شروط أردوغان وتمنّع الأسد

2022.12.10 | 06:00 دمشق

شروط إردوغان وتمنّع الأسد
+A
حجم الخط
-A

 باتت العبارة التي قالها ذات يوم السياسي البريطاني، ونستون تشرشل، "لا صداقات دائمة ولا عدوات دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة"، تشكل المبدأ الأساس الذي درج عليه الساسة في عالمنا الراهن في علاقاتهم وسلوكياتهم، وراحوا يوجهون علاقات الدول التي يحكمونها وفق توظيفاته، ويتذرعون به من أجل تغيير مواقفهم، وتبرير ما يقومون به من أفعال، وسوى ذلك كثير.

وتدخل في هذا السياق مقولة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: "لا خلافات أبدية في السياسة"، التي قالها في معرض إجابته على سؤال حول إمكانية لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، ورجح أن يتم اللقاء في الوقت المناسب، وأنه سيعيد النظر في العلاقات معه بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمع إجراؤها في حزيران/ يوينو من العام المقبل.

كالن تحدث عما يمكن تسميته شروطاً تركية يجب على الأسد تلبيتها كي يتم اللقاء، وتجري المصافحة، بوصفها تتويجاً للمصالحة

غير أن الجانب الروسي، الدافع باتجاه اتخاذ المزيد من خطوات التطبيع والمصالحة بين تركيا ونظام الأسد، يريد أن يلتقي أردوغان والأسد في أسرع وقت ممكن لاعتبارات عديدة، لذلك لم يتأخر في التوسط لإجراء ترتيبات اللقاء، لكن يبدو أن النظام أراد نشر ادعاءات عن رفضه وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعقد اللقاء، وإظهار تمنّع الأسد حياله، والزعم بأن عدم رغبته مردها رفضه تقديمه خدمة لأردوغان، يمكنه توظيفها في حملته الانتخابية، باعتبار أنه ما يزال ينظر إليه بوصفه عدواً، ولا يجب أن يقدم له أي خدمة مقابل مساعيه ورغبته في التطبيع والمصالحة، الأمر الذي دفع الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، إلى القول بأن أنقرة لا تخطّط للقاء قريب بين أردوغان والأسد، وإلى توجيه رسالة مفادها أن الأسد "إذا تصرّف بمسؤولية، وبدّد مخاوف تركيا الأمنية، وسمح للمسار السياسي السوري بالتقدم، وضمن أمن وحماية الحدود التركية السورية، فإن أردوغان مستعد للقائه".

ويبدو أن كالن تحدث عما يمكن تسميته شروطاً تركية يجب على الأسد تلبيتها كي يتم اللقاء، وتجري المصافحة، بوصفها تتويجاً للمصالحة، على غرار تلك المصافحة التي جرت في الدوحة، بين أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، برعاية أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ويتحدث المسؤولون الأتراك عن شروط للقاء أردوغان مع الأسد، في وقت يهددون فيه بشن عملية عسكرية برية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي، وذراعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، ومخرجاته العسكرية والمدنية، المتصلة بوحدات حماية الشعب الكردية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية وسواها، ويتمحور هدفها ليس فقط في الرد على التفجير الإرهابي الذي وقع في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في شارع الاستقلال في إسطنبول، بل إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لقسد، عن الحدود السورية التركية مسافة 30 كيلومتراً، حسبما نصت عليه التفاهمات التركية الأميركية عام 2019، التي أفضت إلى إيقاف عملية "نبع السلام"، وترفض الوحدات الكردية تنفيذها.

وفي وقت تهدد فيه تركيا بأن عمليتها العسكرية قد تبدأ في أي وقت، وأن القرار سيُتخذ بعد إجراء التقييمات من المراجع المعنية في تركيا، فإنها، بالمقابل، لم تغلق الباب أمام الدبلوماسية من أجل تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، سواء عبر التواصل مع الروس والأميركيين أم عبر طرق باب نظام الأسد، حيث يعتقد ساستها أن التطبيع والمصالحة معه قد يحقق أهدافهم في ضرب الكيان الكردي في الشمال السوري، ويساعدهم في مسألة إعادة اللاجئين إلى سوريا، التي باتت قضية داخلية ضاغطة، وورقة مطروحة بقوة في البازار الانتخابي التركي.

غير أن نظام الأسد يريد استثمار جنوح تركيا نحو التصالح معه على مختلف المستويات، السياسية والميدانية، عبر إظهار تمنّع يبتغي منه تحقيق مكاسب أكثر. وهو أمر يصب في سياق الأنباء المتكررة عن عدم انفتاح نظام الأسد على تطبيع علاقاته مع تركيا، وذلك في محاولة لإعطاء الانطباع بأن الأسد هو من يمتلك قراره، وليست روسيا أو إيران، لكن المرجح هو أن جهات حليفة للنظام هي من تقف وراء التسريبات حول تمنّع الأسد، وذلك في إطار البروباغاندا الإعلامية الرامية إلى تلميع وتحسين صورته، والزعم بأنه ما يزال صاحب قرار.

نظام الأسد ينتظر نتائج الانتخابات العامة التركية المقبلة، معوّلاً على فوز المعارضة وخسارة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان

ويبدو أن موضوع اللقاء بين أردوغان والأسد بات محسوماً، بالنظر إلى مسار تغير الموقف التركي من القضية السورية منذ نهاية عام 2016، والتفاهمات والصفقات التي أبرمتها تركيا مع الروس والإيرانيين حول الأوضاع في سوريا. ويأتي في وقت تهدد فيه تركيا بشن عملية عسكرية برية على مناطق منبج وتل رفعت وعين العرب (كوباني)، في ظل ممانعة الطرفين الأميركي والروسي لأي تغيير في موازيين القوى وخرائط  السيطرة السائدة، الأمر الذي يفتح باب التجاذب بين الدول المتدخلة في الشأن السوري، لبناء تفاهمات جديدة، وتقديم تنازلات سياسية وميدانية، حيث تريد روسيا من تركيا تقديم تنازلات تتعلق بالموقف بالملف الأوكراني مقابل تقديمها تنازلات في الشمال السوري، بالتزامن مع المفاوضات التي يجريها مفاوضون روس مع قوات سوريا الديمقراطية، ويعرضون خلالها شروط تركيا مقابل عدم شنها عملية عسكرية، فيما تجري الإدارة الأميركية مفاوضات مع الطرف التركي، وتتحدث عن شروط تتعلق بتعاونه في مسألة تقليص نفوذ الميليشيات الإيرانية في شمالي سوريا، مقابل إعادة هيكلة قسد، وإبعاد أعضاء من حزب العمال الكردستاني، مقابل التراجع عن العملية البرية، وهو أمر كشف عنه أحد المسؤولين الأتراك، وأوضح أن بلاده أعطت مهلة لكل من الولايات المتحدة وروسيا لإخراج قسد من المناطق التي تسيطر عليها في منبج وتل رفعت وعين العرب، وأن العملية العسكرية البرية ستكون البديل في حال عدم الاستجابة والانسحاب.

ولا شك في أن نظام الأسد ينتظر نتائج الانتخابات العامة التركية المقبلة، معوّلاً على فوز المعارضة وخسارة حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، لذلك يحاول إظهار تمنّعه حيال التقارب التركي معه، فيما يريد أردوغان إشراك النظام في مسألة محاربة الكيان الكردي في الشمال السوري، والإسهام في إعادة ملايين السوريين، وهذان الأمران لا يمكن التعويل على نظام الأسد في إنجاز أي منهما، فضلاً عنه أنه لا يملك من أمره شيئاً، وبات مجرد نظام تابع وفاشل بكل المعايير.