حميميم: انسحابات وهمية وتكتيكات روسية تكشفها صور الأقمار الصناعية (2/2)

آخر التعديلات الروسية في القاعدة توسعة المدرج اليميني المجاور لمبنى القيادة - تلفزيون سوريا

2021.10.22 | 07:57 دمشق

نوع المصدر
إسطنبول - عمر الخطيب / عبد الله سكّر

نكمل في هذا التقرير تتبع التطورات التي حصلت في قاعدة حميميم عبر صور الأقمار الصناعية وعلاقتها مع تطورات التدخل الروسي العسكري في سوريا، وكنا استعرضنا في التقرير السابق مرحلة ما قبل قدوم الروس إلى سوريا وإعلان تدخلهم العسكري فيها في 30 من أيلول 2015.

 

عجلة روسية

التعجل الروسي لإعداد القاعدة كرمز للسيطرة كان واضحاً ولم تتوقف أعمال توسعة القاعدة حتى يومنا هذا، وتقدم لنا صور الأقمار الصناعية فرصة كبيرة لقراءة تحولات القاعدة على وقع تطور التدخل الروسي ما بين تعجل الإنجاز واستعراض السلاح الروسي وبين خيبات الأمل من ضعف النظام السوري والميليشيات الإيرانية، التي من المفروض أنها تقوم بالجهد البري، وصولاً إلى الصورة الحالية للقاعدة التي تحولت لمركز تحكم روسي بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وباتت محطة انطلاق التدخل العسكري الروسي في ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي.

 

التعديلات خطوة بخطوة

مع دخول القوات الروسية في شهر أيلول جرت وبسرعة كبيرة تعديلات مهمة في شمال المطار من جهتي الشرق والغرب، وبعد تتبعنا لتطور المطار، ظهر أن روسيا جهزت أرض المطار لجهة الغرب لاستعمالها في تخزين الذخيرة والسلاح، وفي الشرق تم وضع صناديق الذخيرة وتم بناء مهبط صغير للطائرات المقاتلة ملاصق للمدرج الأيسر، ويتسع هذا المهبط لأربع طائرات تصطف بجوار بعضها في خط واحد، ويلاحظ أيضاً أنه مع دخول القوات الروسية تم ربط المدرجين ببعضهما بممر تم إنشاؤه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

 

 

 

مهبط ثان للطائرات المقاتلة

استخدمت روسيا تدخلها العسكري في سوريا سبيلاً لاستعراض قدرات أسطولها الجوي لا سيما في غياب أنظمة الدفاع الجوي لدى السوريين حتى أنها لجأت لإطلاق صواريخ "كاليبر" من سفنها الحربية ونشرت منظومة صواريخ الدفاع الجوي إس 400، وعمدت روسيا إلى جلب أحدث طائراتها إلى حميميم بما فيها أربع طائرات "سوخوي 35" التي دخلت الخدمة في القوات الجوية الروسية عام 2015 وظهرت في حميميم في شهر شباط 2016 وهو الشهر الذي بدأت موسكو فيه أعمال بناء مهبط ثانٍ للطائرات المقاتلة مقابل قيادة القاعدة من طرف الشرق وتم الانتهاء من بنائها في أيلول للعام نفسه، وتلاه توسيع في مهبط طائرات الهيلوكوبتر بدأ في نيسان 2016 وانتهى في تموز  للعام ذاته أيضاً.

 

 

 

 

انسحاب كاذب والمطار يثبت فاعلية

في 14 من آذار 2016 وبعد نحو خمسة أشهر من تدخل روسيا العسكري قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان سحب جزء كبير من قواته في سوريا تحت عنوان انتهاء مهمتها، وجاء كلام بوتين، الذي تبين بعد فترة قصيرة عدم مصداقيته، وسط انتقادات دولية للتدخل الروسي واستهداف الطائرات الروسية للمدنيين السوريين بشكل متعمد وممنهج، وادعى بوتين في إعلانه أن بلاده حققت الهدف من تدخلها في مواجهة ارهاب تنظيم داعش، بينما في حقيقة الأمر كانت الغارات الروسية تستهدف بشكل أساسي القرى والمدن السورية المتحررة وفصائل الثوار السوريين، كما جاء إعلان بوتين بعد الإعلان عن إنشاء ما سمي "المركز الروسي للمصالحة في سوريا" في حميميم، ولكن ثبت للجميع أن شكوكهم في كلام بوتين كانت في مكانها إذ أن التغطية الإعلامية الروسية لما سموه الانسحاب سرعان ما تبين زيفه وعادت الطائرات واستأنف الروس غاراتهم بل تم نشر منظومة صواريخ "إسكندر إم" في حميميم، نهاية آذار، وهذه كانت المرة الأولى التي تنشر فيها روسيا هذه المنظومة خارج أراضيها.

وفي شباط  2017 تم بناء ممر ثانٍ بين المدرجين في حميميم مقابل المهبط الجديد وتم الانتهاء منه في تموز 2017.

 

 

 

 

الصور تثبت إصابة طائرات روسية

اعترفت وزارة الدفاع الروسية في 31 من كانون الأول/ ديسمبر 2017 بوقوع هجوم على قاعدة حميميم بالطائرات المسيرة، وادعت وقتها أن الغارات لم تؤدِ إلى وقوع إصابات في الطائرات مع اعترافها بمقتل جنديين، ولكن صحفياً روسياً، رومان سابونكوف، نشر في حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نحو أسبوع صوراً تظهر تعرض عدد من الطائرات لإصابات بالقنابل التي أسقطتها الطائرات وبحسب تصريحاته للـ بي بي سي وقتها أدى الهجوم لإصابة ست طائرات من طراز Su-24 وواحدة من طراز Su-35S وواحدة من طراز An-72 وأخرى من طراز An-30 بالإضافة إلى مروحية من طراز Mi-8..

 

 

وحرصاً من الروس على حجب طائراتهم من رصدها باستعمال الأقمار الصناعية، تم البدء في بناء هنكارات للطائرات المقاتلة في حزيران 2018، ولم ينته إلا في أواخر ذلك العام، وجرى خلال هذه المدة تخفيض عدد الطائرات المقاتلة في القاعدة، وتلاه أيضاً بناء هنكارات لطائرات الهيلوكوبتر استمر من شهر آب 2019 إلى شهر شباط 2020.

 

 

 

 

وآخر التعديلات التي قامت بها روسيا كانت في العام الجاري حيث تمت توسعة المدرج اليميني، المجاور لمبنى قيادة القاعدة، شمالاً وجنوباً وربطه أيضاً من الشمال بالمدرج الآخر، وبدأت هذه التوسعة في تموز 2020 وانتهت في أيار 2021، وفي 25 من أيار أعلنت وزارة الدفاع الرسية عن وصول ثلاث قاذفات استراتيجية من نوع توبولوف/TU-22M3   المتطورة إلى قاعدة حميميم.

 

 

في العام الحالي عاد اسم حميميم ليظهر من جديد في التقارير الأميركية ولكن هذه المرة ليس حول نشاط القاعدة في سوريا بل لاستخدام هذه القاعدة كمركز لوجيستي روسي لتمويل أعمالها العسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا ونشرت القيادة الأميركية الأفريقية في 26 من أيار 2021 صوراً التقطتها الأقمار الصناعية تظهر تحليق طائرات روسية إلى ليبيا وهو ما يؤكد أن روسيا تستخدم قاعدة حميميم لنقل الجنود والمعدات العسكرية والإمدادات إلى ليبيا، وقاعدة الوطية في بنغازي، كما استخدمت روسيا القاعدة لنقل الجنود والمعدات العسكرية لجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، ومن المعلوم أن جماعة مرتزقة فاغنر الروسية تنشط في هذه الدول.

فتح تدخل روسيا العسكري في سوريا المجال أمام موسكو لكسر العزلة الدولية التي فُرضت عليها بعد احتلالها شبه جزيرة القرم الأوكرانية وتدخلها العسكري في إقليم دونباس شرق أوكرانيا، وكانت قاعدة حميميم عنواناً لكسر هذ العزلة حيث حولتها موسكو لقاعدة عسكرية روسية متقدمة لتكون عنواناً لسيطرتها على سوريا، وأقامت فيها، بالإضافة لنشاطها العسكري، عدة مراكز تحت عناوين سياسية وإنسانية بحيث حاولت جعلها محطة إلزامية للجهود الإنسانية والسياسية الدولية في سوريا.