icon
التغطية الحية

"زوجة  تنين أخضر" لـ روعة سنبل.. حكايات غرائبية لأفكار انتقائية

2021.05.31 | 10:01 دمشق

"زوجة  تنين أخضر" لـ روعة سنبل.. حكايات غرائبية لأفكار انتقائية
+A
حجم الخط
-A

من غلاف المجموعة وعنوانها، مروراً بالاستهلالات والعناوين الرئيسية والفرعية، تضع الكاتبة السورية روعة سنبل القارئ أمام فرز ألوانها. (زوجةُ تنّينٍ أخضر وحكاياتٌ ملوّنة أخرى) تستهلها بصيّاد أبيض يراقبنا وصيّاد أسود يطلق علينا. ولماذا ينبغي للألوان أن تمتلك قوّة بقائها في أرواحنا كأطياف؟

وفي المتاح المؤطر بالأسود بدايةً وبالأبيض نهاية، تتابع الكاتبة استخدام الألوان في تقطيع المجموعة إلى أجزاء.. أسود أحمر أخضر أزرق أبيض، يحتوي كل جزء على عدة قصص، يعتقد القارئ أن لتلك الألوان علاقة مباشرة معها  من حيث أفكارها أو تصنيفها أو فضاؤها العام. لكنه سيكتشف أن هذه الألوان قد ترتبط بكلمة أو بشيء أو بكائن ما: قطة حالكة السواد، تنين أخضر، دلو أبيض، سحر أزرق. أو بعنوان ما كـ طمث أخضر، لكنه سيجد أن هذا التقسيم اللوني لا يمنح للسرديات المندرجة تحته أي خصوصية أو أي بناء، فثمة حكايات تجمعها أجواء متشابهة أو تتطرق لمواضيع متقاربة موجودة تحت ألوان متباينة، والقاسم المشترك الأهم هو البحث عن أفكار جديدة غريبة عجيبة، تتوسل الواقع أحياناً، وتشطح في عالم الأساطير والحكايات الشعبية والشخصيات الكرتونية أحياناً أخرى.

خيال تجريبي

ولا يتوقف الخيال التجريبي أو التجريب الخيالي، على التقسيم اللوني للمجموعة، بل يمنح لسردياتها أفكاراً انتقائية بإبداعية غرائبية تستنطق بها الكاتبة الأشياء والكائنات بأجواء جديدة على عالم البوح والتداعي، متكئة على الحكايات الشعبية والأساطير، مستحضرة شخصيات مثل علاء الدين والتنين والسلاحف وأرنب أليس في بلاد العجائب والسيدة ملعقة.

وبلغتها الرشيقة المطاوعة لخيالها تطرح افكاراً ترتقي بالحكاية وللحكاية أحياناً، وأحياناً تكون مجرد أفكار انتقائية جديدة وحسب. وقد تكون الفكرة أحياناً ضمن بناء قصصي يحاول تكامل مكوناته بزمن محدد وبأحداث مكثفة وحبكة تترك للقارئ أسئلة مفتوحة ودلالات ذات مغزى إنساني مثل قصة "جدائل". لكن في معظم الأحيان تموج هذه السرديات بين الحكاية والقصة، وكأن روعة سنبل تعيد من جديد السؤال القديم: ما الفرق بين الحكاية والقصة؟

في حكاية "زوجة تنين أخضر" التي تشكل معها المجموعة تناصاً لعنوانها، تستحضر الكاتبة، تنيناً أخضر بثلاثة رؤوس، وتطير زوجته في أجواء حكائية ممتعة وغريبة، وبتفاصيل وصور تجعل الخيال واقعاً والوهم حقيقة. فقبل أن يغادر البيت يبتسم لها بفم، ويقبل بآخر شفتها بقبلة دافئة، وبالرأس الثالث يهمس بأذنها "سأفتقدك" ولأن الله لايستجيب أحياناً لدعاء الزوجات تفتقده، ويكون زوجها الجديد فارساً شجاعاً صياداً ماهراً "للتنين"، ويحب مثل زوجها الأول الملوخية الخضراء، ولكن مع قلب تنين متبل بالثوم والكزبرة الخضراء الطازجة.

إن استحضار الكاتبة  للحكايات والأساطير، وبحثها عن أفكار جديدة وغريبة، يكون غالباً على حساب الجنس الأدبي للقصة القصيرة، فبعدم الالتفات للبناء المتماسك، المحكم بمشهدية المكان وتكثيف الأحداث بزمن محدد، يصير النص أقرب الى سردية ذهنية منه إلى القصة التي لها مكوناتها وزمنها الحاسم في تفرقتها عن باقي الأجناس الأدبية وخاصة الرواية.

وقد يكون لهذه الحكايات مغزى واضح، أو انتقاد لظاهرة ما، أو  كشف عن دواخل شخصية ما، أو عقد مقارنات جريئة لتباينات الجندرية في مجتمعاتنا، كما في حكاية "علاء الدين وامرأة تحلم" التي تطالب بها أن تنام في الحلم مع علاء الدين و"تستحلم" كما يفعل الرجال "..حتى أنتنّ الزوجات تلتقطن بصمت الثياب الداخلية المبللة الملقاة في الحمام، وتضعنها مع الغسيل".

لا تأخذ الحكايةُ الكاتبة َ إلى تاريخها، بل هي التي تستحضر الحكاية حتى إلى زمن "السوشال ميديا"، وهي التي تأخذ من الحكاية أجواءها ولغتها لتصنع حكاياتها الغرائبية الجديدة، كما في "فيسبوك الموتى" التي تذهب فيها، من خلال قراءة النعوات ومتابعة أخبار الفيسبوك، إلى عالم الموتى، وتفترض بما يشبه اليقين أن الموتى يتصفحون الفيسبوك لكنهم محرمون من التعليق أو وضع الإعجابات. وفي أفكارها عن استمرار الروح وزوال الجسد، يبقى هو كما هو في حكاية "هوهو" وتتحول هي إلى وردة تنام على صدره وتستمتع بلمساته وتغار من حبيبته التي تحب غمازته حين يضحك، وتقرر أنها في المرة الثانية ستتحول إلى نحلة تلدغه منها.

يكتنف المجموعة كثير من الأفكار الغريبة، كامرأة تتحول إلى شجرة وأخرى إلى وردة، وآخر ينتفخ كرشه فيطير، وشاعر يتحول إلى "سلحف"، وزوجة إلى عروسة بحر. ومع أن الأفكار بشكل عام غريبة ولطيفة ومسلية ومفيدة، إلا أن ثمة أفكار مرعبة "كرجل بلا رأس، وامرأة بلا قلب" التي تشارك فيها "الساردة" القارئ بشاعة مشاهدها: "تمسك القلب بكفيها، تنهشه بأسنانها، وتمضغ جيداً ببطء.. تدعوني لأشاركها وجبتها، فأعتذر وآثار التقزز بادية على وجهي".

اللغة ومستوياتها

الكاتبة روعة سنبل، بخيالها الخصب ولغتها البليغة الرشيقة، تخرج من الحكاية متى تشاء وتدخل متى تشاء، وتحاور شخوصها وتختلف وتتفق معها، وتستنطق أي شيء أو أي كائن، ويصير جزءاً من الحكاية. وكل ذلك يحدث بعفوية وسلاسة، وتحاول أن تربط علائق نصوصها بفضاءات معينة "مطبخ البيت"، أو بتكرار فعل معين "غلي القهوة" أو "رائحة الهيل"، أو "رتم معين" أو حوار متسلسل، لكنها تظل أقرب الى الحكاية، أبعد عن "فعل" الكتابة،  فدائماً هي التي تحكي حتى لو بدّلت الروي بجميع الضمائر، فلا تباين أبداً في المستويات اللغوية بين علاء الدين والتنين، ولا بين الطفل الرضيع والشجرة، كما في "طمث أخضر" وفي "بعيداً عن هذه البلد"، وفي "ياجدي". ولا حتى في القصة الأولى "بهدوء خلف قطته" التي تحاول أن تمنح للولد لغته الخاصة من خلال لدغه بحرف الراء.

مع كل ذلك تتصاعد اللغة أحياناً مع الحدث، وتولّد برشاقتها وكثافته وتناغمها مع باقي علائق النص، إيقاعاً سريعاً مشوقاً للوصول إلى الخاتمة، التي تكون في معظم نصوص المجموعة موحية وموفقة.

في حكاية "عن امرأة تبكي" تساهم اللغة في تتابع الحكاية عبر عنونة فقراتها: "محاولة أولى: امرأة ترتبك"، و"محاولة ثانية: امرأة تبتسم". وهكذا وصولاً إلى محاولة أخيرة "امرأة تغرق". ولا يتوقف دور اللغة على العنونة، بل تتصاعد مع حركات الساحر والساحرة وخفة الحركات ونجاح الخدعة (وابرا كادابر.. بجناحين .. بلا ذراعين.. بثلاثة نهود.. بخف سحري.. بوجه بلا ملامح).

اللغة في قصة "جدائل"  تواكب الفكرة الغريبة التي يتم الوصول إليها في بناء لافت ومتماسك، وفضاء محدد وزمن مكثف. وعبر حوار يأتي من امرأة ثانية ويتصاعد مع علائق النص، وتقترب ويقترب معها وصولاً إلى حبل الانتحار، وهذه الجمل التي تبدو متكررة، هي الاندماج التدريجي للمرأة مع ذاتها، هي السلالم التي تصعد بها القصة إلى نهايتها.. "همست لي المرأة الباهتة، المصابة بمتلازمة صنع الجدائل.. همست لي المرأة مطمئنة الملامح، المصابة بمتلازمة صنع الجدائل.. همست لي المرأة التي لها رائحة الأمهات، المصابة بمتلازمة صنع الجدائل". وهكذا إلى المرأة التي "زارتني" ومن ثم التي "تسكن معي"، ومن ثم التي في داخلي: "قصت جديلتي وشبكتها مع جدائل أخرى وهمست لي: حين لايمكننا النجاة، نبحث عن الخلاص.. ونخرج إلى الشرفة، وأصعد على كرسي وتلف الجدائل على عنقي.. تحضنني وهي تبكي، وتهمس بصوت حالك كالليل حولنا: (الجدائل خلاص) ومن ثم تركل الكرسي بقدمها وهي تضحك".

استحضار الحرب

سنبل لا تكتب من الحرب أو عنها، بل تقوم باستحضارها للمشاركة في أحداث قصة من قصصها، ويتم ذلك بوضوح في قسم "أسود" لكنها موجودة في أقسام أخرى.

في القصة الأولى "بهدوء خلف قطته" تشتغل الكاتبة على فكرة أن الحرب جعلت البعض يأكلون قططهم. إن هذا الحدث "الجلل" قد يحدث في أجواء مرعبة، في حصار مطبق على الناس بشدة، في أجواء شارف فيها الناس على الموت جوعاً.. وليس مع ولد يلعب بالكرات الزجاجية مع الأطفال.. يركب عصاه كحصان.. يضيع عن البيت وقطته تكون دليله. إن هذا التشتت في أجواء طبيعية، وبحكاية ثانية "ضياع الطفل" داخل الحكاية الأولى والزمن المتهلل بتداعيات إضافية أضعف الحبكة الرئيسية وهي "أكل القطة"، رغم وجود إشارات للجوع لكنها لم تكن كافية، وما استحضار الحرب بأصواتها البعيدة إلا لتكمل الفكرة الذهنية للحكاية.

وفي "حكاية رجل سعيد" تكون الفكرة الرئيسية للقصة هي سعي آذن مدرسة لشراء الحشيش ليحقق سعادته، وفي زمن الحرب يضحك عليه أحد الأساتذة، ويكتب له رسالة لبريد وهمي يطلب فيها الحشيش ليس لكونه خروفاً بل هو إنسان يريد تعاطي الحشيش. في هذه الأجواء الغرائبية والفكرة الأكثر غرابة، تنتهي القصة باستدعاء قذيفة من الحرب تدمر بيت الآذن وتقتل من فيه، لكنه يشاهد بين الركام شريطاً من الدواء "الحشيش" يلتهمه مع رغيف الخبز، ويصير سعيداً حد البلاهة.

وإن كانت الكاتبة قد عنونت القسم الخاص بالحرب باللون الأسود، فإنها تستحضر الحرب في أقسام تحت ألوان أخرى، ففي قسم أزرق حكاية "فيسبوك للموتى" تستعيد كثيرا من تداعيات الحرب وأحداثها، أكان بقراءة نعوات من ماتوا بسبب الحرب، أو متابعتها عبر النت أخبار اللاجئين والمخطوفين والمعتقلين.. الخ.

وفي قسم أبيض تتحدث قصة "ملح وماء" عن الحرب من خلال غرق زوج امرأة في البحر أثناء طريقه للجوء وموت طفلتها. فتتحول إلى عروسة بحر: "وعندما يهدأ كل شيء لا أهدأ أنا، أوثّق وجوه الموتى بصور كي لا تضيع ملامحها.. أجلب الجثث إلى القاع وأحفر لها القبور كي لا تصير طعاماً للأسماك.. أصلي لسلام أرواحها، وأغرس فوقها شهادات رخامية تحمل أرقاماً ..".

روعة سنبل في سطور

سورية الجنسية، من مواليد عام 1979، تحمل إجازة في الصيدلة والكيمياء الصيدلية من جامعة دمشق.

• تكتب القصة القصيرة للكبار والأطفال، بالإضافة إلى الرواية والمسرحية.

تنشر مقالات ونصوصاً في عدد من الصحف والدوريات العربية.

• الأعمال الأدبية:

مجموعة قصصية بعنوان "صياد الألسنة"، من مطبوعات دائرة

الثقافة والإعلام في الشارقة عام 2017، والمجموعة حائزة على

المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها العشرين.

نص مسرحي بعنوان "أعشاش"، قيد الطباعة في دائرة الثقافـة

والإعلام في الفجيرة، وهو واحد من خمسة نصوص في القائمة

القصيرة لجائزة راشد بن حمد الشرقي في دورتها الأولى، عن فئة

المسرح عام 2019.

رواية للفتيان بعنوان "الشمس وظلها الأزرق"، وهي "مخطوط" جاهز للطباعة.

كلمات مفتاحية