icon
التغطية الحية

صعود أبناء خليفة حفتر في شرقي ليبيا.. فساد ودمار وكارثة درنة

2023.09.22 | 15:54 دمشق

آخر تحديث: 22.09.2023 | 15:54 دمشق

صدام حفتر
صدام حفتر
France 24 - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في منشور ظهر على منصة X، ظهر صدام حفتر وهو يرتدي بزة عسكرية مموهة ويعبس كعادته وهو منكب على تفحص خريطة لليبيا في غرفة تعرف باسم: "غرفة الطوارئ الليبية"، وإلى جانبه ظهر ثلاثة مسؤولين روس من فريق وزارة الدفاع الروسية الذي وصل إلى شرقي ليبيا بعد أيام من انهيار السدود في درنة، وهذا ما أطلق العنان لكارثة لم يرد لها مثيل إلا في الكتب المقدسة التي تحدثت عن الطوفان.

في ذلك المنشور الذي نشره موقع إخباري ليبي بعد أسبوع من أحداث 11 سبتمبر، وعنون تلك الكارثة بأحداث 11أيلول الليبية، كتب أحدهم: "العقيد صدام حفتر، رئيس غرفة الطوارئ الليبية وهو يتابع آخر التطورات في عمليات البحث والإنقاذ".

كثيراً ما يرد اسم الابن الأصغر لخليفة حفتر، أي صدام على أنه الوريث المحتمل لأبيه الطاغية الذي يبلغ من العمر 79 عاماً والذي سيطر على شرقي ليبيا لنحو عقد من الزمان، فبما أنه قائد لفرقة طارق بن زياد ضمن الجيش الوطني الليبي الذي شكله أبوه، ذاع صيت حفتر الصغير واشتهر بأنه يستولي على الأموال الموجودة في أقبية المصرف المركزي الليبي وذلك بحسب ما أوردته هيئة الأمم المتحدة، هذا فضلاً عن تسببه بارتكاب سلسلة من الجرائم الفظيعة في شرقي ليبيا، بحسب ما أوردته منظمة العفو الدولية.

بين أن نجل حفتر البالغ من العمر 32 عاماً لا خبرة له في مجال إدارة العمليات الإغاثية، ولكن خلال الأسبوع الماضي، عُين قائداً للجنة الاستجابة للكوارث حتى يعالج الأزمة الإنسانية التي وصلت إلى مستويات صادمة.

وفي الوقت الذي تتدفق فيه ملايين الدولارات كمساعدات إنسانية على شرقي ليبيا، لا بد أن يضطر المجتمع الدولي إلى تنسيق العمليات الإغاثية تحت إشراف ابن الطاغية صاحب التاريخ الموثق في مجال الاختلاس وانتهاكات حقوق الإنسان. وبالنسبة للشعب الليبي، أصبح ذلك مصدراً آخراً لليأس بعد الخسائر والصدمات التي سببها الفيضان الذي حدث نتيجة لعقود من الإهمال من قبل الدولة.

آل القذافي يسقطون ليصعد مكانهم آل حفتر

ولد صدام حفتر في عام 1991، أي بعد عام على هروب أبيه الذي كان أهم قائد عسكري في جيش معمر القذافي، إلى المنفى في الولايات المتحدة. نشأ هذا الفتى الذي كان أصغر إخوته في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، حيث رعته أمه في أثناء غياب والده في الولايات المتحدة، وجاء في أحد المصادر الإعلامية بأنه لم يُعرف سوى القليل عنه أيام يفاعته وشبابه، خلا أنه لم يحصل على الشهادة الثانوية أو ما يعادلها.

كان في العشرين من عمره عندما اندلعت الانتفاضة ضد القذافي، فعاد والده من المنفى إلى بلده، إلا أن حظوظ هذا الشاب أخذت بالصعود عقب هجوم أبيه في عام 2014 على جماعات مسلحة مناهضة له، ما تسبب بقيام الحرب الأهلية الليبية الثانية، وترتب عليها سيطرة الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر على شرقي منطقة برقة.

في عام 2016، عُين صدام حفتر قائداً لفرقة طارق بن زياد التي تعتبر إحدى أقوى الجماعات المسلحة العاملة تحت إمرة الجيش الوطني الليبي، ومنذ ذلك الحين ومقاتلو هذه الفرقة يرتكبون انتهاكات بحق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وبعض تلك الانتهاكات قد يرقى لجرائم حرب"، وذلك بحسب ما ذكرته منظمة العفو الدولية في تقريرها: "نحن أسيادك" وهو تقرير مرعب مؤلف من 21 صفحة، يتحدث عن تفاصيل الانتهاكات المتفشية التي ارتكبت بحصانة كاملة في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي.

ظهر اسم صدام حفتر أيضاً في تقرير للجنة خبراء أممية حول ليبيا في عام 2018، اتهم فيه صدام بالسيطرة على فرع المصرف المركزي الليبي ببنغازي في عام 2017، ونقله مبالغ كبيرة من الأموال والفضة إلى وجهة غير معلومة.

تضم محتويات خزينة المصرف المركزي 159700000 دولار، و1900000 يورو و5869 عملة فضية بحسب ما ورد في التقرير، وجاء في التقرير الأممي بأن: "عدداً من مديري البنك ذكروا بأن قادة الجيش الوطني الليبي ضغطوا عليهم كثيراً حتى يسمحوا لهم بالوصول إلى الأموال وخطابات الاعتماد، ولهذا قرر بعضهم الانتقال إلى الخارج لأسباب أمنية".

إن تحاشي سخط آل حفتر وغضبهم يعتبر استراتيجية أساسية للبقاء، ولذلك تبناها كل من يقطن في شرقي ليبيا خلال العقد الماضي لأسباب وجيهة، إذ في العاشر من تشرين الثاني من عام 2020، تم إطلاق النار على حنان البرازي، وهي محامية حقوقية ليبية وناشطة في مجال حقوق المرأة فأرديت قتيلة في وضح النهار بمدينة بنغازي، وذلك بعد يوم على نشرها لرسالة على فيس بوك وعدت فيها بالكشف عن فساد صدام حفتر، وذلك بحسب ما أوردته منظمة العفو الدولية.

أبناء متنافسون لكنهم مخلصون للأب

يستمد حفتر الصغير قوته وسلطته من أبيه، تلك الشخصية التي تحولت إلى لاعب أساسي في ليبيا وتعاملت مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي ومصر والإمارات، حتى في الوقت الذي أثارت فيه سخط المسؤولين في عواصم المنطقة والعالم.

ولكن داخل العائلة، ثمة شائعات تظهر باستمرار حول تنافس أبناء حفتر الستة.

كان صدام في وقت من الأوقات قائداً للكتيبة 106 من الجيش الوطني الليبي والتي تعمل على حراسة خليفة حفتر بشكل شخصي، إلا أنه استعيض عنه بشقيقه الأكبر، خالد الذي يحمل شهادة جامعية، وتعتبر صورته أنقى من صورة شقيقه الأصغر.

بيد أن الولاء للأب أساسي بين أولاد حفتر الذين يفتقرون للتدريب والخبرة العسكرية التي يتمتع بها أبوهم.

في الحادي عشر من أيلول، عندما انفجرت السدود في درنة، كان الصديق حفتر في باريس، وأعلن من هناك بأنه منفتح على فكرة الترشح للرئاسة في ليبيا مستقبلاً.

وفي مقابلة بثتها محطة تلفزيونية بلغارية حول انهيار السدود في درنة، أعرب الصديق عن امتنانه لقيادة أبيه الحكيمة، ثم أخذ يكذب رواية الأهالي والخبراء حول درنة، وأكد بأن الجيش الوطني الليبي أصدر إنذاراً قبل أن تضرب عاصفة دانيال شرقي ليبيا، كما أمر كل المواطنين بإخلاء كامل المنطقة بحسب قوله.

سؤال من الصحافة لملك الإغاثة

عقب كارثة السدود في درنة، تأهب الليبيون في الداخل والخارج وتوجسوا تجاه صرف المساعدات التي تدفقت على البلاد من مختلف أرجاء العالم، وقلقوا من الفساد وتحويل المساعدات إلى نقد بحسب ما ذكره طارق ميجيريسي، وهو عضو رفيع في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

بيد أن المؤشرات مقلقة، إذ يقول ميجيريسي: "عشية اليوم الذي تلا كارثة درنة، صار بإمكانكم أن تشاهدوا كيف شق الإحساس بالذنب وعدم الكفاءة الصفوف، وابتداء من اليوم الثالث، تحولت درنة إلى منطقة عسكرية، وامتلأت بناقلات الجنود المصفحة والعديد من حواجز التفتيش".

وبحسب ما أوردته منظمة مراسلون بلا حدود فإن المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي تحولت منذ أمد بعيد إلى ثقب أسود على مستوى الإعلام، إذ لا يسمح للصحفيين الأجانب بالدخول إليها، في حين لا يجوز لأي صحفي ليبي انتقاد آل حفتر أو أعوانهم، ويضيف تقرير المنظمة: "في شرقي البلد، يخضع المراسلون لسلطة حفتر، ولا يحق لأي مؤسسة إعلامية انتقاد الجيش".

مع انتشار الأخبار حول هول كارثة درنة خلال الأسبوع الماضي، استطاعت بعض الفرق الصحفية الأجنبية أن تصل إلى المدينة المنكوبة، فهالتهم مشاهد الدمار الكامل والاستعراضات السوريالية لسلطة حفتر وقوته.

صور فريق سكاي نيوز صدام حفتر وهو يتجول في درنة في سيارة بيك آب احتشد فيها حراس مسلحون، ولكن عند توجيه بضعة أسئلة لقائد فريق إدارة الأزمة الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، صارت تعابير وجهه ساخطة على المراسلة آليكس كراوفورد.

إلا هذا الحوار المقتضب والنادر مع الصحفية سرعان ما انتشر على منصة إكس انتشار النار في الهشيم، ورافقه تعليق لشخص جاء فيه: "يبدو أنه ناقم عليها لأنه لا يستطيع اغتيالها".

وبحلول يوم الثلاثاء، وجهت أوامر للفرق الصحفية الأجنبية بالخروج من درنة، أي بعد مرور يوم على احتجاج الأهالي أمام مسجد الصحابة الشهير ذي القبة الذهبية، كما قطعت خطوط الهاتف والإنترنت، وحرم فريقاً إغاثياً أممياً من الوصول إلى درنة، بحسب ما أورده الناطق الرسمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

غير أن المسؤولين في شرقي ليبيا أنكروا أي صلة بين قطع الاتصالات ومنع وصول الفرق الإغاثية بالاحتجاجات التي خرجت يوم الاثنين الماضي، لكن المحللين يؤكدون وجود صلة بذلك بالنسبة لتلك التطورات، حيث ذكر ميجيريسي على منصة إكس: "قطعت الاتصالات عن المدينة وطردت فرق الإغاثة الليبية والأجنبية، فأصبح الأهالي يترقبون اليوم بخوف شديد بداية أي حملة عسكرية وشيكة كعقاب جماعي على المظاهرات التي خرجت البارحة والمطالب التي رفعت فيها".

ملحمة الخلافة

عملت كارثة درنة على توحيد صف الليبيين في هذا البلد المقسم، حيث صاروا يقدمون الإغاثة لضحايا الفيضان، إلا أن بعضهم يرون بأن حالة التوحد التي بدأت لا بد أن تصل إلى النخب السياسية التي تقود الفصائل في ليبيا.

في الوقت الذي مسحت فيه الفيضانات العديد من ضواحي المدينة وقتلت الآلاف وتسببت بنزوح آلاف أخرى، يبدو بأن حفتر وأبناءه يمسكون بالسلطة بقوة في شرقي ليبيا.

في السابع من تشرين الثاني المقبل، سيبلغ خليفة حفتر الثمانين من العمر، وسيتحول هذا الحدث إلى نقطة مهمة سيقوم بسببها طاغية برقة بتعيين أولاده في مناصب تدر أرباحاً طائلة إلى جانب ترقيتهم في صفوف الجيش، بيد أن الشائعات التي انتشرت حول تراجع صحة حفتر دفعت بالمحللين للتفكير بمن سيكون خليفته من أبنائه.

عبر تشبيه الحال المتوقع بما ظهر في أحد المسلسلات التلفزيونية الذي يعرف باسم (الخليفة)، يتوقع ميجيريسي لعملية التوريث أن تكون محفوفة بالمخاطر، ويقول: "لقد أوضح الأهالي في شرقي ليبيا، وأعني بذلك رؤساء القبائل وأعيان المجتمع بأنهم لن يسمحوا بظهور ملكية جديدة قائمة على التوريث، فهم لا يتقبلون فكرة تولي أبناء حفتر للسلطة، كما من الصعب على أبناء حفتر أن يفرضوا أنفسهم على الجيش بما أنهم لا يتمتعون بالعلم والتدريب العسكري، فضلاً عن تورطهم بالفساد".

إن معظم الليبيين لا يحبون خليفة حفتر، بيد أنهم يعترفون بأن تولي أولاده للسلطة وتحكمهم بالشبكات والأوساط التي يديرها أبوهم يمكن أن يغرق البلاد في حالة جديدة من انعدام الاستقرار، وعن ذلك يقول ميجيريسي: "يجب أن يصبح وضع الاستقرار في ليبيا أفضل قبل أن يموت خليفة حفتر، إذ تحتاج الدوائر والمؤسسات لتطوير قبل كل ذلك، وخلال السنوات القليلة الماضية، أخذت دول مختلفة تدعم ابناً من أبنائه، ولهذا سيحاول كل ابن منهم أن يتلبس صورة الإقطاعي عبر حماية مصالحه والتسبب بمزيد من الفساد والقتل والدمار في ليبيا".

 

المصدر: France 24