حزب داوود أوغلو: المستقبل أم الماضي؟

2019.12.15 | 17:14 دمشق

dawd_awghlw.jpeg
+A
حجم الخط
-A

أخيراً أعلن أحمد داوود أوغلو عن تأسيس حزبه الجديد، في فندق بيلكنت في أنقرة الذي شهد، في العام 2001، تأسيس حزب العدالة والتنمية الذي كان من مؤسسيه وشغل موقع رئاسته لفترة من الزمن قبل تهميشه.

لا بد أن اختيار هذا المكان بالذات أريد له أن يفعل فعل صدمة رمزية لدى جمهور الحزب الأم من خلال تذكيره بأن الانشقاق عن الحزب ليس بدعة جديدة كما يتهم في أوساط الموالاة، بل سبق لحزب العدالة والتنمية أن تأسس على انشقاق مماثل. كذلك قد يعني اختيار هذا المكان إشارة إلى "عودة إلى الأصول" أو إلى المبادئ والقيم الإيجابية التي تأسس عليها "العدالة والتنمية" ثم ابتعد عنها باطراد، في رأي داوود أوغلو وفريقه، بعد بقائه في السلطة لزمن قياسي بلغ 18 عاماً إلى اليوم. هذه العودة إلى الأصول هي ما كان داوود أوغلو قد أعطى إشاراته في "ظهوراته" الإعلامية السابقة، وبخاصة في "المانيفستو" الذي نشره على صفحته على موقع فيسبوك في شهر أيار الماضي.

غير أن اختيار اسم "المستقبل" للحزب الجديد يثير هذه المفارقة بين معناه ومعنى العودة المذكورة إلى المبادئ الأصلية. ليس هذا وحسب، بل إن داوود أوغلو وعدد كبير من الأعضاء المؤسسين (154 عضواً) كانوا، إلى ما قبل سنوات قليلة، في مواقع المسؤولية، ولم يقدموا، إلى الآن، نقداً ذاتياً يبرر اشتراكهم في إطلاق حزب يحمل اسم المستقبل بكل إيحاءاته الواعدة. داوود أوغلو بالذات يحمل إرثاً ثقيلاً يبرز فيه موضوعان: التدخل في الصراع السوري الذي كان هو مهندسه الأول وانتهى إلى فشل كبير، والحرب الداخلية في عام 2015، بعد الانتخابات العامة التي نجح فيها حزب الشعوب الديموقراطي بدخول البرلمان بثمانين نائباً، وكان وقتها رئيساً للوزراء، أي في موقع المسؤولية الأولى في السلطة التنفيذية.

في البيان التأسيسي الذي تلاه رئيس الوزراء السابق، وتضمن عرضاً موجزاً لبرنامج الحزب الجديد، أطلق مبادئ جذابة تلخص الرد الإيجابي على أبرز المشكلات التي تواجه تركيا اليوم

في البيان التأسيسي الذي تلاه رئيس الوزراء السابق، وتضمن عرضاً موجزاً لبرنامج الحزب الجديد، أطلق مبادئ جذابة تلخص الرد الإيجابي على أبرز المشكلات التي تواجه تركيا اليوم، فدعا إلى وضع دستور جديد تحرري يستعيد النظام البرلماني التعددي بدلاً من النظام الرئاسي المعمول به حالياً، وأكد على أهمية الفصل بين السلطات واستعادة معايير الكفاءة بدلاً من المحسوبيات، وشدد على علمانية النظام وديموقراطيته وتعدديته، كما على انتشال الإعلام من الحالة المزرية التي وصل إليها. وبخصوص "المسألة الكردية" كما سماها، دافع عن الحق في تعلم اللغة الأم واستخدامها. وفي علاقة الدين بالدولة، كان واضحاً في التأكيد على علمانية الدولة، مع إحالات عدة إلى مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، رافضاً استخدام الدين لأغراض سياسية.

الفريق المؤسس للحزب الجديد يتألف، بأكثريته، من البيئة المحافظة، وسبق لكثير منهم أن كانوا نواباً في البرلمان أو رؤساء منظمات محلية لحزب العدالة والتنمية، وبعضهم كانوا سفراء أو في مواقع أخرى من جهاز الدولة الإداري في عهد "العدالة والتنمية". وثمة مثقفون معروفون ممن كانوا من مؤيدي العدالة والتنمية في سنواته الأولى في السلطة كـ إتيين محجوبيان المفكر السياسي ذي الأصل الأرمني الذي شغل منصب مستشار لأحمد داوود أوغلو حين كان رئيساً للوزراء، وهاكان آلبايراك الكاتب والناشط الإسلامي الذي شارك في حملة فك الحصار عن غزة في سفينة مرمرة الزرقاء في العام 2010.

تتفاوت التوقعات بشأن قدرة حزب المستقبل على استقطاب جمهور كبير من الناخبين بما يخوله دخول البرلمان وتشكيل قطب جاذب جديد في البيئة المحافظة. وتتوقف هذه القدرة على عوامل كثيرة، منها قدرته على صياغة برنامج عمل يلبي تطلعات أوسع الفئات الاجتماعية ويجيد مخاطبة الجمهور من خلال مواقفه من مختلف المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومنها قدرته على منافسة الحزب الذي يتوقع الإعلان عنه قريباً بقيادة وزير الاقتصاد السابق علي باباجان في اجتذاب الجمهور من البيئة المحافظة نفسها. ومنها قدرته على الصمود في مواجهة الهجوم المتوقع من الحزب الأم وتطوير استراتيجيات دفاع مناسبة. ومنها كيفية استقبال أحزاب المعارضة للحزب الجديد. وقد تلقى حزب المستقبل أول استقبال إيجابي من "الحزب الخير" ذي الإيديولوجيا القومية حين أعلنت رئيسة الحزب مرال آكشنر عن استعداد حزبها لـ"إعارة" عشرين نائباً منه للحزب الجديد لتمكينه من إنشاء مجموعته البرلمانية الخاصة في مجلس النواب، بما يتيح له المشاركة في الانتخابات القادمة بلوائحه المستقلة. فقد سبق للحزب الخير نفسه أن استعار نواباً من حزب الشعب الجمهوري للهدف نفسه. فهذا نوع من التحايل المشروع على قانون الانتخابات الذي يفرض شروطاً صعبة على الأحزاب الجديدة ويضع أمامها عقبات كبيرة أهمها حاجز العشرة بالمئة الشهير.

بصرف النظر عن قدرة حزب المستقبل في احتلال حيز معين من الخريطة السياسية في تركيا من عدمها، فإن ظهور حزبين جديدين منشقين عن حزب العدالة والتنمية، إضافة إلى حزب السعادة الذي سبق لـ"العدالة والتنمية" أن انشق عنه في العام 2001، من شأنه إضفاء التنوع على خيارات الناخب المحافظ، وهو ما يعني خسارة صافية من رصيد الحزب الحاكم مهما كان حجمها. ويتوقع أغلب المحللين في الإعلام التركي أن تخاض الانتخابات المقبلة في العام 2023، بين ائتلافين وليس بين مجموعة أحزاب منفردة، الأمر الذي سبق وتمت تجربته في الانتخابات العامة والرئاسية في حزيران 2018، كما في الانتخابات المحلية في آذار وحزيران 2019. فكان هناك ائتلاف السلطة (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) وائتلاف المعارضة (حزب الشعب الجمهوري والحزب الخير وحزب السعادة) وقد دعم حزب الشعوب الديموقراطي ائتلاف المعارضة من خارجه.

ومن الاحتمالات الواردة أن تقوم السلطة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل أن يتمكن الحزبان الجديدان من الانتهاء من استعداداتهما لخوضها، أي قبل أن يتفاعلا مع جمهور الناخبين بما يكفي للحصول على أصواته.