رسالة غير شخصية إلى حزب البديل.. هل مات فكر هتلر؟

2024.03.06 | 07:07 دمشق

رسالة غير شخصية إلى حزب البديل.. هل مات فكر هتلر؟
+A
حجم الخط
-A

مثل عدة مئات من آلاف اللاجئين وصلتُ ألمانيا في شهر تشرين الأول عام 2015 وصادف أن يوم وصولي كان الثالث من الشهر، عيد الوحدة، أي عيد توحيد ألمانيا الغربية مع الشرقية.

منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، أنام مطمئناً، ليس فقط لأني أعيش في بلد فيه دستور وقوانين تحمي الناس، إنما أيضاً لأن الوعي العام عند الناس هنا تشكّل من مفاهيم إنسانية أهمها، مساعدة الآخرين.

تعلمتُ هنا اللغة وأعمل، أي أنّي من دافعي الضرائب ومن البشر المحيطين بي تعلمتُ كيف يمكن أن أدافع عن حقي عبر الصوت الهادئ، لا عبر الصراخ، عبر الأدلة، لا عبر عشوائية التوتر.

ولأنّ السياسة تدخل في كل تفاصيل حياتنا، فإنّي أتابع كل الأخبار والأحداث هنا، وأعرف أن حزب البديل ومعه النازيين الجدد يركزون في خطابهم السياسي على التقاط كل أخطاء وأغلاط المهاجرين، وكلما ارتكب لاجئ من أصل سوري أو غير سوري، جريمة أعرف أن شعبية حزب البديل سترتفع في اليوم التالي، لأنّ منصاتهم الإعلامية عبر السوشيال ميديا وغيرها تنشر مباشرة هذه الأحداث وتحرّض عبر خطاب الكراهية ضد المهاجرين.

ولأني مثل غيري أؤمن بالقانون والعدالة كنتُ أفضح ومازلتُ كل الممارسات الخاطئة التي يقع فيها اللاجئون، وأشجع الملتزمين بالقوانين، وهم الأكثرية على العيش بسلام، وأنه على كل مهاجر، العمل وتعلم اللغة واحترام القانون. لأن ألمانيا بلد علماني ديمقراطي يؤمن بالحريات ودستوره يحمي الجميع.

مازال هناك قسم من الشعب الألماني يؤمن بهذه الإيديولوجية العنصرية، وأعرف أنّ بينهم من يعتقد أنه يمكنه ترحيل عشرين مليون إنسان من أصول مهاجرة من هذه الأرض

حزب البديل وعن قصد تام لا ينشرون أي أخطاء أو جرائم أو فضائح للألمان أنفسهم، لأنهم يؤمنون بالإيديولوجية النازية التي تعتقد أنّ الأسرة الألمانية يجب أن تتكون من امرأة شقراء طويلة، عيناها زرقاوان أو خضراوان، ومن أب طويل، جسمه رياضي ووسيم، وعلى المرأة أن تنجب والرجل عليه العمل. ويجب أن تكون كامل الأسرة خالية من الأمراض. نعم هكذا تماماً كان هتلر يتصور شكل الأسرة الألمانية.

للأسف نقولها صراحة مازال هناك قسم من الشعب الألماني يؤمن بهذه الإيديولوجية العنصرية، وأعرف أنّ بينهم من يعتقد أنه يمكنه ترحيل عشرين مليون إنسان من أصول مهاجرة من هذه الأرض، ولكن كان الردّ الإنساني الألماني ومنذ عدة أشهر قد بدأ من خلال التظاهرات خاصة بعد انكشاف وتسريب قصة ذلك الاجتماع السري وقراراته الخطيرة، لأعضاء من حزب البديل والنازيين الجدد مع عدة أفراد من المعارضة الألمانية الذي جرى نهاية العام الماضي في بوتسدام. حتى تاريخه وصل عدد المتظاهرين في عموم المظاهرات إلى أكثر من 2 مليون متظاهر.

كنتُ أحد هؤلاء المتظاهرين ومنذ أيام خرجنا في المدينة التي أسكن فيها وكان عددنا أكثر من 600 إنسان، رافقتني خلال ذهابي للمظاهرة جدّة ألمانية عمرها 80 عاماً حملت لافتة تقول وأنا ابنة الثمانين عاماً ضدّ النازية.

ردّد جميع المتظاهرين وبصوت واحد، "كلنا وبصوت واحد ضد الفاشية"، و"لن نسمح مرة ثانية بعودة النازية"، "ما حدث لن يتكرر".

أسألكم مباشرة أيها النازيون الجدد: هل تريدون لفكر هتلر وهلوساته العودة للحياة من جديد؟ وهل تعتقدون أننا سنسمح لكم بذلك؟ أنتم ترغبون بحكم ديكتاتوري يشبه حكم بوتين، بوتين الذي يغزو أوكرانيا منذ أكثر من عامين وبسببه وصل لأوروبا عدة ملايين من اللاجئين الأوكرانيين. أو لعلكم ترغبون بحكم ديكتاتوري على شاكلة حكم بشار الأسد الذي قتل واعتقل أكثر من مليون إنسان وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري. ويريد أن تكون سوريا للموالاة فقط.

وربما تتوهمون أنكم ستحصلون على أغلبية في البرلمان الألماني تمكّنكم من تغيير القوانين لصالحكم، كما فعل يوماً ما هتلر.

سأخبركم بأمر تعرفونه جيداً، تقول الفقرة الأولى من المادة الثامنة من الدستور الألماني إنه: "يحق لكل الألمان التجمع بشكل سلمي وبلا سلاح، دون الحاجة إلى إبلاغ السلطات المختصة مسبقاً بذلك، أو الحصول على تصريح به".

عبر الدستور ومن خلال مظلته القانونية وإذا شعر غالبية الناس بالخطر الجدّي من النازيين الجدد، يمكن للملايين من الألمان أن تحتل الشوارع بشكل سلمي وتبقى في حالة تظاهر حتى تسقط أي حالة أو احتمالية تشكيل حكم نازي جديد في ألمانيا! هل وصلت الرسالة؟

قال لي صديق ألماني، إذا أردنا تطبيق سياسة حزب البديل وقمنا بترحيل ملايين المهاجرين فهذا يعني أولاً وقبل كل شيء تعطيل النظام الصحّي الألماني بشكل كامل

ثم هل تعتقدون أنه يمكن لألمانيا أن تنفصل عن الاتحاد الأوروبي وتعيش مستقلة كما فعلت بريطانيا؟ وهل تعتقدون أن عقارب الساعة يمكن أن تعود للوراء؟ في زمن العولمة الجميع بحاجة الجميع، وهناك مثل في الاقتصاد يقول "الناس خدم الناس". أي أن المجتمعات البشرية تحتاج لخدمات كل المهن والأعمال! فالهاتف المحمول الآن يتم تصنيع مواده وأجزائه في عدة دول ويجري تركيب قطعه هذه في دولة أخرى.

قال لي صديق ألماني، إذا أردنا تطبيق سياسة حزب البديل وقمنا بترحيل ملايين المهاجرين فهذا يعني أولاً وقبل كل شيء تعطيل النظام الصحّي الألماني بشكل كامل، لأنّ المشافي تعتمد على وجود آلاف الأطباء والممرضين من أصول مهاجرة ومنهم السوريون والروس والمغاربة وغيرهم وبدأ بسرد أمثلة مدح فيها الأطباء الروس والسوريين في المشافي.

أم لعلكم تريدون ربما عن غير قصد، وربما بقصد، جرّ ألمانيا لحرب أهلية عبر خطابكم السياسي العنصري هذا؟

بالتأكيد هناك أخطاء ارتكبها مئات المهاجرين، ولكن علينا أن نعمل بالقانون لتعليم هؤلاء وربما محاسبتهم في حال ارتكبوا ما يستحق المحاسبة، وبالتأكيد كل من يرتكب جريمة أو مخالفة هنا يجب أن يحاسب عبر المحاكم وعلى العدالة أن تأخذ مجراها، فقد وصل ألمانيا وحدها في عام 2015 نحو 700 ألف لاجئ من سوريا، وهذا العدد يعني مجتمعاً بكامله، ومثل كل مجتمعات الأرض بين هؤلاء سفلة وكسالى ومجرمون، وربما مشاريع مجرمين، لكن أيضاً بينهم أغلبية تريد العيش والعمل ودفع الضرائب، وبسلام مع الجميع.

حين استأجرت بيتي هنا زرعتُ في حديقته عدة أشجار ونظفت المكان من الأوساخ، وعلى جدار أحد غرفه علقتُ بالألمانية والعربية أهم فقرات الدستور الألماني.

ومثل ملايين غيري من البشر أريد متابعة حياتي الطبيعية عبر العمل ودفع الضرائب والالتزام بكل القوانين وأريد أن أمضي شيخوختي هنا.

ومثل غيري أريد مزيدا من الحريات والديمقراطية لي ولكل الناس. فهتلر النازي مات.