خطر التنظيمات الإرهابية في ظل انشغال العالم بحرب أوكرانيا

2022.03.31 | 06:33 دمشق

dashjpg-1643315052-0.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ خسارة تنظيم الدولة آخر بقعة أرض من معقله الأخير في بلدة الباغوز السورية واعتقال معظم قادته ومقاتليه في سوريا والعراق، ظهرت ملامح الضعف عليه وبدأ يتشتت في مناطق متفرقة، مما حتم على الخليفة المزعوم الالتجاء إلى حلفاء قدماء حتى وإن اختلف معهم مؤخراً تنظيمياً وعقائدياً. قطعاً بعد الضربات القاصمة التي تلقاها التنظيم لن يستطيع قادته الهروب والتخفي من دون مساعدة تنظيمات أخرى مستقرة نسبيا كجند الله وحراس الدين، وهذا ما يفسر فرار واختباء خليفتي التنظيم في مناطق جغرافية متداخلة النفوذ مع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، التقارب أو التنافر بين التنظيمات مؤسس على عقائد وشروحات لمسائل معينة، بالرغم من ذلك كثيرا ما تحكم الظروف على هذه العلاقات.

وبالرجوع إلى الأزمة العقائدية والفكرية لتنظيم الدولة عام ٢٠١٥ نجد خلافا عميقا بين التيارين (البنعليين) نسبة إلى الشيخ تركي بن علي و(الحازميين) نسبة الى الأمير أبو أحمد الحازمي والتي استمرت أكثر من سنة، إلى أن حسمها خليفة (داعش) أبو بكر البغدادي لمصلحة تيار (البنعليين) حيث أفتى بقتل وعزل أمراء من جماعة تيار الحازمي هذا القرار والذي سماه بعضهم بانقلاب غير متوقع، أدى إلى انشقاق في صفوف تنظيم الدولة وإعلان تنظيم (جند الله) الذي تمركز في جبال اللاذقية وعلى حدود إدلب، اليوم يُعتبر (جند الله) من أكثر التنظيمات الإرهابية تشددا إذ يعتمد مبدأ ((من لم يُكفر الكافر فهو كافر)).

أصبح مصير جماعة جند الله مع بقايا داعش والقاعدة مشتركا في ظل استهداف طائرات التحالف لقاداتهم، وحملات اعتقالات ومضايقات الجولاني لعناصرهم ومقاتليهم

من جانبٍ آخر رغم الأزمة المعروفة بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة التي أدت إلى اقتتال وتكفير فيما بينهما، لجأ البغدادي إلى مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام حليف الأمس والمنشق عن تنظيم القاعدة بدوره والفرع السوري المسمى بحراس الدين، والذي يتمركز فيه قاداتهم وربما هم الذين أمنوا الطريق والمخبأ للبغدادي، من هنا تتضح العلاقات اللوجستية الجديدة بين داعش وحراس الدين كونهما الأضعف مقارنة بهيئة تحرير الشام التي يقودها الجولاني، هنا أصبح مصير جماعة جند الله مع بقايا داعش والقاعدة مشتركا في ظل استهداف طائرات التحالف لقاداتهم، وحملات اعتقالات و مضايقات الجولاني لعناصرهم ومقاتليهم، إلى أن وصلت آخرها لمقتل زعيم تنظيم الدولة أبو إبراهيم قرداش في بلدة أطمة بريف إدلب بعد عملية الهجوم الأخير على سجن الصناعة في منطقة غويران في الحسكة والتي أدت إلى هروب أكثر من ٣٠٠ قائد ومقاتل خبيرين في القتال والتخطيط والتي قيّمَت داعشياً بأنها عملية ناجحة وإيجابية بالمقارنة مع خسارتهم بعض المقاتلين، وأظهرت بعض التسجيلات الصوتية لمقاتلين منهم على قنوات تيلغرام أنه لولا ضربات طائرات التحالف الدولي لوصلوا إلى مخيم الهول وأطلقوا سراح عوائلهم ومقاتليهم هناك وسيطروا على جزء من "أراضي الدولة" ومن هذا المنطلق لا يمكن استبعاد تعاون وتنسيق الجماعات الثلاث (داعش - حراس الدين - جند الله ) في قادم الأيام من مبدأ العدو المشترك كما حصل لعدة مرات بين إيران والقاعدة في أفغانستان، والقيام بعمليات مشتركة مشابهة لعملية سجن الصناعة في الحسكة.

لا أستبعد هنا أن يتكرر المشهد مرة أخرى ربما هذه المرة على أهداف متباعدة جغرافيا ولكن في التوقيت نفسه على سبيل المثال مخيم الهول في الحسكة وسجن دركوش وسجن البادية في إدلب وسجن التاجي في العراق، وخاصة هذه التنظيمات لها تجارب مشابهة في سجن أبو غريب والتاجي في العراق ووصولا إلى سجن الصناعة في الحسكة مستغلة انشغال أميركا والغرب وروسيا والعالم أجمع بحرب الروس والأوكران ربما يكون جوا سانحا لعمليات كبيرة وترتيب صفوف تلك التنظيمات الإرهابية.

بالعودة إلى بدايات ظهور القاعدة ومن ثم تحول تيار أبو مصعب الزرقاوي إلى الدولة الإسلامية في العراق وصولا إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش )، نجد أن إيران والنظام السوري حليفي روسيا قد أطلقا سراح معظم الجهاديين وأصحاب الفكر السلفي في عام 2011 ليؤسسوا جماعات متشددة تحول قسم كبير منهم إلى جماعات وقيادات إرهابية لتشويه صورة الثورة في سوريا وجعل العراق قنبلة موقوتة وإحكام القبضة عليه، هنا يتضح التنسيق العالي بين حلفاء إيران وروسيا في المنطقة حيث عملية تسريح السجناء جاءت بالتوازي في سوريا والعراق في عهد المالكي، هذه العملية تم تغطيتها في سوريا من خلال مراسيم عفو رئاسية، وفي العراق من خلال إفساح المجال لمسلحين بالهجوم وتحرير السجناء الذين كانوا يصنفون بالأخطر وقتئذ. الخطة الإيرانية والتنفيذ الجيد لكل من النظامين السوري والعراقي في البلدين، في سوريا أنقذ بشار نفسه ونظامه وأصبح يسيطر على ثلثي سوريا وفي العراق سحقت المناطق السنية وأصبح الموالون لإيران هم المسيطرون بشكل مطلق في بغداد.

ليس مستبعدا لجوء بوتين وعن طريق حلفائه من دمشق إلى طهران والشيشان إلى إفساح المجال للجهاديين عن طريق الشيشانيين بإعلان مبايعة القاعدة وداعش والتنظيمات الجهادية وتجميعهم في أوكرانيا وإدخالهم إلى أوروبا

في ظل الضغوط الكبيرة على روسيا في حربها الحالية بأوكرانيا، ليس مستبعدا لجوء بوتين وعن طريق حلفائه من دمشق إلى طهران والشيشان إلى إفساح المجال للجهاديين عن طريق الشيشانيين بإعلان مبايعة القاعدة وداعش والتنظيمات الجهادية وتجميعهم في أوكرانيا وإدخالهم إلى أوروبا لتنتقل معاركهم إلى (أرض العدو) كما يودون تسميتها، لإرباك العالم وأوروبا خاصة وزجه في حرب على جبهات عدة وبأساليب مختلفة بدءا من العمليات الانتحارية إلى التفجيرات، ولكن يبقى تحدٍّ كبير أمام هذه الجماعات وهو تحدي الحاضنة الشعبية التي لن تكون كما عهدوها في سوريا و العراق ، لكن إذا طالت الحرب واشتدت العقوبات الدولية على روسيا فسيفقد بوتين صوابه، وستتغير كثير من الموازين والمفاهيم.

فمن الممكن من خلال تشديد الخناق على موسكو أن يكون للعقوبات مفعول عكسي يدفع بوتين لفعل أي شيء انتقاما من الغرب وأميركا، خاصة مع مرور الأشهر والسنين عندما تزيد العقوبات من تأثيرها الموجع على الاقتصاد الروسي وتزيد خسائر الروس العسكرية سيكون رد الدكتاتور - كما وصفه بايدن- عنيفا وجنونيا، ربما لن يصل لاستخدام النووي الذي لوح به، لكن بطريقة أخرى ونووي آخر بتحريك وتوحيد المنظمات المتطرفة ومنها الإسلامية التي يمكنه استعمالها بمساعدة حلفائه المذكورين، وتفجيرها في وجه أوروبا.