رقصة التانغو بين بايدن وإيران.. ليبقى الشرق الأوسط ساحة مضطربة

2024.02.23 | 06:59 دمشق

آخر تحديث: 23.02.2024 | 06:59 دمشق

رقصة التانغو لبايدن مع إيران.. ليبقى الشرق الأوسط ساحة مضطربة
+A
حجم الخط
-A

يبدو المشهد الإقليمي بعد الضَّبط الأميركي له عقب الضربات العسكرية في سوريا والعراق، والتي طالت قواعد عسكرية لفصائل موالية لإيران في تلك البلدان، قد أعاد وجدَّد وأطلق وكالة طهران في المنطقة، من خلال تفاهمات على دور إقليمي لها، يُعاد فيه رسم خريطة الشرق الأوسط من منظار التفاهم الأميركي_الإيراني، بحسب مصادر ديبلوماسية عربية وأوروبية، ومن خلال المقاربة للأحداث الجارية وتطوراتها على أكثر من صعيد، خصوصاً في غزة والعِناد الإسرائيلي بضرورة إخراج الفلسطينيين من رفح، كورقة مساومة قوية باتت تمتلكها تل أبيب في وجه مصر والعرب ومحور المقاومة، وفي حين أن كلّ المِلفّات تبدو منضبطة وفق الخطّة المطلوبة، وحدها سوريا تبدو ساحةً للبَلبلة ومحاولات خلق اجتهادات خاصة، وهو ما يقتضي التدقيق والبحث الجدي في مصير مستقبل هذه الدولة وشعبها المعذب..

هي تطورات تصبغ المرحلة التي تمرُّ بها المنطقة، ما بين القلق الإسرائيلي، وعسكرة متزايدة للبحر الأحمر، وتعليق الفصائل المسلحة في العراق لعملياتها على القوات الأميركية، وضبط حدود الاشتباك بين حزب الله في جنوب لبنان مع إسرائيل، والاستمرار بالسير على هذا المنوال، فيما يدفع الشعب الفلسطيني الأثمان الكبرى من قتل وتنكيل وتهجير ومسْح للقضية، والاكتفاء بمناظرات في محكمة العدل الدولية لمداخلات 52 دولة، لا تُلزم إسرائيل بأية قرارات، حتى لو تمَّت إدانتها في توثيق كامل وشامل وناجز، والمرافق له الفيتو الأميركي الجاهز عند كل مفصل وطريق، وعليه تبدو الصفقة بين إيران وأميركا جاهزة، بانتظار نضوج عواملها ومقبوليتها الشعبية، لتصبح طهران الوكيلة الشرعية والحصرية لسياسات واشنطن وبسط نفوذها في المنطقة، رغم الحديث المُعلن لكن غير الموثَّق لدبلوماسيين غربيين، بأن طهران اليوم تلملم خسائرها وتحدُّ من انهياراتها.

بناء عليه، تلقَّت المنطقة حركتين منسَّقتين عبر هجوم عسكري أميركي، واستيعاب دبلوماسي وسياسي سعودي، وهو ما جعل إيران في مأزق لتعمِّم على أذرعها في المنطقة بضرورة التحلِّي مجدداً بالصبر الاستراتيجي، وكذلك كان مضمون زيارة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت.

الطرف الغربي أصبح هو من يفرض الحصار، وهو من يستغلّ إعلام الحوثي بالشكل المعاكس، فالحصار حالياً صار أميركياً إسرائيلياً ولم يَعُد من قِبل الحوثي

فالتطورات المخفية تأخذ أبعاداً عسكرية منظمة في تبادل واضح للأدوار في البحر الأحمر، ‏ في حين بدأت الموجة الثانية من الصراع على المضائق وصارت استهدافات الحوثيين تضرُّ بالصين أولاً ومصر من بعدها، ولذلك ضغطت بكين في مجلس الأمن، وصولاً إلى تصدّرها المسوّقين للقرار الأممي بصدّ ضربات الحوثيين، في حين مصر تردّ بالضغط على حماس للتوصّل إلى تسوية. وبحسب مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت، فإن التقديرات تؤكد بأن البحر الأحمر يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى سلاح في المعركة ضدّ إيران نفسها، لتوصف بأنها صارت أشبه بمؤامرة من خلال بعض الأحداث ومفبركة من قبل أميركا وإسرائيل، إذ إنّ معظم السفن المستهدفة بعد سلسلة الضربات الأميركية للحوثيين، هي صينية أو روسية أو من دول أخرى قريبة من طهران، ومنها ما يحمل موادّ مستوردة إلى إيران، أو مصدّرة من روسيا… أي إنّ الطرف الغربي أصبح هو من يفرض الحصار، وهو من يستغلّ إعلام الحوثي بالشكل المعاكس، فالحصار حالياً صار أميركياً إسرائيلياً ولم يَعُد من قِبل الحوثي.

أما في سوريا، فإنَّ أموراً كثيرة وخطيرة تحصل وتتطوّر، عبر استعراض الوقائع المسجّلة والموثّقة وبعد سلسلة القصف الإسرائيلي شبه اليومي، والمرافقة لاغتيالات مسؤولين عسكريين وأمنيّين إيرانيين فيها، اتهمت جهات رسمية إيرانية الروس والسوريين بتسريب معلوماتٍ ساعدت على هذه الاستهدافات، لكنّ المفاجأة كانت باعتقال النظام السوري قيادياً في الميليشيات الإيرانية ومعه 56 من عناصره، وكذلك اعتقال العشرات من عناصر مسلّحين موالين للميليشيات الإيرانية، بتهمة إعطاء معلومات وإحداثيات للضربات الجوّية الأميركية، التي استهدفت عشرات المواقع للميليشيات الإيرانية في دير الزور وريفها. فهذا حكماً يؤشر إلى أمر أو أزمة عميقة تحصل بين النظامين والجيشين القائمين على أرض واحدة.

كل ذلك حصل خلال زيارات وفود سعودية عدّة إلى سوريا بلا مراسم إعلامية، تزامن ذلك مع انسحاب إيراني جزئي من بعض المواقع في سوريا، ورفض النظام السوري اقتراحاً إيرانياً بحلول عناصر من حزب الله مكان المنسحبين، هذا إضافة إلى معلومات عن انتشار وحدات من الفرقة الرابعة لتحلَّ محلّ المنسحبين الإيرانيين، وفي نقاط تمهّد للإمساك بالحدود بين سوريا ولبنان، تلاه انفتاح سعودي على دمشق في مِلف الحج وإعادة تنشيط التنسيق الأمني السعودي معها تحت الطاولة، عبر تسلم وفد الرياض لائحة من الأشخاص المطلوبين في ملفّات تهريب الكبتاغون، في حين كانت وتيرة كشف السعودية لعمليات التهريب ترتفع، وبات النظام السوري بين فكي كماشة عربية ودولية، وسط تأزُّم مكشوف مع روسيا وايران، بعد تركهما النظام فريسة سهلة، أمام الضربات الإسرائيلية المستمرة كقاعدة اشتباك صار الانفكاك عنها صعباً بين الطرفين.

في العراق، تراجعت حكومة بغداد حليفة إيران، وانسحب وكلاؤها كلّياً من المشهد السياسي، بعد تصفية واشنطن لأبرز مسؤول عراقي تابع لإيران، وهو أبو باقر الساعدي، حيث عجز مجلس النواب عن إكمال نصابه القانوني لمناقشة انسحاب القوات الأميركية من العراق، وهو ما يعني بأنّ رفض إملاءات أذرع إيران هناك، بات يتخطّى السُّنّة والكرد العراقيين، ليبلغ شيعة العراق المحسوبين على إيران نفسها، وهو حكماً من نتائج الهجوم الأميركي، فصار الحديث عن بدء التحضيرات للانتخابات العراقية في الخريف المقبل، وإمكان عودة الرئيس السابق مصطفى الكاظمي بالتحالف مع الزعيم السنّي محمد الحلبوسي، في ظلّ تنسيق حتمي مع أربيل ومقتدى الصدر، وهو يبدو أنه نتاج الحركة السعودية الاستيعابية لهذه التطورات.

أما البحر الأحمر، فهو يتحوّل إلى سلاحٍ في المعركة ضدّ إيران، من دون أن تتوقف الضربات الغربية على اليمن والحوثي، وكلّ ما يحصل في الشرق الأوسط حالياً، من حرب تدميرية_تهجيرية في غزة، إلى خفايا وأسرار ما يدور في دمشق، عبر استقبالها وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، هو نتاج منطق واحد ومدخل واحد، متعلِّق بإنجاز الاتفاق الأميركي الإيراني، على الرغم من تدفّق الأساطيل باتجاه البحر الأحمر، لذا فإنّ واشنطن وحلفاءها يتجنّبون الاعتراف بأنّ الأزمة سببها صراع اليمن، وغياب الدولة لإنهاء العَبَث. وفي حين طهران توحي بقدرتها على التحكّم بالممرّات المائية، تعسكرت منطقة البحر الأحمر وباتت تجوب داخلها الأساطيل الدولية، في وقت ترفض فيه الدول المطلّة على البحر الانخراط في أيّ من التحالفات الدولية المقترحة لحماية الملاحة والدفاع عن سلاسل التوريد. فهذه العسكرة تبدو طويلة الأمد، إذ بدأت دول المنطقة تحمّل جماعة الحوثي وإيران من خلفها مسؤولية التلاعب بمصالحها أوّلاً، وخصوصاً قناة السويس في مصر، وتحويل البحر الآمن إلى فضاء عسكري مزنَّر بالنار، ليكون عرضة للتدخل الدولي الواسع، الذي قد يصبح طويل الأمد ونهائياً.

خلال هذه الفترة وحتى الانتخابات الرئاسية في أميركا، المطلوب من طهران المشاركة في رقصة التانغو العسكرية لإعادة انتخاب بايدن، والقبول بضرباتٍ محدودة ومضبوطة، لإعطائه صورة الرجل القويّ

وعليه، تبدو إيران قد نجحت في تأكيد إطلالتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وهو ما سبق أن لوّحت به ممّا يمكن أن تطلقه من أخطار على الممرّات المائية في الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي، واليمنيون ودول المنطقة اليوم، يشتبهون بتواطؤ غربي مع إيران، يمنع بشكل ملتبس فتح ملفّ اليمن، فكل ما يحصل كان لتمهيد الأرض قبل أن تنجح واشنطن في إنجاز تسوية عربية إسرائيلية، بشراكة خليجية وسعودية، بعنوان "المسار لإنشاء دولة فلسطينية"، للبدء بمشروع تنموي اقتصادي شامل.

وباختصار، تحجز واشنطن لنفسها الموقع سلفاً، في أية تسوية في الشرق الأوسط قبل الدخول الروسي الى حلبة التنافس، واستدعاء الفصائل الفلسطينية الى موسكو للتشاور، فهي أقامت حزاماً عسكرياً بحرياً، من بحر العرب إلى المتوسط، تعاونها طهران في ضبط المشهد الإقليمي ومنع انفلاته، مع إعطاء الأفضلية الاقتصادية للرياض في استكمال مشروعها بشروط التطبيع، وكل ما عدا ذلك، تتكفَّل إيران في ضبطه تحت بطانتها الداخلية، فخلال هذه الفترة وحتى الانتخابات الرئاسة في أميركا، المطلوب من طهران المشاركة في رقصة التانغو العسكرية لإعادة انتخاب بايدن، والقبول بضرباتٍ محدودة ومضبوطة، لإعطائه صورة الرجل القويّ، بدَل مجيء ترامب القريب من الكرملين والمعادي للصين وإيران، وذلك يتطلب ضبطاً لحسابات دقيقة في موازين القوى الدولية.. فهذا هو جوهر اللُّعبة في الوقت الراهن، وهذا ما يفسّر الكثير من ألغاز التطوّرات والتباساتها.