icon
التغطية الحية

داخل الغابات أو في عرض البحر.. هكذا تبحث عن مفقود على طريق الهجرة إلى أوروبا

2024.02.17 | 13:31 دمشق

البرلمان الأوروبي يصدق على تعديل سياسات اللجوء
أكثر الأماكن التي يفُقد فيها المهاجرون هي غابات بلغاريا ونهر إيفروس على الحدود التركية اليونانية والحدود البلاروسية البولندية - AP
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

نسمع أو نقرأ بشكل شبه يومي عن أخبار فقدان سوريين على طريق الهجرة إلى أوروبا، ليبدأ ذويهم رحلة البحث عنهم على أمل العثور عليهم، وهم يعلمون ضمنياً أنهم كمن يبحث عن إبرة داخل كومة قش، فكثير من المهاجرين فُقدوا داخل الغابات أو في عرض البحر، ولم يتمكن ذويهم من معرفة مصيرهم، أو حتى استلام جثثهم.

يسلك المهاجرون طرقاً مختلفة للوصول إلى أوروبا، فكل مهرّب يقنعهم بطريق معين وبأنه الأسهل، لكن سرعان ما يكتشف المهاجرون أنهم يسلكون طريقاً صعباً جداً، فبعضهم يعجز عن متابعة المسير من شدة التعب والجوع وربما يموت لاحقاً وسط الغابات، وآخرون يموتون غرقاً في البحار والأنهار، بينما يقع البعض في قبضة حرس الحدود.

من أكثر الأماكن التي يفُقد فيها المهاجرون هي غابات بلغاريا، كونها ذات مساحات شاسعة وطبيعة جغرافية وعرة، وكذلك نهر إيفروس على الحدود التركية اليونانية، الذي غرق فيه الآلاف، كما تعتبر الحدود البلاروسية البولندية من الأماكن الشائعة أيضاً التي يُفقد فيها مهاجرون، كون المناخ فيها بارد جداً.

رحلة البحث عن المفقودين تبدأ بعد انقطاع الاتصال معهم، فيبدأ ذويهم بالسؤال عن طريقة لمعرفة مصير من فقدوه، وهل هو حيّ أو متوفى.

خيط أمل وحيد

أولى الخطوات التي تقوم بها معظم العائلات بعد فقدان شخص لديهم على طريق الهجرة، هي كتابة منشور على مواقع التواصل الاجتماعي للإبلاغ عنه، كونها الملاذ الوحيد بالنسبة لهم، ولاسيما العائلات التي تعيش في سوريا أو تركيا، ويتعذر عليها دخول حدود الاتحاد الأوروبي للبحث عن المفقود.

وانتشرت الكثير من الصفحات والمجموعات على منصات التواصل الاجتماعي، مخصصة للإبلاغ عن المفقودين على طريق الهجرة، حيث ينشر الأهالي اسم المفقود بالكامل مع صورته، وتاريخ ومكان فقدانه، على أمل أن يستطيع أحد الذهاب للبحث عنه، أو يكون لديه أي معلومة عن مصيره أو مكان فقدانه.

رغم مضي أكثر من عام على فقدانه، إلا أن حسن حميداني مازال متمسكاً بأمل التوصل لمعلومات عن أخيه الذي فقده على الحدود التركية البلغارية؟

يقول حميداني، وهو لاجئ سوري مقيم في إسطنبول لموقع "تلفزيون سوريا"، "آخر مرة تواصلنا مع أخي كانت في كانون الأول 2022، وقال لنا حينها إنه سيسلّم نفسه للشرطة البلغارية، ومنذ ذلك الوقت لم نعرف عنه شيئا، علماً أننا بحثنا عنه كثيراً في المشافي والمخافر ضمن تركيا ولم نعثر عليه".

ويوضح حميداني أن "فيس بوك أصبح خيط الأمل الوحيد بالنسبة لنا لمعرفة مصير أخي، فلا نستطيع الدخول إلى بلغاريا للبحث عنه في الغابات، ولا نملك المال لتوكيل محام في أوروبا، أو أي وسيلة أخرى".

"الإنقاذ الموحد"

بالنسبة لحميداني يعتبر كتابة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي خيط الأمل الوحيد، لكن ذلك ليس طريقة مجدية في أغلب الأحيان، وهناك طرق أخرى أكثر فاعلية وقد تعطي نتيجة، ومنها الاستعانة بمجموعة "الإنقاذ الموحد"، التي لعبت دوراً هاماً في مساعدة الأهالي في البحث عن أبنائهم المفقودين.

وفي حديث مع موقع "تلفزيون سوريا"، قال مدير المجموعة، إيهاب الراوي، إنه "نتلقى عادةً بلاغات من ذوي المفقودين عبر معرفاتنا على منصات التواصل الاجتماعي، حينها نطلب منهم معلومات مفصلة عن المفقود مع صورة له ومكان وتاريخ فقدانه، ومن ثم نرسل تلك المعلومات إلى فريق تطوعي متعاون معنا، يضم أشخاصاً أوروبيين متطوعين ومتخصصين في عمليات البحث".

ويضيف الراوي إن الفريق التطوعي يقوم بإبلاغ شرطة الحدود أو الطوارئ للقيام بالبحث، مشيراً إلى أن الأخيرة "تدّعي غالباً أنها ذهبت للبحث في الغابات ولم تجد أحداً، حينها يقوم المتطوعون المتعاونون معنا بعملية البحث، بعد إخطار الجهات المسؤولة بذلك".

وفي حال عثر الفريق التطوعي على جثة المفقود، أو وجده حيّاً، يتصل بالشرطة والإسعاف للحضور إلى المكان، لإسعاف المفقود فوراً أو نقل جثته للمستشفى.

وعلى غرار مجموعة "الإنقاذ الموحد"، يمكن لذوي المفقودين التواصل مع منظمة الصليب الأحمر، لكن الاستجابة بطيئة جداً.

وأكدت معظم المصادر التي تواصل معها موقع "تلفزيون سوريا" أن الصليب الأحمر يتقاعس عن عمليات البحث عن المفقودين على طريق الهجرة.

المحامون والمنظمات الإنسانية

في حالات فقدان المهاجرين على الحدود التركية، يستطيع ذوو المفقود توكيل محام للبحث عنه، إلا أن ذلك مكلف مالياً، ويتعين على الأهل اختيار محامٍ موثوق كي لا يقعوا في فخ الاحتيال.

كما يمكن التواصل مع مجموعات الإنقاذ والمنظمات الإنسانية المعنية بالمهاجرين في تركيا، ولكل منظمة أو فريق منهم لديها معلومات عن منطقة معينة، ويفضل أن يتواصل أهالي المفقودين مع أكثر من منظمة لتوسيع نطاق البحث.

وذكر كثير من أهالي المهاجرين السوريين الذين فُقد التواصل معهم أنهم اكتشفوا أن أبناءهم موقوفون لدى الشرطة التركية، فحين يتم القبض على المهاجر من قبل حرس الحدود البلغاري أو اليوناني، يتم تسليمه فوراً للسلطات التركية "الجندرما"، التي تحتجز المهاجرين في مخيم يبعد نحو 70 كيلومتراً عن مدينة أدرنة، وتختلف مدة السجن حسب أعداد الموقوفين، لكن تتراوح بين عشرة أيام إلى الشهر وأحياناً تستمر لشهرين.

أما إذا كان المهاجر الذي قبضت عليه السلطات البلغارية أو اليونانية بحالة صحية سيئة، تقوم بنقله أولاً إلى أحد المستشفيات لتلقي العلاج، ثم تسلّمه بعدها لحرس الحدود التركي، حيث يتم سجنه.

وبعد تسليمهم للسلطات التركية، وإذا كان الموقوف يحمل بطاقة الحماية المؤقتة "الكمليك" يُطلق سراحه كي يعود إلى ولايته، أما إذا كان لا يحمل أوراقا ثبوتية يُرحّل إلى سوريا، وفي بعض الحالات يتم التوقيف لفترة أطول قد تصل لستة شهور.

ضحايا الاحتيال

في جانب آخر، يستغل بعض ضعاف النفوس حاجة الأهالي لمعرفة مصير أولادهم المفقودين على طريق الهجرة، ويقومون بالاحتيال عليهم، حيث يدّعون معرفتهم بمكان المفقود، ويطلبون أموالا من الأهل مقابل إعلامهم بمكان وجود ابنهم أو مصيره.

عادل حيدر حراق، لاجئ سوري في تركيا كان يحاول الوصول لأوروبا، لكن ذويه فقدوا التواصل معه خلال عبوره نهر إيفروس على الحدود مع اليونان، لتقوم والدته بكتابة منشور على "فيس بوك"، تطلب فيه المساعدة في الكشف عن مصير ابنها المفقود.

تقول أم عادل لموقع "تلفزيون سوريا" إن "أحد الأشخاص تواصل معي عبر الماسنجر، وقال لي إن شقيقه موقوف مع ابني في سجن لاريسا باليونان، وبأنه سيذهب إلى هناك وسيزور ابني في السجن، ويجعله يتكلم معي من هاتفه".

وادّعى المتصل أنه يريد تقديم خدمة إنسانية فقط، وبأنه لا يحتاج سوى 150 يورو أجور مواصلات.

تشير أم عادل إلى أنها "شعرت أن الشاب صادق فعلاً ويريد مساعدتي في العثور على ابني المفقود، حيث كان يتحدث معي بطريقة عاطفية جداً، لذا قمت بتحويل المبلغ له عبر حسابي البنكي، ليقوم بعد ذلك بحظري على الماسنجر، فعلمت حينها أنه شخص محتال".

الحصول على الجثمان مهمة معقدة

تلقى بعض الأهالي أنباء عن وفاة أبنائهم المفقودين على طريق الهجرة، وكانت المشكلة الأكبر في الحصول على الجثمان، ولاسيما بالنسبة للمقيمين في تركيا أو سوريا.

يقول مدير مجموعة "الإنقاذ الموحد" إن "كل دولة لها طريقة مختلفة في التعامل مع جثث المهاجرين، ففي بلغاريا على سبيل المثال، تقوم الشرطة بجلب الجثة التي عثرت عليها في الغابة وتحتفظ بها ضمن مستشفى Lozenetz لعدة أيام، وفي حال لم يأتِ أحد للتعرّف عليها واستلامها، تعيد الشرطة الجثة إلى المكان الذي تم العثور عليها فيه وتدفنها هناك".

ويستطيع أي شخص لديه مفقود في غابات بلغاريا ومضى على اختفائه أكثر من 10 أيام، التواصل مع المستشفى المذكور للتأكد إذا كانت جثة المفقود موجودة داخل المستشفى أم لا، وذلك عبر الاتصال مع رقم الطوارئ الخاص بالمستشفى 0035929607682.

أما في اليونان، فيتم الاحتفاظ بالجثة مع أخذ عينات وصور لها، وفي حال يريد شخص ما البحث عن الجثة، يتم اطلاعه على صور جثث المفقودين، وإذا لم يتعرّف عليها، يتوجب عمل فحص "DNA"، حيث يتم الاحتفاظ بالعينات ضمن مركز رئيسي في أثينا.

وفي حال التعرف على الجثة والتأكد منها، يواجه أغلب الأهالي معضلة استلام الجثامين من اليونان أو بلغاريا، ولاسيما ممن يقيمون خارج دول الإتحاد الأوروبي.

وأشار مدير مجموعة "الإنقاذ الموحد" إلى أنه "يجب توكيل محام لاستلام الجثمان نيابة عن الأهل وإرساله إليهم"، موضحاً أن ذلك يُكلّف مبالغ مالية ضخمة، حيث تتراوح تكلفة نقل الجثمان فقط بين 2-5 آلاف يورو، بالإضافة إلى أجور المحامي، ما يضطر أغلب الأهالي للقبول بدفن أبنائهم في أوروبا بعيداً عن بلده.