icon
التغطية الحية

طفلة سورية تكتشف ترحيل أهلها من لبنان بعد عودتها من المدرسة

2023.05.18 | 19:44 دمشق

الطفلة السورية رغد
الطفلة السورية رغد
BBC - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

دهمنا شيء من الخوف ونحن نعبر جبال لبنان لنصل إلى بيت عمة رغد، وذلك لأن مهمتنا المتمثلة بالتحدث إلى طفلة أبعدت عن أهلها ولا تعرف متى ستلتقيهم مجدداً كانت مهمة حساسة جداً.

ولكن بمجرد أن رأيناها، زال عنا القلق، فقد ارتدت رغد ثياباً زاهية الألوان، وربطت شعرها كذيل حصان، وابتسمت لنا بلا أي كلفة ثم أشرقت عيناها، فتحول ما انتابها من هدوء إلى مصدر اطمئنان بالنسبة لنا.

بالكاد تحدثت رغد، لأن زوج عمتها أخبرنا بما جرى لها هي وأهلها، أما هي فأخذت تصغي بعناية، وكانت المرة الوحيدة التي تدخلت فيها بالحوار عندما صححت له عمرها، وأخبرتنا بأنها في الثامنة من العمر، تلا ذلك نقاش ودي ليمثل لحظة سعيدة خلال تلك القصة الحزينة.

تعيش رغد اليوم في بلد غير البلد الذي يقيم فيه أهلها الذين غادروا من دون أن تتسنى لها فرصة لتوديعهم.

في 19 نيسان، قبل يومين فقط من حلول عيد الفطر، دهم الجيش اللبناني بيت رغد.

Raghad seated with BBC reporter Carine Torbey in her aunt's house

رغد وهي تشرح للصحفية كارين توربي كيف تتحدث مع أبيها على الهاتف

كانت وثائق أهلها منتهية الصلاحية، لذا، ومن دون سابق إنذار، ألقي القبض عليهم ثم رحلوا إلى سوريا.

أخبرنا والد رغد عبر الهاتف بما جرى، فقال: "طلبوا منا أن نرتدي ثيابنا وأن نحمل معنا أثمن متعلقاتنا".

وقعت المداهمة عند الساعة التاسعة صباحاً عندما كانت رغد في المدرسة، ولهذا توسل أبوها للجيش حتى يسمحوا لهم بانتظارها لتؤوب من المدرسة، إلا أنهم رفضوا، وعندما وصلت رغد من المدرسة وطرقت على الباب، لم يفتح لها أحد، ولهذا انفجرت باكية وهي تشرح ما حل بها بالقول: "خفت كثيراً".

اتصل أحد الجيران بعمتها التي تعيش في مكان قريب من بيتهم، فهرعت إليها. واليوم تعيش رغد مع عمتها، إذ كانت عملية ترحيل أهلها واحدة من بين إجراءات التضييق التي فرضها الجيش اللبناني على السوريين الذين يعيشون بشكل غير قانوني في لبنان.

أمضت أسرة رغد 12 سنة في لبنان، أي منذ بداية الحرب في سوريا، ما يعني أن رغد ولدت في لبنان، إلا أن أصول أسرتها تعود لمحافظة إدلب السورية، والتي تعتبر منطقة أساسية في الحرب وآخر ما تبقى من معاقل الثوار.

يقول والد رغد الذي أخفينا هويته لاعتبارات أمنية: "تخيلوا أن نطرد بهذه الطريقة بعد أن عشنا في هذا البلد لمدة 12 سنة، ثم إننا لا نستطيع أن نعود إلى مدينتنا بسبب الوضع فيها".

تقيم أسرة رغد اليوم لدى بيت أصدقاء لها في العاصمة السورية دمشق، وعندما سألناهم عن محاولتهم لجلب رغد إلى سوريا، أخبرونا بأنهم يفضلون العودة إلى لبنان، إلا أن ذلك ليس بالأمر اليسير، لأن السلطات اللبنانية تريد من اللاجئين العودة إلى بلدهم، ويحدوها في ذلك المشاعر المعادية للسوريين في مختلف أرجاء البلد.

يستضيف لبنان أكبر عدد للاجئين في العالم إذا قارنا عددهم بعدد السكان، إذ هنالك نحو 800 ألف سوري مسجل لدى الأمم المتحدة، على الرغم من أن السلطات اللبنانية ترى بأن العدد الحقيقي أعلى من الضعف.

An informal settlement for Syrian refugees in Lebanon

من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان

ظهرت خلال العقد الماضي موجات معادية للسوريين أكثر من مرة، وهذا ما أدى إلى تشديد القوانين التي تستهدفهم، ولكن الجدل هذه المرة يبدو مختلفاً كما بات من الواضح وجود اتفاق على نطاق واسع بشأن إعادة اللاجئين إلى بلدهم.

يخبرنا اللبنانيون بأنهم لم يعد بوسعهم تحمل عبء استقبال عدد كبير من اللاجئين في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أشد أزمة مالية واقتصادية في التاريخ الحديث، كما يرون بأن اللاجئين السوريين يزيدون الطين بلة عندما ينافسونهم على الموارد والخدمات الشحيحة أصلاً، ويتهمونهم بزيادة نسب الجريمة وتهديد التوازن الديموغرافي الحساس للبلد، وهنا يشار عادة إلى نسب المواليد المرتفعة بين صفوف السوريين مقابل نسب المواليد المنخفضة بين صفوف اللبنانيين لدعم هذه الفكرة.

ولذلك دفعت تلك المشاعر بعض السلطات المحلية لتشديد الخناق على السوريين.

فقد فرضت بلدة بكفيا التي تقع ضمن الجبال المطلة على بيروت حظر تجوال على السوريين، إذ تقول رئيسة البلدية نيكول جميل في معرض دفاعها عن هذه السياسة التي وصفتها منظمات حقوقية بالعنصرية: "لم يستقبل أحد في العالم السوريين كما استقبلناهم".

أما مؤيدو هذا المخطط فيشيرون إلى الوضع الأمني في سوريا بما أن المواجهات العسكرية الكبرى قد انتهت حالياً.

Nicole Gemayel, mayor of Bikfaya in her office

رئيسة بلدية بكفيا نيكول جميل

ويرتبط كل ذلك بالتمهيدات السياسية الساعية للتطبيع مع بشار الأسد الذي لم يعد أحد يعتبره شخصية منبوذة بعدما سعت معظم دول المنطقة إلى العودة للتعامل معه.

ترى السلطات اللبنانية بأن كل تلك العوامل يجب أن تنهي أزمة اللاجئين، وتشدد على ما تصفه بالتحركات غير القانونية بين البلدين عبر الحدود، وتعتبر بأن حركة المرور هذه تقوض مزاعم السوريين الذين يدعون بأنهم يخشون على حياتهم حال عودتهم إلى بلدهم، وفي الوقت ذاته يصرح الجيش بأن كل ما يفعله عند ترحيل السوريين ما هو إلا تنفيذ للأوامر.

وأيضاً، تتهم بعض الأصوات السياسية المعروفة في لبنان دولاً أجنبية ومنظمات إغاثية دولية بمحاولة إبقاء السوريين في لبنان، وتقول إن الإغاثة التي تقدمها الأمم المتحدة تعتبر حافزاً للبقاء، غير أن الأمم المتحدة تنكر ذلك وتقول إن أي عودة لأي لاجئ سوري يجب أن تتم بشكل طوعي لأن الأوضاع في سوريا ما تزال غير آمنة.

ولكن بالنسبة للصغيرة رغد كل تلك النقاشات تعتبر غير مهمة، لأنها مشتاقة لأهلها وترغب بأن يجمعها معهم بيت واحد.

 

المصدر: BBC