icon
التغطية الحية

صانعو المحتوى المنفلت.. هوس بالشهرة وتقليد أعمى وجيل يدفع الثمن

2022.03.28 | 06:20 دمشق

76cec2a48527d64f9e17cb4f1692536f.jpg
تلفزيون سوريا ـ وضحى العثمان
+A
حجم الخط
-A

بينما كان ينهي تناول قطع البسكويت المتبقية مع علبة الكولا، قلّب إبراهيم في صفحات الإنترنت باحثاً عن فطور صحي ينصح به متابعيه في الفيديو الصحي المنتظر، مسجّلاً بعض الملاحظات على إحدى ورقات البسكويت، الذي سيكون مع المشروبات الغازية على رأس قائمة محظورات سيحذّر الشاب العشريني متابعيه من الوقوع في فخّها.

تكشف نوّار وهي شقيقة الشاب، أنّ أخاها لا يعرف شيئاً عن اختصاص التغذية، ولا حتى يتابع المختصين كي يفهم ما يقول، إنّه يمشي مع موجة اليوتيوبرز صنّاع المحتوى.

إبراهيم شاب سوري تخرج حديثاً في كلية الهندسة في جامعة مصطفى كمال التركية، إلا أنه على ما يبدو لا يريد أن يترك القطار الذي يركبه أبناء جيله "الجيل الطالع" ليكون من مشاهير السوشيال ميديا.

تضجّ منصات التواصل الاجتماعي على اختلاف أسمائها بالقنوات والصفحات التي أنشأها أشخاص، لأهداف سامية، لكن في المقابل هناك موجة جارفة من القنوات المصممة لحصد الأرباح أو الشهرة البحتة، دون أن تتوخى أقل المعايير المهنية والأخلاقية في محتواها.

وبين الحين والآخر يصبح أحد صنّاع المحتوى "ترنداً"، وغالباً ما يرتبط هذا الأمر بموقف يثير غضباً واستهجاناً ارتكبه صانع المحتوى بقصد أو عن جهل، لكنّه يعود للظهور وسط الضجيج قائلاً من منطق البراغماتية: الإساءة حققت شهرة، إذاً إنّه ترويج غير مدفوع.

أخطاء فكرية واجتماعية

ليس إبراهيم وحده من يقدّم محتوى لا علم له به أصلاً، إلا ما يتلقفه وهو متّكئ من صفحات هنا وهناك، دون معرفة شيء عن المصادر والبحث العلمي، فهناك قنوات وصفحات يصعب إحصاؤها، وأحياناً تفاديها، رغم أنّها قد تهدد فئات من المتابعين بكوارث مباشرة أو مستقبلية.

يحكي نجم الدين، أحد المدرسين السوريين في ولاية هاتاي التركية، عن صفوفٍ بطلابٍ بينهم أصحاب قنوات على تطبيقات مختلفة، همّهم خلق كوميديا مؤسفة وتصويرها خلال الحصص، وعن آخرين باتت أقصى أحلامهم أن يصبحوا مشهورين.

يقول المدرّس لموقع تلفزيون سوريا: "لطالما واجهت طلابا يطرحون أسئلة غريبة، تجعلهم يظهرون أغبياء بما فيه الكفاية للضحك، لكن المصيبة أن هذه المواقف كانت تصوّر من قبل زملاء لهم في خطة متفق عليها لحصد المشاهدات، وإثارة إعجاب الصبايا".

وعن تفشّي ظاهرة أصحاب المحتويات "الرديئة"، نوّه المدرّس على أنّه "لا يختلف اثنان على أنهم الأكثر تأثيرا والأعم انتشارا، وهنا تكمن طامة العصر، إنهم الأقوى في شهرتهم، لكن ذلك لا يعني أنهم الأفضل".

وأضاف "أنْ تمتلك حصانا لا يعني أنك صرتَ فارسا. وحين يمتطي صهوةَ العلم مَن لا يتقن فروسية التخصص فالنتيجة الحتمية هي حث الغبار في العيون".

وحذّر نجم الدين من أنّ "الثقافة التي لا تُنهل من موردها الخاص تصل إلى صاحبها ملوثة بالجهل والسطحية، وفي أحيان كثيرة ملوثة بمفاهيم مغلوطة تؤدي إلى كوارث فكرية واجتماعية، وخصوصًا في فئة الشباب".

"اختصاصيون بلا حدود"

صحفيون خبراء في القانون، ناقدون، ومحللون سياسيون، وأطباء، بالإضافة إلى مهن أخرى قد تجد صانع محتوى يتبنى إحداها، أو جميعها خلال سلسلة من الفيديوهات الصغيرة، فيما بات يطلق عليه من باب التهكم "اختصاصيون بلا حدود".

الدكتورة والناشطة الحقوقية إيمان المناعي، ترى أنّ تنامي هذه الظاهرة تسبّبت بالخلط لدى الناس، وأن السوشال ميديا أصبح مكاناً وملجأ لمن سمتهم "المحتالين"، الذين يقولون عبر منصاتهم ما يشاؤون دون الخوف من العواقب.

وأوضحت المناعي أنّ عددا كبيرا من القنوات يصنّف خطيراً على المجتمع لاسيّما على النساء، باعتبار أنّهن يتأثرن عاطفياً بشكل لافت، خاصة بما يتعلق في اهتماماتهن.

وأشارت الدكتورة إلى نوعين من المحتوى قالت إنّها لمست تأثيرهما على عائلات تعرفها وتعيش معها، الأول يتعلّق بالعلاقات الأسرية، والثاني بطب الأعشاب ومساحيق التجميل.

وأوضحت أنّ بعض الأشخاص ينتحلون صفة الخبير الاجتماعي، ثمّ يبدؤون بضخ المعلومات العشوائية، لتتلقّف ضحاياهم هذا الكلام وتغرق في الأوهام ومن ثم بالأزمات العائلية، وأحياناً التفكك.

أمّا متخصصو التجميل، فلطالما أدّت خلطاتهم التي نشروها وروّجوا لها تحت عناوين برّاقة إلى تشوّهات لدى متابعين قرّروا أن يمشوا خلفهم، بحسب الدكتورة التي قالت إنّ إنشاء هذه القنوات بات "شغلة يلي ما لو شغلة".

يوميات بلا معنى

إلى جانب محتويات "الكوميديا المؤسفة، واختصاصيون بلا حدود"، تبرز محتويات اليوميات، والتي تصفها سلوى خلف بأنها مجرد "جنون أمام الكاميرا لا أكثر".

وتشرح الطالبة الجامعية عن تجربتها مع صديقة لها، كانت قد دخلت هذا العالم صدفةً فراق لها، وأصبح عالمها الأول الذي لن تقبل الخروج منه، لافتةً إلى أنّها أصبحت مرهونة له، لدرجة أنّها خاضعة بالمطلق لقانونه الخاص: المشاهدات أولاً.

تقول سلوى: "بدأت صديقتي فاطمة الفتاة المتزنة، بتصوير فيديوهات عن حياتها اليومية، ثمّ صارت تقدّم التنازلات شيئا فشيئاً، مدفوعةً بتقليد صاحبات القنوات القوية".

وأعربت الشابة عن أسفها لظهور صديقتها السابقة في فيديوهات غير لائقة لجهة الأزياء والاستعراض والتصنّع حتى على صعيد اللهجة، قائلةً "الكارثة أنها بدأت تتعامل معنا وكأنها شخصية لها وزنها في المجتمع وأنها صانعة محتوى يستحق التقدير".

تقليد أعمى

وأمام هذه الظاهرة يشير بعض الأهالي بأصابع الاتّهام إلى "الغيرة" بالدرجة الأولى، فهي من وجهة نظرهم تدفع أبناءهم اليافعين إلى التقليد بإنشاء المحتوى، مدفوعين كما أسلفنا بأموالٍ تأتيهم من المشاهدات، وشهرة تضخّم الشعور بالتفوّق على الآخرين.

تقول نوّار عن شقيقها الأصغر إبراهيم إنّه ترك الدراسة، وراح يصوّر يوماً بالحدائق على أنّه خبير بالزراعة، ويوماً على البحر شارحاً لمتابعيه عن أمورٍ بالكاد سمع بها.

وتوضّح أنّ شقيقها الأصغر أخذ هذا المنحى في حياته بعد أن رأى عددا من أقرانه ينتجون قصصا رديئة بالمطلق، لكنّهم يجنون منها المال، والشهرة، وكل واحدة منها في اعتقاده أهم من الجامعة والشهادة التي اعتبرها مجرد ورقة لن تفيده في هذا العالم السريع.

تختم نوّار بالقول: حاولت بكل ما أستطيع إقناع إبراهيم بالالتزام والعودة إلى التعليم، ولكني لم أنجح، هل يعقل أن يتحول جيل بأكمله لصانعي محتوى ليس فيه من العلم والمعرفة والحقيقة شيء يذكر عدا ذلك الأسلوب غير اللائق؟".