طاولة بلا أرجل وتفخيخ المجتمع التركي

2023.05.19 | 06:07 دمشق

طاولة بلا أرجل وتفخيخ المجتمع التركي (مقال رأي)
+A
حجم الخط
-A

بدون مقدمات ولا مواربة كشف كمال كليتشدار أوغلو عن وجهه الحقيقي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها في البرلمان التركي البرلمان الذي كان يتطلع له مع حلفائه للحصول على أكثرية تعطيهم المشاركة في حكم الدولة ولطرح إمكانية تغيير النظام الرئاسي وعودة النظام البرلماني. هذه الخسارة أخرجت أسوأ ما في حزب الشعب الجمهوري ومناصريه حيث بدأت حملة على أهالي المدن الجنوبية التي تعرضت للزلزال ممن يقيمون في مدن تحكمها بلديات تابعة لهم، الحملة التي بدأت على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تصويت سكان مدن الجنوب للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وعزوفهم عن التصويت لكمال كليتشدار أوغلو ثم امتدت هذه الحملة لتشمل عمليات طرد من أماكن إيواء المتضررين بعد أن أبلغت بلدية تيكرداغ النازحين الأتراك من مدن الجنوب بضرورة إخلاء الفنادق والأماكن التي يقطنونها، هذه العقلية ليست بجديدة على طيف واسع من مناصري حزب الشعب الجمهوري وقياداته لأنهم طالما نظروا إلى سكان المدن الجنوبية ومدن البحر الأسود نظرة استعلائية ويعتبرونهم قرويين بسطاء وأن الكماليين فقط من يحق لهم حكم تركيا وتحديد هويتها وتوجهاتها.


كليتشدار أوغلو قرر اللعب بورقتين خلال حملته لخوض الجولة الثانية في السباق الرئاسي، الأولى ورقة اللاجئين السوريين لأجل مخاطبة القوميين الرافضين لكل ما هو أجنبي والثانية محاولة إثبات أن حزب الهدى الإسلامي الكردي حزب إرهابي مرتبط بحزب الله التركي لأجل حرف الأنظار عن تحالفه مع حزب الشعوب الممثل الأكبر لأكراد تركيا، وفي أول إطلالة له خرج في فيديو نشره على حسابه الشخصي على منصة تويتر ووصف فيه اللاجئين بأقسى الأوصاف بلغة لم يستخدمها حتى أوميت أوزداغ البرلماني السابق والمشهور بخطابه العدائي ضد السوريين والأجانب بشكل عام.


هذا الخطاب الموتور من قبل قيادة حزب الشعب الجمهوري وكبار مناصريه يدل على توترهم وقلة حيلتهم في الوقت ذاته، لأنهم فعلوا أقصى ما يمكن القيام به على مدار أكثر من عام حين جمعوا متناقضات السياسة التركية على طاولة واحدة ورغم صعوبة الحفاظ على تماسك الطاولة طيلة الفترة الماضية فإنهم في النهاية خسروا البرلمان، وبدأت بعدها أصوات متذمرة من قيادات ومناصري الحزب تتحدث عن أنهم خدعوا من قبل داود أوغلو وباباجان وتمال قره ملا أوغلو شركائهم في الطاولة لأنهم يعتبرون أن أحزاب المستقبل وديفا والسعادة هم من كسب ودخل البرلمان على حساب مرشحي حزب الشعب الجمهوري في وقت لم يستطع هؤلاء إقناع مناصريهم بالتصويت لكمال كليتشدار أوغلوا وذهبت أصواتهم إلى الرئيس أردوغان. هذا التذمر بدأ يأخذ منحى تصعيدياً حيث أجبر مناصرو وبعض قيادات حزب الشعب داود أوغلو على حذف تغريدة كان قد نشرها احتفالاً بدخول نواب حزبه للبرلمان، هذا مؤشر على قرب انتهاء تحالف الطاولة الذي ولد ميتاً لأن ما جمعهم أمران فقط، الأول إقصاء الرئيس أردوغان من منصب الرئاسة وهذا الأمر بات بعيد المنال بعد الفارق الكبير بالجولة الأولى، والثاني الفوز بأغلبية برلمانية تساعدهم على أن يغيروا نظام الحكم الحالي من رئاسي إلى برلماني، وهذا أيضا بات في حكم المستحيل، لأنهم في حال إصرارهم عليه سيعود الرئيس أردوغان للحكم من بوابة رئاسة الحكومة بعد فوز تحالفه بالأغلبية البرلمانية. أما باقي الملفات فشركاء الطاولة لم يتفقوا عليها وأجلوا النقاش حولها إلى ما بعد الانتخابات وهذه الملفات بمثابة ألغام موضوعة تحت الطاولة وتنتظر فقط أن يقوم أحد الجالسين بالضغط قليلاً حتى تبدأ سلسلة الألغام بالانفجار تباعاً.


بالعودة لجولة الحسم يوم ٢٨ المقبل سيدخلها الرئيس التركي وفي جعبته الكثير من الأوراق الرابحة وفي مقدمتها حصوله مع حلفائه على أغلبية برلمانية مريحة والفارق الكبير بينه وبين المرشح الآخر في الجولة الرئاسية الأولى. وكعادتها منذ أكثر من عام تواصل المعارضة تقديم الهدايا المجانية لمنافسها حين سارع الرئيس أردوغان للاستفادة من الحملة العنصرية ضد النازحين الأتراك من مدن الجنوب وقال في مقابلة تلفزيونية إنه سيزور المناطق المتضررة من الزلزال برفقة دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية وشريكه في الحكم لأجل الاطمئنان على الأهالي هناك، وتطييب خاطرهم بعد الأذى الذي لحق بهم من قبل حزب الشعب الجمهوري. أما كمال كليتشدار أوغلوا فسيدخل للجولة وفي جعبته هزيمة برلمانية مدوية ونقمة من الشارع التركي بسبب خطاب عنصري فج ضد الأتراك واللاجئين معاً، خطاب قد يؤدي إلي توتر كبير في الشارع التركي المشحون والمستقطب بشكل كبير، وإذا كانت الجولة الأولى انتهت دون أي أعمال شغب وهذا يحسب للشعب التركي بسبب وعيه وإيمانه بالعملية الديمقراطية وتقبله للخسارة، إلا أنه خرجت أصوات تركية تتخوف من أن تتسبب هذه الحملة التي يقودها حزب الشعب إلى حدوث ما لا يتمناه أحد.


الجولة ستكون صعبة على المرشحين معاً، فرغم أن لغة الأرقام تعطي أفضلية واضحة للرئيس الحالي فإن الانتخابات التركية دائماً ما تفاجئنا بنتائجها، وصعود الأحزاب القومية في كلا التحالفين كان مفاجئاً للجميع وسيكون لهذا المد القومي أثره الواضح في خطاب الرجلين من الآن وحتى ساعة الحسم.