سيزر السوري والقيصر الروسي

2019.12.20 | 15:11 دمشق

images_14.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الأسابيع الأخيرة عادية في أروقة الدبلوماسية الأميركية واللوبيات العاملة فيها، فقانون سيزر الذي أرفق بميزانية الدفاع، أصبح تقريباً واقعاً مفروضاً، ينتظر توقيع الرئيس، ولكنه بات الآن جزءاً من السياسات الدفاعية للولايات المتحدة الأميركية التي لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن بالفعل هنالك من يراقب سيزر السوري وهو يدخل بسرية كاملة ويخرج بهدوء كبير من دوائر القرار الأميركي.

يبدو أن هنالك صراعاً سيشتعل في أروقة البيت الأبيض والكونغرس ومجلس النواب الأمريكي قريباً، سيكون طرفاه سيزر ذي السترة الأيقونية الزرقاء ممثلاً عن ضحايا المقتلة السورية، والقيصر الروسي فلاديمير بوتين ممثلاً عن جوقة القتلة التي أبادت البلاد السورية.. بينما اللاعب بالبيضة والحجر سيكون دونالد ترمب، الذي ودونما شك سيوقع على قانون سيزر لشن موجة من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري وأركانه من رجال أعمال أوليغارشيين ومنتفعين من مجريات الحرب والمقتلة السورية، ولكن بعد عقود طويلة من مراقبة العقوبات الغربية على أنظمة من شاكلة النظام السوري، نكتشف أن أنظمة كهذه عادة لا تتأثر بأي شكل من أشكال العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة أو الغرب عموماً على منتهكي حقوق الإنسان ومجرمي الحرب، فالعقوبات على القذافي زادت من عنجهيته، و العقوبات على صدام زادته شعاراتية وتعنتاً، والعقوبات على الأسد الأب زادت أرشيف إذاعته بالأغاني الوطنية والأناشيد والخطب القومجية، ولم يتضرر

العقوبات التي من المفترض أن تمرر بمنعكس قانون سيزر الموافق عليه من مجلس النواب الأميركي، ستتخذ من حلفاء النظام هدفاً أساسياً وبالتحديد إيران وروسيا

فعلياً إلا الشعوب التي قضى منها من قضى، ومرض من مرض جراء النقص الحاد في الأدوية أو العمليات الطبية أو الأغذية الأساسية، جنباً إلى جنب مع القمع الذي لم يتوقف لا قبل العقوبات ولا بعدها.

لذلك فتلك العقوبات التي من المفترض أن تمرر بمنعكس قانون سيزر الموافق عليه من مجلس النواب الأميركي، ستتخذ من حلفاء النظام هدفاً أساسياً وبالتحديد إيران وروسيا، ولما كانت إيران غارقة في العقوبات التي وصلت حد منع تصدير السجاد والكافيار الإيراني، فإن الهدف الأساسي من العقوبات المزمع فرضها على المتعاونين مع النظام السوري ستستهدف روسيا والصين التي أنشأت علاقات فاقت مئات الملايين من الاستثمارات بينها وبين نظام الأسد، من تطوير موانئ وخطوط أنابيب للغاز وتنقيب عن النفط في المتوسط وغيرها من الاستثمارات بعيدة المدى التي يمني القيصر بوتين نفسه بها كتعويض على ما دفعه من ملايين لهدم المدن فوق رؤوس أصحابها، بينما تتجهز الشركات الصينية العابرة للقارات إلى ساعة البدء للانقضاض بملايين الأطنان الإسمنتية على سوريا المهدمة لإعادة إعمارها على الطريقة الصينية وبقروض ميسرة تكبل الأجيال القادمة لعشرات السنين القادمة.

لذلك من المتوقع أن يحصل صدام ما بين مشروع قانون سيزر وبين المتنفذين الروس حول عدم فرض العقوبات بالكامل على كل من يتعامل مالياً مع النظام السوري، وتحديد أسماء بعينها تستثنى من القرار، أو يتم عدم تفعيل العقوبات بالأساس في حال إجراء صفقة ما بين روسيا وإدارة ترمب تتعلق بالتطورات الأخيرة التي تجري في واشنطن، من إنجاز التصويت على القانون وصولاً إلى إنجاز التصويت على محاكمة الرئيس ترمب في مجلس النواب، ودور روسيا في كلا القضيتين جوهري من حيث وجود اسمها كمتورط في القضيتين، أو وجودها كوسيط لحل القضيتين عبر إجراء صفقة ما مع ترمب لحل سياسي للقضية السورية من جهة، أو الضغط بمعلومات خاصة حول التخابر مع أوكرانيا تتعلق بالدعم الروسي لترمب في حملته الانتخابية ..

من المرجح أن عملية التفاوض ستكون قاسية وحاسمة في الأسابيع الأخيرة من عام 2019، حيث سيكون موسم العطلات موسماً مناسباً لإجراء اتصالات وربما زيارات خاطفة بين الوسطاء بعيداً عن أعين الإعلام والكاميرات.

هنالك سيناريوهات عديدة منها عدم توقيع ترمب للقانون، أو انسحاب مفاجئ من سوريا

مهما كانت نتيجة المفاوضات والمقايضات الاستخباراتية، سيبقى سيزر الحقيقي صاحب السترة الزرقاء هو من واجه القيصر صاحب السترة الملطخة بالدماء الحمراء

ينجزه الأمريكان لصالح ترك منابع النفط والغاز السورية كجائزة ترضية وتعويض عن الخسائر المتوقعة من تطبيق قانون سيزر، وبالطبع ستكون الخريطة الأوكرانية مطروحةً على الطاولة أيضاً، حيث يتم القتال والتدافع حول شرق أوكرانيا.

ومهما كانت نتيجة المفاوضات والمقايضات الاستخباراتية، سيبقى سيزر الحقيقي صاحب السترة الزرقاء هو من واجه القيصر صاحب السترة الملطخة بالدماء الحمراء، وفرض عليه تغييراً في شروط وقوانين اللعبة في سوريا، تلك الملفات إن دلت على شيء فهي تدل على أن قوة رجل واحد يمتلك الحقيقة وبالدليل هي أهم وأقوى من طيران وبراميل كل جيوش الاحتلال في العالم، وعلى الرغم من أن الأميركان قد يستغلون ملفات سيزر من أجل سياساتهم الشخصية إلا أن الأساس الذي انطلقت منه التطورات هو مأساة شعب، نكل به بشكل علني و مباشر، وسط صمت دولي عام، حيث لا تفيد الصفقات والاتفاقيات بعد كل هذا الدم.