"طوفان الأقصى": ردع إسرائيل وفرملة التطبيع وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة

2023.10.15 | 07:18 دمشق

"طوفان الأقصى": ردع إسرائيل وفرملة التطبيع وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة
+A
حجم الخط
-A

العملية العسكرية غير المسبوقة التي بادرت إليها المقاومة الفلسطينية في 7 الشهر الجاري على الحدود مع قطاع غزة، والتي لم تنته بعد، ولم تتضح أبعادها النهائية، من الواضح أنها مختلفة عما سبق، وسيكون لها ولا شك نتائج جدية في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والعربي الإسرائيلي بشكل عام.

سوف تظهر الكثير من التحليلات لهذا التطور الذي يحمل مضامين استراتيجية، قد تسهم في إعادة رسم المعادلات في المنطقة. وإذا حاولنا قراءة سريعة لما انجلى حتى الآن من المشهد، فيمكن الإشارة إلى عدة نقاط هامة. ومنها على سبيل المثال من النواحي الأمنية والعسكرية والاستراتيجية:

- تمكن المقاتلين الفلسطينيين من عبور الحدود بهذه السهولة، واحتلال قواعد عسكرية والسيطرة على مستوطنات، وقتل وأسر المئات من العسكريين والمستوطنين، وسوقهم إلى القطاع، يشكل نقلة نوعية في مجريات الصراع منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، ولم يحدث ذلك من قبل طيلة سبعين عاما. وكان تمكن الجانب العربي، سواء أكان دولا أم فصائل، من أسر جندي أو بضعة جنود إسرائيليين، يعد حدثا كبيرا في مجريات الصراع.

- وهذا الخرق الفلسطيني للحدود، تكرر كثيرا حتى بعد زوال المفاجأة والصدمة من جانب الجيش الإسرائيلي، ما يعني أن هذا الجيش غير قادر على ضبط الحدود، برغم عشرات المليارات التي أنفقتها على بناء السياج العازل المزود بأحدث معدات المراقبة والإطلاق التلقائي للنيران، والمدعوم بما يسمى "القبة الحديدية". إنه فشل كامل لمنظومة الأمن الإسرائيلية، وانكشاف مدو لمدى هشاشتها.

تطورات ملموسة في قدرات المقاومة العسكرية، سواء على صعيد جمع المعلومات الاستخبارية، أم تطوير فرق الكوماندوس البرية والجوية والبحرية، فضلا عن تحسن واضح في القدرة الصاروخية

- هذا التطور، لا شك يسهم في تهشيم صورة إسرائيل وجيشها "الذي لا يقهر"، ويعظم في الوقت نفسه من شأن المقاومة، لدى حاضنتها الشعبية، وفي مواجهة المشككين الكثر بجدواها سواء من الفلسطينيين أم العرب.

- ومن الملاحظ أيضا، تطورات ملموسة في قدرات المقاومة العسكرية، سواء على صعيد جمع المعلومات الاستخبارية، أم تطوير فرق الكوماندوس البرية والجوية والبحرية، فضلا عن تحسن واضح في القدرة الصاروخية، حيث باتت صواريخ المقاومة توقع قتلى وتدميرا واسعا بين الإسرائيليين، خلافا للحروب السابقة، حيث كان أثرها ضعيفا للغاية، حتى وصفت بأنها مجرد مفرقعات إعلامية.

- وفي المقابل، لم يبل جيش الاحتلال حسنا في المواجهات مع المقاتلين الفلسطينيين، ونال أداؤه انتقادات واسعة من جانب الإعلام الإسرائيلي، ووصف بالارتباك والبطء وضعف القيادة، ولم يجد هذا الجيش طريقة لتعويض هذا الفشل القتالي، إلا بتكثيف الغارات الجوية على قطاع غزة بعيدا عن ساحة المعارك، في محاولة لإيقاع أكبر ما يمكن من خسائر بين المدنيين.

خيار المقاومة سوف يستعيد زخمه بعد هذه التطورات بوصفه الطريقة المثلى لمخاطبة العدو الإسرائيلي الذي بات يسيطر على قيادته القوى الأشد تطرفا في إسرائيل والرافضة كليا لأبسط الحقوق الفلسطينية

وعلى الصعيد السياسي، لا شك أن هذه التطورات سيكون لها مفاعيل كبيرة على المستويين الفلسطيني والعربي، وصورة الصراع مع إسرائيل بشكل عام. وبعد أكثر من ثلاثة عقود من تبني خيار المفاوضات من جانب الفلسطينيين والعرب، نجد أن حصيلة هذا المسار ليست مساوية للصفر وحسب، بل دفعت بالقضية الفلسطينية خطوات إلى الوراء، واستطاعت إسرائيل تدريجيا طي المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة الدولة المستقلة على حدود 1967، وإرهاق الفلسطينيين بمطالب يومية لا تتعدى المطالبة بوقف الاستيطان وضم الأراضي والاقتحامات للمسجد الأقصى والإفراج عن المعتقلين.

ولا شك أن خيار المقاومة سوف يستعيد زخمه بعد هذه التطورات بوصفه الطريقة المثلى لمخاطبة العدو الإسرائيلي الذي بات يسيطر على قيادته القوى الأشد تطرفا في إسرائيل والرافضة كليا لأبسط الحقوق الفلسطينية.

وفي هذا السياق أيضا، يشكل "طوفان الأقصى" ضربة قوية لحركة التطبيع العربي مع إسرائيل والتي دفعت إليها الإدارات الأميركية وأثمرت عن اتفاقات للتطبيع اعتبارا من العام 2020 مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، وكان من المقرر أن يتوج ذلك بدخول السعودية على خط التطبيع، وسوف يكون من نتائج هذه التطورات إعادة التركيز على القضية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للطرف الفلسطيني باعتباره الطرف الأهم في أية معادلات تخص العلاقة مع إسرائيل، ولا يمكن لأحد تجاوزه.