icon
التغطية الحية

عبر خطوط الجبهة.. تهريب السوريين لم يعد سهلاً لغايات أمنية

2020.11.16 | 06:02 دمشق

afrin_0.jpg
إسطنبول - ورد فراتي
+A
حجم الخط
-A

قبل شهر تقريباً نشرت مصادر إعلامية أن أجهزة أمنية تتبع نظام الأسد في حلب ألقت القبض على 16 مهاجراً من بنجلاديش كانوا يعتزمون العبور نحو الشمال السوري المحرر، الذي سيدخلون منه إلى تركيا، هذا فضلاً عن أخبار كثيرة سابقة تحدثت عن إلقاء القبض على مجموعات من السوريين كانوا في طريقهم إلى تركيا -أو حتى أوروبا- عبر الشمال المحرر، قادمين من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، فقد بات شائعاً أن سوريا أصبحت مركز نشاط كبير لشبكات تهريب البشر المتجهين غالباً إلى أوروبا قادمين من مختلف دول العالم.

يفيد استرجاع هذه الحوادث فهم سياق القضية التي انشغلت بها حسابات التواصل الاجتماعي الثورية خلال الأيام الفائتة، بعد حديث عن احتجاز "الجيش الوطني" لمجموعة كبيرة تضم نساء وأطفالاً كانوا يحاولون الدخول إلى الشمال السوري المحرر قريباً من عفرين شمالي مدينة حلب، حيث اتهم بعض الناشطين "فرقة الحمزة" بتسليم هؤلاء "السوريين الهاربين من جحيم نظام الأسد" إلى قوات النظام نفسها، بإعادتهم عبر خطوط التماس التي دخلوا منها، والتي ترابط عليها مجموعات "الحمزات" -كما يسمي المحليون الفرقة- معتبرين هذا الفعل منافياً لمبادئ الثورة.

ولا يبدو أن فرقة الحمزة تنفي هذه الاتهامات تماماً! فبحسب رسالة لـ "عبد الله حلاوة" أحد أبرز قادة التشكيل أنهم ألقوا القبض على مجموعة تضم 65 شخصاً تم دفعها باتجاه نقاط رباطهم قادمة من مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها قوات قسد مدعومة بالقوات الروسية، وقاموا بتسليمها للشرطة العسكرية، حيث يرجع للمؤسسات المسؤولة -على حد تعبيره- قرار إبقائهم أو ترحيلهم، فيما أكد القائد العسكري للفرقة "أبو جابر" عبر تسجيل صوتي أن "الشرطة العسكرية" قد قامت بالفعل بإعادة المجموعة التي تم ضبطها إلى مناطق النظام عبر نقاط رباط الحمزات، نافياً أن يكون للفرقة علاقة بإدخالهم أو احتجازهم أو تقاضي المال لقاء تهريبهم، معرباً عن جاهزيتهم لمحاسبة أي من منسوبي الفرقة أو حتى من دونهم من المتورطين في عمليات شبيهة حال تقديم دليل أو أسماء.

المجموعة لم يتم ترحيلها

رغم تأكيد القياديَّين في فرقة الحمزة أن المجموعة تم إعادتها بالفعل نزولاً عند قرار "المؤسسات المسؤولة" التي لم يقوموا بتحديدها، إلا أن مصادرَ محلية أخرى تحدثت عن إبقاء بعض أفراد المجموعة وإعادة بعضهم الآخر، فيما روى لنا "أبو محمد" قصة أخرى..

وأبو محمد هو اسم اخترناه للإشارة إلى الشاب الذي كان ضمن المجموعة التي ألقي القبض عليها، والموجود الآن في الشمال المحرر، حيث رفض أي إشارة إلى اسمه أو أي تفاصيل قد تؤدي إلى معرفة شخصيته.

وصلت المجموعة التي تضم أبا محمد وقوامها 106 أشخاص في بلدة نبل شمالي مدينة حلب والتي تسيطر عليها الميليشيات الشيعية، ثم تم نقلهم إلى نقطة تجميع قريبة من البلدة لينطلقوا منها بعد العِشاء مع شخصين تابعين للميليشيات -التي لم يعرف أبو محمد اسمها باستثناء كونها ترفع رايات سوداء على مقرها- مشياً على الأقدام باتجاه غرفتين قرب قرية براد جنوبي عفرين، تركوهم عندها مؤكدين لهم أن أشخاصاً من الطرف المقابل سيأتون لمرافقتهم فيما تبقى من الطريق، وهناك بالفعل كان 4 أشخاص مسلحين -منطقة انتشار الجيش الوطني- ينتظرون المجموعة، حيث تولى أحدهم الحديث بأنه لا يسمح عادة بمرور أحد من نقطته هذه، لكن اتصالاً ورده لاستقبالهم، وتفاخر بأنه منذ يومين قد أطلق النار على مجموعة حاولت العبور من هذه النقطة مصيباً شخصين منهم! ثم أخبرهم بالانتظار في مكانهم ريثما يأتي دليل سيكمل معهم مسيرهم إلى داخل المنطقة المحررة.

أكملت المجموعة مسيرها مع الدليل لمسافة طويلة تضمنت دخولهم في وادٍ وعر بين قرية براد والمسطومة، حيث تعاونوا في مساعدة بعضهم لعبور الوادي الذي خلفوا فيه رجلاً لم يعد يقوى على المسير مع ابنه، حتى وصلوا إلى بستان زيتون أخبرهم الدليل أن ينتظروا عنده، مؤكداً عليهم ألا يفزعوا عند رؤيتهم أشخاصاً مسلحين بزي عسكري، فهؤلاء هم من سيقومون بنقلهم في سياراتهم.

بعد قليل شاهدوا سيارة تدخل بستان زيتون موجهة أضواءها باتجاههم، ليخرج منها شاب بلباس عسكري مسلحاً بمسدس بدأ يطلق النار منه في الهواء صارخاً فيهم "اطلعوا يا كلاب"! وخلال لحظات قدمت سيارات أخرى ترجل منها ما يقارب 15 شخصاً مسلحاً بدؤوا بتمشيط البستان والقبض على أفراد المجموعة الذين حاول بعضهم الفرار، ثم قاموا بتجميعهم متعاملين معهم بطريقة مستفزة، حتى أن أحد أفراد المجموعة الذي وقف يخبرهم أنهم "هاربون من النظام ومطلوبون له" تعرض للطمة على خده من أحد المسلحين الذي سخر منه بقوله "الآن تذكرت أن تهرب؟!"

قام المسلحون بعدّ أفراد المجموعة معلناً أنهم 101، قبل وضعهم في سيارات أمرها أحد المسلحين أن يتوجهوا "عنده" إلى مقر البرج الذي قرأ عليه "أبو محمد" اسم فرقة الحمزة، حيث انتظروا في المقر نصف ساعة سقاهم فيها أحد أفراد المقر الماء قبل أن تأتي سيارات الشرطة العسكرية لتقلهم.

يصف أبو محمد طريقة إخراجهم من المقر إلى السيارات بما يشبه الطريقة التي يقوم بها النظام بنقل المعتقلين لديه من مهجع إلى آخر، حيث اصطف على باب المقر عدد من عناصره وأُمِرَت المجموعة أن تخرج أفراداً باتجاه السيارات، فكان كل من يخرج ينال نصيبه من ركل وضرب قبل أن يدخلوا سيارات الشرطة العسكرية، أما الفتاة التي كانت معهم فقد كان التعامل معها أفضل بأن أبقوها في منزل لأحد المدنيين قرب المقر جلست فيه تنتظر مع نساء الدار، وعند نقلها وضعت هي وأخوها في سيارة خاصة لتقلهم ضمن الرتل الذي توجه إلى مقر الشرطة العسكرية في جنديرس.

في مقر الشرطة العسكرية وضعت المجموعة في المسجد، وسمح لهم أن يطلبوا الطعام والماء، لتكون تلك استراحتهم الأولى، ثم ناموا ما تبقى من ليلتهم في المقر حتى الساعة السابعة صباحاً، والتي تم إيقاظهم فيها للتجمع في ساحة المقر، وأعطي لهم الأمر "عاري الصدر"!

شاهد أفراد المجموعة 7 أشخاص تم فصلهم عنهم، 6 منهم تم الإبقاء عليهم في مقر الشرطة العسكرية بتهمة أنهم "جنود ضمن صفوف النظام"، بينما كان السابع مدنياً من درعا بدأ بعض العناصر يفاوضونه على دفع مال لقاء إطلاق سراحه.

ثم تم نقلهم بالسيارات مرة أخرى باتجاه نقطة عسكرية للجيش التركي قرب براد تم فيها تصويرهم جميعاً، وإخبارهم أنهم ستتم إعادتهم إلى مناطق النظام، وعندما لم تفلح توسلات أفراد المجموعة المتبقين بالإبقاء عليهم انتفض بعضهم في وجه الضباط رافضين أن تتم إعادتهم، ليقوم العناصر الذين كانوا ينقلونهم بضربهم وتهديدهم بالقتل إن لم يصعدوا إلى السيارات مرة أخرى، حيث أكملوا بهم إلى مدرسة براد التي أشرف على احتجازهم فيها رائد مع بعض عناصره.

في المدرسة بدأ العناصر من خلال أحاديث مباشرة مع أفراد المجموعة بعرض أن يقوموا بإخلاء سبيل من يستطيع دفع 1500$ إلى المناطق المحررة، وهو ما تجاوب معه بعضهم الذين تم فصلهم عن الـ 74 المتبقيين، الذين أُمِرُوا ببدء التحرك بعد أن رتبوهم بشكل رتل طويل يحرسه العناصر المسلحون، محذريهم ألا ينظر أحد خلفه أو يتلفت حوله تحت طائلة العقوبة، وخلال مسيرهم الذي استمر ساعتين تقريباً تمكن بعض العناصر من عقد اتفاقيات أخرى مع بعض أفراد المجموعة مقابل المال، وسحب هؤلاء من الرتل.

وصل من تبقى من المجموعة أخيراً إلى غرفة أمرهم العناصر أن يبقوا فيها ولا يغادروها، حيث زارتهم في الغرفة امرأة من عائلة مدنية كانت تسكن قريباً من مكان تجمعهم رقَّت لحالهم وبدأت تحضر لهم بعض المياه والطعام، حتى منعها العناصر.

أمضى أفراد المجموعة يومهم حتى الليل في الغرفة، التي حاول فيها العناصر أن يقنعوا عدداً منهم بدفع المال مقابل إخلاء سبيلهم، وإلا فسينتهون في مناطق النظام، لكن من تبقى من أفراد المجموعة اتفقوا ألا يتجاوبوا مع ابتزازهم، وأنهم لن يقوموا بدفع أي مال إضافي أكثر مما اتفقوا عليه مع وسطائهم قبل مغادرتهم للمناطق التي يسيطر عليها النظام، فآلية التهريب تجري عن طريق وسيط يتسلم مندوب عنه المال في مناطق النظام، ولا يقوم بدفعه للمهربين من الطرفين إلا بعد وصول الشخص سالماً إليه في المنطقة المحررة.

ليلاً رافق عنصران المجموعة مشياً على الأقدام أيضاً بشكل رتل باتجاه منازل قريبة من الباسوطة، وهناك بدأت سيارات تنقلهم على عجالة باتجاه مناطق مختلفة في الشمال السوري المحرر حسب مكان وجود وسيط كل منهم، بعد أن أخبروهم أنهم لن يقوموا بترحيلهم.

غادر أبو محمد المجموعة باتجاه وسيطه الذي كان قد سلم مندوباً عنه 400-500$، مخلفاً وراءه عدداً من أفراد المجموعة كان يتم نقلهم أيضاً كل إلى مأمنه، وهو لا يعتقد أن أياً ممن بقوا خلفه قد تم ترحيله، وهو ما أخبرنا به عدد من الناشطين المحليين الذين تواصلنا معهم مؤكدين وجود العديد من أفراد تلك المجموعة في المناطق المحررة.

لماذا يتم رفض استقبال الهاربين من النظام؟ 

بحسب أحد قادة الجيش الوطني الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، فإن القيادة التركية هي من ترفض دخول وافدين جدد إلى الشمال المحرر، معللاً ذلك -حسب اعتقاده- بأن معظم هؤلاء سينتهون داخل الأراضي التركية التي سيدخلونها تهريباً أيضاً، وهو ما لا يريده الأتراك، خاصة مع الأخبار المتواترة عن شبكة كبيرة لتهريب البشر يشرف عليها "حزب الله" اللبناني، والتي تستقبل الراغبين بالهجرة إلى أوروبا من مختلف دول المنطقة في لبنان، ثم تنقلهم عبر الأراضي السورية إلى خطوط التماس في الشمال السوري مع المناطق المحررة مستفيدة من النفوذ الواسع لحزب الله والميليشيات الإيرانية المرتبطة معه على امتداد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ثم من خطوط التماس وبالتنسيق مع فصائل محلية من الجيش الوطني يتم إدخالهم إلى المناطق المحررة، ومنها عبر مهربين محليين إلى تركيا التي يمكن أن يستقروا فيها أو يغادروها بوسائل مختلفة باتجاه القارة العجوز.

ويجد القيادي أنه من الصعب تبني وجهة نظر من القضية، فمن ناحية يمكن للميليشيات الإيرانية إنشاء خلايا لها في المناطق المحررة من خلال عملية شبيهة، وحتى في تركيا، ومن ناحية أخرى فالغالبية الساحقة من القادمين عبر طرق التهريب إلى الشمال هم سوريون.. هاربون من التجنيد الإجباري أو مطلوبون لمخابرات النظام، أو أضناهم شظف العيش في مناطق النظام التي يقف فيها الناس طوابير للحصول على ما يسد الرمق.

فيما يرى عدد كبير من الناشطين والثوار السوريين أن المسألة الأمنية لا يمكن أن تكون حجة يمنع بها أبناء البلاد من الدخول إلى منطقة يفاخر أبناء الثورة بتسميتها "منطقة محررة".