icon
التغطية الحية

خطوات مفاجئة للحكومة الألمانية تثير قلق اللاجئين السوريين

2018.09.06 | 19:09 دمشق

لاجئون سوريون في ألمانيا (إنترنت)
ألمانيا - حسام يوسف - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

كان كل شيء غاية في الإثارة، والشعور بأنني أقترب من حياة جديدة لطالما بحثت عنها، ولكن اليوم وبعد ثلاث سنوات ونيف بدأت أقتنع بأن كل شيء بات موجهاً ضدي، كل شيء يقف في وجه استقراري وطموحاتي.

هكذا اختار الشاب أحمد المعراوي "29 عاماً" أن يبدأ سرد قصة لجوئه إلى ألمانيا، والتي كانت آخر فصولها تلقيه بريداً من المحكمة الاتحادية يدعوه إلى ما يعرف بـ "جلسة إعادة استماع" لتقييم أقواله، على الرغم من مضي 3 أعوام كاملة على منحه صفة اللجوء على الأراضي الألمانية، بعد تقديمه مجموعة من الوثائق التي تثبت جنسيته السورية.

وأضاف المعراوي لموقع "قناة سوريا" "خلال سنواتي الثلاث هنا تعرضت تجربتي لمواقف مختلفة ومتنوعة منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، أما اليوم فإنني أشعر بوجود استهداف مباشر لحق اللاجئين بالإقامة وفقاً للقوانين الألمانية، لاسيما مع صعود التيار المعادي للجوء والذي بدأ يركز عبر بعض وسائل الإعلام على الأمور الإشكالية في أوساط اللاجئين، والجرائم التي ارتكبها بعضهم وصولاً إلى حادثة كمنيس الأخيرة والي أعتقد أنها كانت بفعل فاعل".

خطوة مفاجئة والتوتر سيد للموقف

المعراوي لم يكن الوحيد الذي تلقى دعوة لإعادة جلسات الاستماع، وإنما أشار في معرض حديثه إلى وجود الكثير من أصدقائه ممن تلقوا دعوات مشابهة، لافتاً إلى أنه إجراءٌ عام طال ألاف السوريين الموجودين في ألمانيا، ما أدى إلى حالة من التوتر والقلق سادت في أوساط اللاجئين عموماً على حد وصفه، مشيراً في الوقت ذاته أنه حتى من لم يتلقَ مثل هذه الدعوى يعيش  القلق ذاته لاسيما في ظل تنامي المخاوف من عمليات الترحيل وما يتردد في وسائل الإعلام عن اتفاقات واجتماعات لإعادة اللاجئين.

كلام المعراوي وجد صداه في حديث الشابة نوال حلاق "27 عاماً"، والتي عبرت عن حالة التوتر والقلق التي تنتابها منذ سماعها بشروع الحكومة الألمانية بإعادة جلسات الاستماع للاجئين السوريين، وقالت "أنا متزوجة هنا في ألمانيا ورزقت مؤخراً بمولودتي الأولى، وزوجي لديه عمل، أي أننا بدأنا نؤسس لحياتنا في هذه البلاد، كيف لا أقلق على كل ما أنجزته خلال السنوات الثلاث الماضية عندما أشعر بأن حقي في اللجوء قد يكون مهدداً حتى ولو بنسب ضئيلة؟!".

وأشارت حلاق إلى أن عملية تأسيس الحياة في ألمانيا ليست بالمهمة السهلة بدءاً من تعلم اللغة، والاندماج في المجتمع وتعلم ثقافته وقوانينه، لافتة إلى أن كل مطلبها هو الشعور بالاستقرار، ومن الطبيعي على حد وصفها أن تؤثر مثل هذه الإجراءات على استقرار اللاجئين وتركيزهم على بناء حياتهم، خاصة وأنها تأتي بعد أن خطا عدد كبير منهم خطوات جدية نحو مستقبله في هذه البلاد.

من جهته وصف يزن العلي "34 عاما" هذه الخطوة بالمفاجئة على اعتبار أن اللاجئ قد خضع من قبل لاستجواب من دائرة الهجرة والآن يجب عليه أن يخضع مرة أخرى، وبالتالي فإن القلق والتوتر من هذا الإجراء نتيجة منطقية ومن الممكن أن يؤثر على اندفاع اللاجئ باتجاه الاندماج لكونه يعطيه شعوراً بعدم الأمان.

كما ربط العلي بين تشديد قوانين اللجوء عموما وبين حالة عدم الارتياح في الشارع الألماني تجاه موجة اللجوء غير المرحب بها، متوقعا صدور قرارات أخرى بين الحين والآخر في هذا السياق.

إنجازات قد لا تكتمل وكابوس العودة إلى الصفر

حالة التوتر والقلق بحسب ما قاله الشاب حازم أحمد "32 عام" لم ترتبط فقط بالإجراء المذكور، وإنما كانت نتيجة سلسلة من القرارات والإجراءات السابقة لا سيما خلال العام الفائت، بدءاً من إلزام من حصل على حق الحماية المؤقتة بتصديق جواز سفره في السفارة السورية في برلين، وتشديد قوانين اللجوء خصوصاً الحصول على الإقامة الدائمة، وبعض القوانين الأخرى المتعلقة بحياة اللاجئين اليومية.

وأضاف أحمد: "في هذا الوضع أفقد التركيز بشكلٍ كامل، وأخشى في لحظة أن يذهب جهدي سدى، فأنا اليوم وبعد ثلاث سنوات أنهيت دورات اللغة وشرعت في مجال التدريب المهني، وأتساءل كيف يمكن أن يضيع كل هذا، وأجد نفسي بعد 32 عاما مضطراً للعودة إلى نقطة الصفر؟"، لافتاً في الوقت ذاته أنه مازال يشعر بأن كل شيء ضده ويمنعه من التطور بشكل أكبر، لاسيما مع تشديد قوانين اللجوء بالإضافة إلى حصر خياراته بما يراه "الجوب سنتر" وليس بما يطمح له هو.

في الوقت ذاته، أبدى أحمد عدم معارضته لإجراءات الحكومة ككل، بل إنه يدعم أي إجراء يساهم في الفصل بين من يستحق اللجوء ومن لا يستحقه لاسيما بالنسبة لمن ذهب عدة مرات لزيارة سوريا على الرغم من منحه صفة اللجوء، ولكن على ألا تستهدف تلك الإجراءات اللاجئين عموماً وأن يدفع البعض ثمن استهتار وكذب البعض الآخر.

بين ألمانيا وأوروبا، هم أين ونحن أين؟

حالة السوريين النفسية في ألمانيا لم تنحصر في إطار القلق وإنما امتدت إلى الحسرة أيضا، فبحسب ما قاله أحمد فإن شريحة واسعة من اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وهولندا والسويد، بدأوا بالحصول على جنسيات تلك الدول في انخراط تام بمجتمعاتها أو على الأقل مزايا اللجوء المتقدمة مثل الإقامات الدائمة، في الوقت الذي ما زال  فيه اللاجئون في ألمانيا يعيشون ضمن قوقعة ودائرة جلسات الاستماع، وكورسات اللغة، والأوقات الضائعة في أمور لا طائل منها كـ "الماسنامة" والبراكتيكم، وبوستات الجوب سنتر.

في السياق ذاته قال عبد الرحمن "لاجئ سوري في ألمانيا 35 عاما": مجموعة كبيرة من أقاربي في السويد وفرنسا حصلوا اليوم على الجنسية، بعضهم حصل على اللجوء قبل أقل من عامين فقط، فيما أنا اليوم أتم عامي الرابع تقريبا وما أزال أراوح مكاني نتيجة بعض الإجراءات التي تعيدنا إلى الخلف بدلاً من مساعدتنا على المضي أكثر نحو المستقبل، نعم هو شيء مؤسف".

وأضاف عبد الرحمن: "لست ضد أن تسعى الحكومة الألمانية للتحقق من هوية من يدخل أراضيها ويقيم فيها، ولكن أن يكون ذلك ضمن آلية لا تدفع باللاجئ للعيش في دوامة الخوف والقلق المستمر من الترحيل إلى بلد مدمر ليس فيه أي فرص في الحياة، خاصة أن النظام في سوريا ما يزال موجوداً بقوته المخابراتية التي لم تخفِ نواياها تجاه اللاجئين، وبالتالي القلق ليس فقط على مستقبلنا وإنما على حياتنا بشكل كامل".

بين السلبي والإيجابي

بما أن كثيراً من الأمور تحكم بشكل نسبي، كان للسيدة سلوى الملا المقيمة في ألمانيا وجهة نظر مختلفة بعض الشيء عن غيرها من السوريين، معتبرة أن الإجراءات الحكومية الألمانية عموماً ومن بينها إعادة جلسات الاستماع للاجئين تحمل في ثناياها بعض الجوانب الإيجابية لا سيما فيما إذا كان الهدف منها التأكد من مدى أحقية اللاجئ بالحصول على اللجوء والاستفادة من مزاياه، مضيفةً: "الكثير من الجنسيات الأخرى غير السورية زورت أوراقا وتقدمت بطلبات لجوء على أنها عائلات سورية وحصلت على اللجوء واعتبرت هذه الخطوة فرصة للحصول على المال والامتيازات الأخرى باسم السوريين دون وجه حق".

وعلى الرغم من نظرتها الإيجابية تلك إلى أن الملا لم تخف خوفها على مستقبل ابنها فيما لو كان الهدف من تلك الإجراءات هو التمهيد لترحيل السوريين حتى ولو على المدى البعيد، مضيفة: "ابني يدرس اليوم في الصف الخامس رغم أنه في سن الصف السابع، فقد خسر عامين أثناء تعلمه للغة، أخشى أنه في حال الترحيل أن يفقد المزيد من الأعوام ويخسر مستقبله كاملا، كونه سيجد نفسه مضطراً للبدء من جديد".

بالقانون كل شيء جائز والحكومة جدية في عملها

بين كل هذه الآراء والمواقف للسوريين، برز الرأي القانوني الذي بينه المحامي والمستشار القانوني باسم سالم "إجراء الحكومة الألمانية قانوني مئة بالمئة، وإمكانية الترحيل في العموم واردة جداً لا سيما وأن الكثير من اللاجئين في ألمانيا سواء من الأفغان والعراقيين وغيرهم خلال السنوات الماضية"، لافتاً إلى أن وجود رغبة لدى شريك الحكومة "الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري" بإعادة اللاجئين، من خلال عمليات تقييم مستمرة للأوضاع في سوريا.

ولفت سالم إلى أن الحكومة الألمانية تجري تقييماً سنوياً عبر وزارة الخارجية للأوضاع في سوريا عموما، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تقرير 2018 أوضح استحالة عودة اللاجئين، مضيفاً: "حتى مؤشرات التقرير السنوي لعام 2019 تستبعد تماماً إمكانية إعادة اللاجئين خاصة في ظل تصريحات المسؤولين الأوروبيين الذين اعتبروا إعادة اللاجئين في الوقت الحالي ضرباً من الخيال".

وأوضح سالم أن الحكومة الألمانية جدية فعلياً في دراسة الأوضاع التي تسمح بإعادة اللاجئين إلى سوريا، بفعل ما قام به شريحة من اللاجئين، كبعض الجرائم والمشكلات، بالإضافة لاكتشاف الحكومة الألمانية للكثير من الوثائق المزورة، رابطاً في الوقت ذاته إجراءات الحكومة الألمانية باكتشافها قيام الكثير من السوريين بزيارة سوريا بالرغم من حصولهم على حق اللجوء، وثبوت تضارب في أقوال الكثير من الأشخاص حول أسباب تقديمهم للجوء أمام المؤسسات الألمانية.

وأضاف سالم: "بالنسبة لمن تلقى هذه الدعوات أنصحه من الناحية القانونية بعدم الذهاب طالما أنها دعوات طوعية وليست إلزامية"، مشيراً في الوقت ذاته أن لا داعي للقلق بالنسبة لمن أدلى بمعلومات حقيقية في جلسة الاستماع السابقة، موضحاً أيضاً أن المسألة نسبية وتختلف من ملف لملف.

وزيادة في الطمأنة، كشف سالم عن وجود ثغرة في القانون الألماني تمنع ترحيل أي شخص مقيم في ألمانيا مدة خمس سنوات مع حصوله على عمل، بالإضافة إلى اجتهاد المحكمة الأوروبية الذي يمنع ترحيل أي شخص إلى بلاده ما لم تكون آمنة مئة بالمئة، موضحاً أن سحب اللجوء أيا كان نوعه أو الحماية لا يتم إلى في حال تلاشي سبب اللجوء أو ثبوت وجود معلومات مغلوطة في أقوال طالب اللجوء.