سوريا على الطريقة الشيشانية

2019.04.23 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"الشيشنة" كلمة منحوتة من اسم جمهورية الشيشان، التي احتلها الروس بعد أن دمروا عاصمتها غروزني تدميراً شاملًا، ثم عينوا حكومة تابعة للكرملين تبعية مطلقة.

في أيلول عام 2015 استغاث بشار أسد ببوتين، وأخبره أنه انهار تمامًا، فهب بوتين لنجدته وأرسل خلال ٤٨ ساعة ١٠٠ طائرة مقاتلة، وأمرها بشن ١٠٠٠ غارة يوميًا، ثم أتبعها بجسر جوي، ليصل عدد الطائرات إلى ٢٠٠ طائرة تشن ٢٠٠٠ غارة يوميًا على المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام.

بدأت غارات المقاتلات الروسية في حلب والساحل والغوطة، واستمرت أكثر من سنتين، كلفت روسيا ماديًا الشيء الكثير، وحققت عبر سياسة الأرض المحروقة غالب أهدافها من التدمير والتهجير القسري وجرائم الإبادة الجماعية.

ظن الدب الروسي أنه سيتمكن بنهاية الأمر، عبر طائراته، من فرض "الشيشنة" على سوريا المحتلة، لكنه تفاجأ أن حساب السرايا ليس كحساب الكرايا، لأن الفاتورة باهظة التكاليف، والقضية متعددة الأطراف، وأنه مهما فعل فلن تكون الكعكة السورية خالصة له، وأن عملية تدجين المعارضة أو مكاثرتها بالعملاء، لن تجدي نفعا.  

حاول "بوتين" منذ البداية ألا يصطدم مع أميركا، وانتظر فرصة وصول "ترمب" المتحالف

الطرح الجديد عبارة عن تقاطع مصالح مع الأطراف الدولية، التي رفضت التعامل مع نظام بشار في ظل سيطرة إيران

معه للرئاسة، ليأخذ الضوء الأخضر منه، كما جرى في لقائهما في شرق آسيا، ليأخذ ضوءًا أخضر بإبادة المناطق المحررة وقد تم ذلك.

ثم حاول التوافق على حل سياسي من خلال "أستانا" ليمرر دستورًا من صناعة المخابرات الروسية، ولم يفلح، ثم أراد تقويم الحل بلجنة دستورية غالب من فيها من الشبيحة والمطبلين ولم ينجح!

فما هو الطرح الجديد؟

هو عبارة عن تقاطع مصالح مع الأطراف الدولية، التي رفضت التعامل مع نظام بشار في ظل سيطرة إيران، بحيث يتم إغلاق الملف السياسي ودفع عجلة إعادة الإعمار، مقابل إبعاد رموز النظام وإخراج إيران من سوريا.

يبدو أن الأطراف (قد) توصلت إلى توافق ما، وعهد إلى روسيا عملية التنفيذ.

 لكن ما هي الاستراتيجية المتبعة؟

أولًا: البدء بالتخلص من النفوذ الإيراني عبر إنهاء وجود المليشيات الشيعية.

ثانيًا: حل أي تنظيم أو جماعة سورية تتبع أو توالي أو تُدعم من إيران.

ثالثًا: تقوم إسرائيل بقصف كل المواقع والقواعد العسكرية التابعة لإيران أو جامعاتها بالتنسيق الكامل مع روسيا ومع قاعدة حميميم.

رابعًا: يمنع على نظام الأسد أن يبدي أية مقاومة لهذا التدخل، وإلا سيتم سحقه.

خامسًا: سحب أية ورقة من يد بشار، وأهمها ورقة المساومة على الجولان، فقد تمّ بيعه سابقًا وقبض الثمن، لذلك سارع ترمب إلى إتمام فراغ البيع لإسرائيل، وألحقته روسيا برفات الجندي الإسرائيلي وبكوهين.

سادسًا: إعادة بناء النظام السوري أمنياً وعسكرياً بشكل جديد، لكن بهدوء وصمت، وإبعاد التغلغل الإيراني عن دوائر النظام، وقد قطعت روسيا شوطًا كبيرًا في ذلك.

 ومما يجري الآن، تحجيم الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد الموالي لإيران، وكذلك إعادة بناء فروع المخابرات، لاسيما المخابرات العسكرية وإبعاد كافة الضباط الموالين لإيران.  

سابعًا: تضييق الخناق والحصار على النظام من قبل روسيا وأميركا، ومنع إيران من إسعافه، لتأليب الحاضنة الموالية عليه، ليسهل بعد ذلك تمكين النظام الجديد واجتثاث القديم، ومن ذلك أزمات الكهرباء والغاز والمحروقات والخبز والقادم أكبر. 

ثامناً: محاربة أية فعالية اقتصادية لإيران وعملائها، عبر إلغاء العقود والامتيازات

تجري حركة دبلوماسية غير طبيعية الآن لإدارة هذا المشروع وتسويقه، وتعدُ روسيا من خلاله باستبدال النظام، وإبعاد إيران

التي حصلت عليها الشركات والشخصيات الإيرانية أو السورية الموالية لإيران، ومن ذلك سحب عقود بناء المنطقة الجنوبية الغربية من دمشق، من داريا وحتى كفرسوسة. 

تاسعًا: تأجيج الخلافات والصراعات داخل الطائفة الحاكمة، وما خروج القرداحة عن السيطرة إلا جزء من أحداث كثيرة وكبيرة تمت وستتم.

هذا جزء ظهر لنا من عملية بناء النظام "المشيشن" الجديد الذي تقوم به روسيا، بالتوافق مع الدول، حيث تجري حركة دبلوماسية غير طبيعية الآن لإدارة هذا المشروع وتسويقه، وتعدُ روسيا من خلاله باستبدال النظام، وإبعاد إيران، وليس غريبًا أن نرى ماهر الأسد مبعداً كما أُبعد عمه المجرم رفعت، ويكون "علي مملوك" نائبًا لبشار في الأيام القادمة.

 أما من هو قاديروف سوريا القادم، فالله أعلم، ربما سيكون مفاجأة للجميع.