icon
التغطية الحية

صحيفة أميركية: بوتين يتحرك لتعزيز دور روسيا عقب مقتل سليماني

2020.01.09 | 14:11 دمشق

2020-01-07t204806z_2017216928_rc28be9iuqb2_rtrmadp_3_syria-russia.jpg
فورين بوليسي - ترجمة وتحرير تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

منذ تدخلها بشكل محوري وأساسي في الحرب بسوريا عام 2015؛ سعت روسيا لتضع نفسها في موضع اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، فجعلت من نفسها الوسيط الأوحد الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع القوى المتناحرة في المنطقة.

والآن تجددت تلك الفرصة السانحة أمام موسكو لتعزيز سمعتها وتلميع صورتها، إذ لابد وأن يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز مكانة بلاده في الشرق الأوسط عقب القرار الذي اتخذته إدارة ترمب والذي تم بموجبه اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني خلال الأسبوع الماضي، وكذلك عبر الهجوم الصاروخي الإيراني على قواعد عسكرية جوية أمريكية في العراق يوم الثلاثاء الماضي، مما تسبب بحالة توتر في الشرق الأوسط ووضع كلاً من إيران والولايات المتحدة على شفير الحرب. وقد زاد الوضع المتوتر من خطر إضعاف حسابات موسكو في المنطقة إلى حد بعيد، بيد أنه فتح المجال لظهور فرص جديدة أمام بوتين ليحقق هدفين من الأهداف طويلة الأمد والتي تشمل: تقويض مصداقية الولايات المتحدة وتوسيع التواجد الروسي في عموم أنحاء الشرق الأوسط.

وحول هذا الموضوع يعلق أندريا كيندول-تايلور وهو عضو رفيع في مركز الأمن الأمريكي الجديد ومفكر شغل سابقاً منصب نائب رئيس ضباط الاستخبارات الوطنية في روسيا وأوراسيا لدى مجلس الاستخبارات القومي بالقول: "يرى بوتين في رفض أحادية الجانب الأمريكية مهمة شخصية وهو يعرف كيف يستغل الفرص تماماً، ولهذا سيسعى للاستثمار في كل فرصة تسنح له لاستغلال اغتيال سليماني وما يعقب ذلك من حالة اضطراب وعدم استقرار بغية تشويه صورة وسمعة واشنطن في المنطقة".

موسكو تنشط دبلوماسياً

فلقد أشعلت عملية الاغتيال فتيل التحرك على صعيد النشاط الدبلوماسي من قبل موسكو، ففي مكالمات هاتفية أجراها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي مع نظرائه في أمريكا وإيران والصين وتركيا أدان هذا الرجل عملية القتل ووصفها بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي. وفي يوم الثلاثاء الماضي، قام الرئيس بوتين بزيارة ارتجالية لدمشق للقاء بشار الأسد في خطوة هدفها تعزيز وصاية موسكو.

وتعلق هنا آنا بروشتشيفسكايا وهي من الأعضاء رفيعي المستوى لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وهو أحد بيوت التفكير في واشنطن بالقول: ""كان آخر شيء يتمناه بوتين هو أن ينحاز لطرف من الأطراف في الشرق الأوسط. ولهذا فإن الورقة الرابحة بالنسبة له هي أن يلعب دور الوسيط، وأخال أنه في وضع الانتظار والترقب حالياً، وذلك لأنه في حال قامت روسيا بشيء كبير فلابد وأن يتم ذلك بشكل دبلوماسي".

وفي يوم الأربعاء، سافر بوتين إلى إسطنبول للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولمناقشة حالة تصعيد التوتر في الشرق الأوسط. وبالرغم من عدم اتفاقهما على مستقبل المنطقة إلا أن أردوغان وبوتين نجحا في إبرام اتفاقيات كما في الماضي، وذلك عندما اتفق الرئيسان على اقتطاع مناطق من شمال شرق سوريا خلال العام المنصرم عقب الانسحاب الأمريكي غير المتوقع بقرار من إدارة ترمب. ومن المقرر أن يستقبل بوتين يوم السبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في موسكو ليتباحثا حول الأزمة، وذلك لأن كلاً من روسيا وألمانيا تعتبر من بين الدول التي تسعى لدعم الاتفاق النووي الإيراني عقب الانسحاب الأمريكي من هذه الاتفاقية عام 2018.

امتحان قاسي لبوتين

لقد أتى مقتل قائد فيلق القدس سليماني بغارة نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار في محيط مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير كامتحان قاس بالنسبة لقدرة موسكو على أن تظل صديقة لكل اللاعبين الأساسيين في المنطقة. فلقد طورت كل من روسيا وإيران علاقات وطيدة بينهما خلال السنوات الماضية، وعملتا سوية في سوريا لجعل ميزان القوى يميل لصالح نظام الأسد. وبالرغم من وجود مصالح مشتركة بينهما، إلا أن موسكو تسعى في الوقت ذاته لإقامة علاقات أعمق مع إسرائيل والسعودية عدوتا طهران، بالإضافة إلى إقامة علاقات لاعبين آخرين في المنطقة.

وبخصوص ذلك تحلل جوليا سفيشنيكوفا وهي خبيرة ومستشارة بشؤون الشرق الأوسط لدى مركز PIR أحد بيوت التفكير في موسكو وتقول: "تحاول موسكو أن تلعب دور اللاعب الراسخ ومصدر الثقة في الشرق الأوسط وهذا يخدم قضيتها بكل تأكيد. إلا أن هذا الوضع يقلق موسكو بشكل كبير، ولهذا ستسعى لتنأى بنفسها عن تلك المعمعة قدر الإمكان".

إن قرار إدارة ترمب الذي قضى باغتيال مسؤول رفيع المستوى أتى مفاجئاً للكثير من الدول في مختلف بقاع العالم، وأدى لتقويض مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومن هذه الفرجة الصغيرة تسعى موسكو للاستفادة من هذا الوضع. إذ لطالما أثبت الكرملين براعته في استغلال الأزمات في مختلف بقاع العالم لتعزيز أهدافه الاستراتيجية بدءاً من أزمة أوكرانيا مروراً بما حدث في شمال أفريقيا ووصولاً إلى سوريا.

فلقد طعنت واشنطن روسيا عندما فرضت عليها عقوبات بسبب تدخلها في شرق أوكرانيا وقيامها بضم القرم، إلا أن الكرملين كان يشير إلى حرب العراق وأفغانستان على أنهما خير دليل على النفاق الأمريكي، لذا من المحتمل أن يستغل مقتل سليماني ودعوة ترمب لاستهداف المواقع الثقافية الإيرانية كدليل آخر يعزز فكرة التجاوزات الأمريكية مع القيام في الوقت ذاته بتعزيز مكانة روسيا كوسيط يمثل قوة إقليمية.

وفي الوقت الذي قد يرحب فيه الكثير من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بمقتل سليماني في سرهم، إلا أن الكثير منهم أيضاً يخشى من تحمل تبعات وعواقب الانتقام الإيراني. ولعل هذه المخاوف قد هدأت بعض الشيء بعد رد إيران على مقتل جنرالها وذلك بإطلاق نحو عشرين صاروخاً لاستهداف قوات التحالف والقوات العسكرية الأمريكية في العراق. بينما تشير التقارير الأولية إلى عدم وجود إصابات بين صفوف الأمريكان، وبأن كلا الطرفين قد عبر عن رغبته بعدم تصعيد الوضع. وهنا يمكن أن يتنفس حلفاء الولايات المتحدة الصعداء، ولكن إذا استنتجوا بأن واشنطن تركتهم عرضة لانتقام إيران، فإن ذلك سيشجع على ظهور محور يسعى للتقارب مع موسكو من أجل أي وساطة قد يحتاج إليها هؤلاء مستقبلاً.

هذا ولقد تميزت الشهور الأخيرة من عام 2019 بخروج موجة من الاحتجاجات المناهضة لإيران في كل من العراق ولبنان، ولوهلة بدا الأمر وكأن النفوذ الإيراني القوي في المنطقة بدأ بالتراجع، إلا أن الغارة الجوية التي نفذت في الثالث من كانون الثاني/يناير أعادت المشاعر المعادية لأمريكا إلى الصدارة مجدداً، ولاريب أن تكون موسكو قد رحبت بهذا التحول.

وهنا يعلق مارك كاتز وهو أستاذ في علم السياسة والحكومة لدى جامعة جورج مايسون بالقول: "بقدر ما رغب بوتين بظهور المشاعر المعادية لأمريكا؛ لم يكن بوسع روسيا أن تعمل على إعادة تلك المشاعر وإظهارها. إلا أن ترمب هو من فعلها ضد نفسه".

فاغنر في العراق

وفي الوقت الذي من المستبعد فيه أن تقوم روسيا بنشر تواجدها العسكري بشكل تقليدي في العراق، يتوقع بعض المحللين الروس الذين أجرت معهم فورين بوليسي لقاءات ظهور مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية وهي عبارة عن شركة تعهدات عسكرية خاصة تعمل في الظل سبق وأن خاضت الحرب لصالح الكرملين في سوريا وأوكرانيا وأجزاء من أفريقيا بهدف الحصول على مكاسب، وذلك في العراق في أعقاب الانسحاب الأمريكي، أما الدور الذي ستلعبه القوات الأمريكية مستقبلاً في العراق فمازال مجهولاً في الوقت الراهن، وذلك بعدما سارع البنتاغون لإنكار التقارير التي صدرت يوم الاثنين الماضي والتي تكشف عن قيامها بسحب الجنود من البلاد عقب وصول رسالة غير موقعة من اللواء ويليام سيلي قائد قوات المهمات الأمريكية في العراق ورد فيها بأن البنتاغون لابد له وأن يحترم قرار البرلمان العراقي الداعي لإخراج القوات الأمريكية من البلاد.

وهنا سارع المحللون الروس للإشارة إلى أن موسكو تتخذ خطواتها بحذر عقب مقتل سليماني وما تلا ذلك من رد أمريكي وإيراني.  وبالرغم من الإدانة الروسية لمقتل سليماني، لم تتعهد موسكو باتخاذ أي إجراء فعلي لدعم طهران، ويستبعد المحللون أن يقوم بوتين بدعم أي محاولة إيرانية للأخذ بالثأر، وقد يقتصر دوره على دعم طهران فقط.

وبحسب ما أورده المحلل أدلان مارغويف المتخصص بالعلاقات الروسية-الإيرانية لدى معهد موسكو للعلاقات الدولية وهو عبارة عن جامعة تديرها وزارة الخارجية الروسية؛ فإن لدى الكرملين قلق كبير إزاء منع التصعيد في المنطقة والذي بدوره قد يقلب الوضع الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط ذلك الوضع الذي ساعد تدخلها في سوريا على تكريسه، إلى جانب السعي لمواصلة رسم المسار الذي رسمه بوتين لمصالح روسيا في المنطقة.

ويضيف هذا المحلل قائلاً: "لم يتغير حتى الآن أي شيء استراتيجي على مستوى كبير بالنسبة لموسكو. ثم إنه من الصعب على موسكو أن تنتقل إلى هناك؛ ولكن من الطبيعي أن يحدث ذلك بطريقة ما، إذ إن كل ما فعلته روسيا هو معالجة المواقف الصعبة في الشرق الأوسط والتعامل معها".

 

المصدر: فورين بوليسي

 

 
كلمات مفتاحية