خطاب الصمود يساوي وجبة في مطعم "ناش كراي"

2022.06.10 | 06:47 دمشق

1_7.jpg
+A
حجم الخط
-A

من منَّا لا يعرف هذه المقولة الشهيرة "إنْ لم يجد الناس خبزاً فليأكلوا كعكاً" التي قالتها ملكة فرنسا ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر حين كان الفرنسيون يعانون من الفقر والمجاعة والحرمان، انتشرت هذه المقولة في الأوساط الشعبية وغير الشعبية ليس بسبب قائلتها فقط، بل لأنَّها تعد عبارة استفزازية ومهينة للفقراء من الشعب، وقد جاءت مستهجنة وفي غير موضعها، وعلى الرغم من الأقاويل الكثيرة التي تشكِّك في نسبة هذه المقولة لماري أنطوانيت، وتدَّعي بأنَّ قائلتها هي واحدة أخرى من النبيلات المخمليات، إلا أنَّ تركيزنا هو على ما تحمله هذه المقولة من معانٍ تحيل على الاستغباء وعدم شعور الأغنياء المتخمين بما يعانيه الفقراء من سوء أوضاع معيشية.

وانطلاقاً من حديثنا عن الفقر يحضرني تقرير الأمم المتحدة الذي صنَّف سوريا من البلدان الأشد فقراً في العالم، فحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في عام 2022 فإنَّ نسبة السوريين الذين يقبعون تحت خط الفقر بلغ 90% من سكانها، ولا ريب أنَّ هذه النسبة في طريقها إلى التزايد، بينما تبيَّن في إحصاء آخر أنَّ دخل الفرد السوري هو الأدنى في العالم، ومن المهم أن نشير إلى بروز ظاهرة اتساع الفروقات الطبقية بين السوريين، فسوريا أصبحت تتشكل من طبقتين لا ثالث لهما، إمَّا معدمة بشكل كامل، وهي التي تضم معظم أفراد الشعب، وإمَّا ثرية بشكل فاحش وهؤلاء يشكِّلون الأقلية من أفراد السلطة والمقرَّبين منهم.

ولا بدَّ لنا في السياق هذا أن نؤكِّد نقطة مهمة وهي أنَّ الثورة عندما اندلعت في سوريا لم تقم  بسبب أنَّ الناس كانوا يعانون من الفقر، فالثورة في سوريا كانت ثورة حرية من حيث المنطلق، ولكن يمكن أن نتحدث عن المآلات التي تسبَّب بها النظام في هذا المجال، فهي إن لم تكن ثورة مسغبة، فهي ثورة أدَّت بالشعب إلى أشد حالات الانحدار الاقتصادي، بسبب تهتك البنية التحتية، والعقوبات الاقتصادية التي لم تستطع أكتاف سوريا حملها، وظهور تجار الحرب الذين يعتاشون على رزق الناس ويغتنون من قوت يومهم، وسيقول قائل إنَّ هذا الأمر ليس جديداً على سوريا التي طالما نهبها لصوص النظام الأسدي وأتباعه، والأرقام الفلكية التي نقرؤها في حسابات البنوك السويسرية وغيرها أكبر دليل على ذلك، وطبعاً قانون (من أين لك هذا؟!) لا يتمُّ تطبيقه في مثل هذا النظام الفاسد الذي سرق واستحلَّ ثروات سوريا وضمَّها لحسابه الشخصي.

ولعل من أكثر الأخبار المثيرة التي شهدتها المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي خبر المطعم الروسي الذي تمَّ افتتاحه منذ عدة أيام ماضية في دمشق، مزة أوتستراد، والذي تملكه مستشارة الرئيس لونا الشبل وزوجها عمار ساعاتي، هذا المطعم الباذخ والذي كلَّف المستشارة الشبل مئات المليارات السورية كان وقعه على الشعب كوقع جملة الملكة ماري أنطوانيت، خاصة وأنَّها في لقائها الخاص على شاشة الإخبارية السورية عقب الانتخابات الأخيرة للأسد تشدَّقت وشرحت بشكل مستفيض مفهوم الصمود حتى صارت تسمَّى بسيدة الصمود والتصدي، وذلك حين صنَّفت الصمود الذي كان –كما ادَّعت- خياراً وحيداً للشعب السوري إلى صمود سلبي ينتظر فيه المواطنون الحلول وهم جالسون، أو بمعنى آخر وهم صامدون، وصمود إيجابي مقترن بالإرادة، يصل المواطن في نهايته إلى جني ما زرعه أثناء صموده!!! ويبدو أنَّ السيدة لونا بدأت مرحلة القطاف حين افتتحت هذا المطعم، وكأنَّ الشعب السوري كان ينقصه مطعم يقدم وجبات باهظة الثمن، أقل طبق فيه يساوي مئة ألف ليرة سورية، وعليكم فقط أن تحسبوا كم راتب يحتاج الموظف لكي يستطيع تناول وجبة مع الكافيار يطبخها شيف روسي، ببساطة لن نقول للونا من أين لك هذا؟ فالجواب يعرفه كلُّ واحد منَّا بشكل مبطَّن، ولكن أردت أن أتحدث عن كمية الاستخفاف بعقل السوريين الذين لا يزالون يهتفون باسم النظام، ويرددون بشكل ببغائي أجوف شعارات السلطة الأسدية الروسية، فبينما يصطف الناس طوابير مطولة ليحصلوا على رغيف من الخبز تقدم لونا الشبل أطباقاً روسية لا يمكن للسوريين أن يتخيلوا ما هي محتويات هذه الأطباق، بل تقول في لقاء آخر على قناة روسيا اليوم: (إنَّ الشعب السوري لن يموت جوعاً أو برداً) مثيرة زوبعة من السخط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فالشعب السوري يا لونا لا يعيش في القصر الجمهوري!!

يتقصَّد النظام الأسدي وأتباعه التعامي عن الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه سوريا، بل ويعيشون  في أبراج عاجية متعالية على الشعب المنهك والذي هو في قسم كبير منه بقي داخل سوريا لأنَّه لم يستطع الخروج من قبضة النظام، هذا النظام الذي تدعي فيه مستشارة الرئيس بأنَّ من واجب الشعب فيه الصمود لأنَّه لا يوجد خيار بديل عن الصمود، هذا النظام الذي يمارس المزيد من الإذلال والتفقير والتجويع ويدعو الشعب للتحمُّل حتى يتمكَّن النظام من كسر الحصار الاقتصادي، هذا النظام الذي يتبع سياسة منفصلة كلياً لا تسعى إلى البناء إطلاقاً، إنما دأبه الهدم بكلِّ ما تحمله كلمة الهدم من معانٍ لا تنبِّئ بقيام سوريا من جديد.

 

 

كلمات مفتاحية