عالمنا الصغير بين الوحشية والإنسانية

2020.04.22 | 00:10 دمشق

euh0tj0waaw8uuy.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تأتي الحروب بأشكالها المختلفة، لتحدث اختلالاً كبيراً في الوعي والإدراك، تاركة ملايين البشر تحت مشاعر متناقضة من خوف وقلق واضطراب واكتئاب وغضب، مشاعر كثيرة جديدة عليهم ضمن المستجدات على الكوكب، وتجارب لم يختبروها من قبل، مما يدعهم في حالة حيرة وضياع، تختلف ردود الأفعال حسب وعي الناس، وتغدو اختلافاتها شديدة الوضوح كلما اشتدت الأزمات أكثر.

شاهدنا تزاحم الناس أمام المخابز وفي الأسواق، في تجسيد حتمي لحالة اللاوعي، فهؤلاء الذين يتشاجرون لأجل الخبز أو احتياجات المنزل، لا يدركون تماماً أنهم يخترقون قانون الحماية الأساسي من الفيروس، فالازدحام من مهددات الخطر الرئيسة، واحتشاد الناس لشراء احتياجات الحجر المنزلي قد يسبب الإصابة بشكل مباشر، ومع ذلك فما يطفو ظاهرياً على السطح هو الحاجة للمواد الأساسية أكثر من الحاجة للوقاية من المرض.

وعلى النقيض من ذلك؛ كانت مبادرات رائعة من فئات أخرى في أنحاء العالم، تجسد روح التضامن والرحمة والإنسانية في أبهى صورها، حيث قدم الناس لجيرانهم من كبار السن والضعفاء مواداً غذائية، وضعوها أمام أبواب بيوتهم مع عبارات لطيفة ورحلوا، فيما بادر غيرهم بتقديم الخبز للجيران، عبر رسائل واضحة بأنهم يهتمون، وبأنهم يفكرون بهم.

يغدو مشهد الموت مهيباً في كل أحواله، يدعو للتفكر والتأمل والاحترام، لكن هذه القاعدة كسرتها الجائحة

يغدو مشهد الموت مهيباً في كل أحواله، يدعو للتفكر والتأمل والاحترام، لكن هذه القاعدة كسرتها الجائحة، حيث رفض الناس في أماكن متفرقة دفن ضحايا الوباء، وألقيت جثث في القمامة، وخصصت جُزر لدفن الموتى، وطُرحت تساؤلات حول جدوى حرق جثث الضحايا، فيما اضطرت السلطات الحكومية لأخذ جثث الضحايا لدفنهم في قرى أخرى، فيما بادر متطوعون بحملات توعية للناس حول المرض وبأن تهيؤاتهم حوله ليست حقيقية.

في المقابل هناك مشاهد للحياة تتجسد في تضحيات عظيمة، قدمها البشر أنفسهم في ذات اللحظات المصيرية، هناك من تبرع بسريره وجهاز التنفس لمن شعر أنه أكثر حاجة، وهنالك من أرسل هدايا رمزية وبعض الزهور والحلوى لمن أصيبوا بالمرض وحجروا صحياً.

وليس أعظم من تضحيات الكوادر الطبية، فالمساهمة في إنقاذ حياة الآخرين كان ثمنها حياتهم أنفسهم.

أما على الصعيد المهني فقد ذاع خبر انتحار وزير في ألمانيا، وعزوا ذلك إلى يأسه بعد بذل كثير من الجهد في مكافحة الفيروس، بينما أعلن وزير الداخلية التركي استقالته بعد حالة من الفوضى سببها قراره بحظر التجوال قبل وقت لم يكن كافياً للسكان ليجلبوا احتياجات 48 ساعة من البقاء في المنازل.

دائماً في المحن يلتقي الخير والشر على نحوٍ متقابل، يحشد كلّ وسائله وأدواته وفريقه، يتنافسان في تحقيق أكبر عدد من الأهداف، ويخبران الجميع كم أن هذا العالم مخيف جداً، وساحر جداً في آنٍ معاً

شهدنا وجوهاً أثرت عليها الكمامة وحفرت داخلها عميقاً، فيما كان صاحب الوجه مرهقاً وهو يحاول مساعدة الآخرين، كما شهدنا وجوهاً مرهقة من الخوف والقلق من مداهمة الموت فجأة، ووجوها أتخمت مللاً وضجراً، وهي تفكر كيف تملأ فترة الحجر المنزلي بطريقة تبعد الكآبة، ووجوها غاضبة من دول وشعوب وقد وضعت اللائمة عليها في نشر العدوى، وأخرى تضع الآلة الحاسبة لتفكر كيف بوسعها استغلال الأزمة مالياً بأكبر أرباح ممكنة، ووجوها مازالت تتأمل وتحاول أن تفهم ما يحدث أهو عقاب وغضب رباني أم رحمة للناس الذين أرهقوا من طغيان الآخر، ومازالوا يفكرون دون جدوى.

دائماً في المحن يلتقي الخير والشر على نحوٍ متقابل، يحشد كلّ وسائله وأدواته وفريقه، يتنافسان في تحقيق أكبر عدد من الأهداف، ويخبران الجميع كم أن هذا العالم مخيف جداً، وساحر جداً في آنٍ معاً، وكم أن الإنسان قادر على أن يحوله إلى جحيم أو إلى جنة تنعم بالطيبين المصلحين الذين يحسنون تحويل كل المخاوف إلى حالة من السكينة والطمأنينة والأمل، رغم كل مستويات الرعب والضبابية الحاصلة، هناك من يجيد الفهم والإدراك، وينطلق من قناعاته، ويعطي من قلبه.