروي قصة الخلق -وفق رواية وأساطير الكتاب المقدس. ومن المشاهد الشهيرة صورة آدم وهو يمد إصبعه التي تكاد تلامس إصبع (الرب).
67568777
من اللوحة على سقف الكنيسة
** فيلمان شهيران للفنان مارلون براندو