رحلة السيادة الوطنية السورية من المحافظة 35 إلى الجمهورية 25

2023.03.22 | 06:35 دمشق

رحلة السيادة الوطنية السورية من المحافظة 35 إلى الجمهورية 25
+A
حجم الخط
-A

قبل عشر سنوات أطلق "مهدي طائب"، وهو رجل دين بارز مقرب من مرشد الجمهورية الإسلامية "خامنئي"، تصريحاً صادماً عندما قال بأن سوريا تعتبر المحافظة الـ35 من المحافظات الإيرانية، ويومها فسّر "طائب" لماذا تعتبر سوريا أهم في نظره من محافظة الأهواز، التي تحتوي على 90% من الاحتياط النفطي الإيراني، بأن إيران لو فقدت "الأهواز"  واحتفظت بسوريا، فبإمكانها أن تستعيدها، لكنها لو خسرت سوريا، فلن تستطيع أن تحتفظ بطهران، أما اليوم فقد تم اقتياد بشار الأسد  وبصفته "رئيساً" لسوريا إلى موسكو ليعلن بنفسه أن سوريا هي الجمهورية 25 ضمن الاتحاد الروسي، مثلها مثل الشيشان والقرم ودونيتسك ولوغانسك، وأنه مثل "قاديروف" جندي في خدمة القيصر بوتين، هكذا.. وبكل صفاقة، وخيانة واستسهال يقدم بشار الأسد سوريا لكل من يبقيه على كرسي سلطتها، وكأنها بكل ما فيها من بشر، وحجر، وتاريخ، وثقافة قطعة من أملاكه الخاصة.

في الحوار الذي أجرته معه وكالة "سبوتنيك" الروسية قبل عدة أيام، صرح بشار الأسد بأن الزيارة الأخيرة له إلى روسيا لم تكن كسابقاتها، وربما هي من المرات النادرة التي يصدق بها في حديث له، فهذه الزيارة تختلف فعلاً عن كل سابقاتها، سواء تلك التي قام بها قبل انفجار الثورة السورية، أو التي جاءت بعدها، ففي هذه الزيارة تجاهل بشار الأسد كل الاعتبارات الشكلية التي تتطلبها سيادة أي دولة، أو تتطلبها كرامة الدول وشعوبها وتاريخها، وتجاوز كل الإخراج الإعلامي المزيف الذي يخفي حقيقة ما يجري، وقالها بكل وضوح بأن سوريا بكل ما فيها، سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً و..و.. أصبحت اليوم تحت الإدارة الروسية.

راح بشار الأسد الذي ظهر تابعاً بائساً، وهزيلا أمام صحفي من وكالة "سبوتنيك"، يؤكّد ولاءه التام لبوتين

وهو عندما قال بأن اللقاءات السابقة لم تكن بمستوى الطموحات، فقد كان يقصد أن الروس لم يكونوا يريدون الوصول إلى إعلان تبعية سوريا الكاملة لهم، بكل هذه الفجاجة، والصفاقة والعلنية، لكنهم وبسبب تطورات الحرب الأوكرانية، واحتمالاتها التي تنفتح على مواجهة شاملة، متعددة الساحات، فقد قرروا أن يعلنوا ذلك، وأن يصبح بشار الأسد "قاديروف سوريا"، وأن تصبح سوريا إقليماً يتبع للاتحاد الروسي.

الآن وبعد هذه الزيارة أصبحت سوريا بشكل كامل مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وضد من يدعم أوكرانيا، ولهذا راح بشار الأسد الذي ظهر تابعاً بائساً، وهزيلا أمام صحفي من وكالة "سبوتنيك"، يؤكّد ولاءه التام لبوتين، وكلّما كان يحاول أن يستر قليلاً من عريّه، كان الصحفي يحشره، ويرغمه على الإدلاء العلني أمام العالم كله، بالتزاماته وتبعيته.

بالتأكيد، لم تكن سوريا حاضرة في عقل وتفكير بشار الأسد كدولة ذات سيادة، ولم تكن حاضرة كدولة لها سياستها الخارجية المستقلة، والتي لها مصالحها، وأولوياتها وخطوطها الحمراء، كانت تماماً مجرد كرسي سلطة يريد الاحتفاظ بها، وبوتين هو من يقرر إبقاءه على هذا الكرسي، أما مقابل ماذا؟.. فهذا ما لا يهتم، ولا يهم، ولا يعني مهووساً مثل بشار الأسد.

كان مطلوباً من بشار الأسد أن يعلن عن قبوله بتحويل سوريا كلّها إلى خط مواجهة في حرب الروس مع الناتو، وأن يتحدث عن وجود عسكري لا ينبغي أن يكون مؤقتاً، بل يجب أن يتحول إلى وجود دائم، وفق ما تحتاجه حرب روسيا، وليس في قواعد محددة.

وكان مطلوباً منه أيضاً، أن يعلن عداء سوريا للغرب ولأميركا، وأن يردد مقولات روسيا حول القطبية العالمية وهزيمة أميركا الحتمية، وتحولها من قطب وحيد في العالم إلى دولة محاصرة، ومعزولة بحكمة السيد بوتين وقيادته الحكيمة.

وكان مطلوباً منه أن يفتح سوريا أمام الشركات الروسية والاستثمارات الروسية، وأن تصبح روسيا هي المالك الفعلي لاقتصاد سوريا، تخطط له، وتستثمر فيه كما تشاء.

وكان مطلوباً منه أن يقول إن السوريين سيذهبون بحماس للقتال مع الروس، وأنهم بحماس يريدون أن يكونوا وقوداً في حروب روسيا، وأنهم يذهبون لخوض تلك الحروب لأنهم يردّون الدين لروسيا التي حمته.

وكان مطلوباً منه أن يشبّه سوريا بإقليم الدونباس الأوكراني، وأن يتفوق على روسيا ذاتها، بأنه سبقها بالاعتراف بتابعيته لروسيا.

كان مطلوبا أن يتهم أميركا والغرب بأنهم هم من يدربون الإرهابيين في سوريا، وأنه وشبيحته وما تبقى من جيشه، وفاغنر، وحسينيون، وفاطمون، وزينبيون حمائم وأبطال ويقاتلون الإرهاب.

كان مطلوباً منه أن يغلق الباب أمام تقارب سوري تركي، وأن يرفض اللقاء مع تركيا، إلا إذا انسحبت من سوريا، ليس لأنه حريص على الأرض السورية، ولا على سيادة سوريا كما يحاول الظهور، بل لأن روسيا تريد ذلك، لكنها لا تستطيع طلبه من تركيا، فهي تحتاجها جداً في حربها مع الغرب، باختصار كل ما تحتاجه روسيا من سوريا في حربها المشتعلة مع الغرب، أقرّه بشار الأسد علناً.

لكن السؤال الذي لا يريد بشار الأسد طرحه، ولا يجرؤ على الحديث عنه، وهو ماذا يمكن أن تفعل روسيا لسوريا وللشعب السوري، وهي في وضعها الراهن؟

قدمت جمعيات وأهالي بضع قرى من منطقة القلمون السورية في كارثة الزلزال للسوريين المتضررين ضعف ما قدمت روسيا، ومع هذا صادر بشار الأسد و"جمعية العرين للنهب الأسدي (جعنا)" مساعدات أهالي منطقة القلمون كغيرها من المساعدات، وبصفاقة بالغة، أعلن بشار الأسد أن من أهم أهداف زيارته هو شكر روسيا على مساعدتها البالغة 25 طناً للسوريين المنكوبين، وتصدرت وسائل الإعلام السورية صوراً ومقاطع فيديو لبضعة جنود روس، يقفون بجانب بناء منهار، يحملون أدوات بسيطة (معول ورفش) ويمثلون أنهم  يعملون، لقد كانت الصور من البلاهة والاستخفاف، بحيث أنها لم تفكر حتى بإخراج مقبول لهذه الكذبة السمجة.. ببساطة كانوا يحفرون بجانب البناء المهدّم، وليس فوق أنقاضه.

وضع بشار الأسد سوريا كخط مواجهة لروسيا مع الغرب، وأباح سوريا للروس وقدم كل إمكانات سوريا، ورهن مصيرها، من أجل هدف وحيد: هو بقاؤه في كرسي السلطة

ما خطّطت له القيادة الروسية في هذه الزيارة، وما أرادت أن يعلن بشار الأسد موافقته عليه علانية، وأن يوقع عليه لصالح روسيا، تطلّب منها أن تعطي لقدومه طابعاً رسمياً، فقد قدم بطائرة خاصة، واستقبله حرس الشرف، وعومل بروتوكولياً كما يجب، ولولا ذلك لتم جلبه تماماً كما جلب في المرات السابقة، سراً، وبلا أي إجراءات بروتوكولية، ولتم الإعلان عن الزيارة بعد أن يكون بشار قد شُحن مرة أخرى، عائداً إلى دمشق.

نعم، لقد وضع بشار الأسد سوريا كخط مواجهة لروسيا مع الغرب، وأباح سوريا للروس وقدم كل إمكانات سوريا، ورهن مصيرها، من أجل هدف وحيد: هو بقاؤه في كرسي السلطة.

"بشاروف" سوريا، و"قاديروف" الشيشان.. وجهان لخيانة واحدة.