icon
التغطية الحية

حزب الله وإسرائيل باتا على مشارف الحرب

2024.06.29 | 05:53 دمشق

آخر تحديث: 29.06.2024 | 05:53 دمشق

قصف إسرائيلي لمنطقة الخيام بالجنوب اللبناني في 25 حزيران 2024
قصف إسرائيلي لمنطقة الخيام بالجنوب اللبناني في 25 حزيران 2024
Bloomberg- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أصبح الشمال الإسرائيلي عبارة عن مدن أشباح، إذ ترى فيها بيوتاً مهجورة وبساتين محروقة بسبب صواريخ حزب الله، كما تعرضت أجزاء من الجنوب اللبناني إلى قصف إسرائيلي عنيف حولها إلى ركام، ولذلك نزح الآلاف من السكان من كلا الطرفين.

بيد أن ضربات العين بالعين التي حافظت على وتيرة منتظمة وبشعة بين إسرائيل وحزب الله منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول الماضي قد تغيرت لشيء أكثر رعباً، فقد أطلق حزب الله على إسرائيل رقماً قياسياً من القذائف، أي نحو 900 منها، خلال هذا الشهر، وأعلن الأمين العام لحزب الله بأن لديهم كثيراً من المتطوعين المستعدين لمحاربة إسرائيل "من دون أي قواعد أو قيود أو حتى أي سقف" على حد تعبيره. في حين تنفذ إسرائيل هجمات أشد تدميراً وعمقاً في لبنان، إذ إن القيادة العسكرية الشمالية في إسرائيل قد وافقت على خطة الحرب مع لبنان.

لا أحد يريد الحرب

في الوقت الذي أعلنت فيه كل من إسرائيل وحزب الله المدعوم إيرانياً عن عدم رغبتهما بخوض حرب شاملة، زاد القلق أكثر من ذي قبل حيال تورطهما في حرب كهذه، أو تعمدهما شن هذه الحرب. إذ يدافع الإسرائيليون عن فكرة الحرب اعتقاداً منهم بأنها ستكون قصيرة، مسألة أسابيع لا أكثر، في حين أعرب آخرون عن عميق تشاؤمهم.

قد يشهد الشرق الأوسط حرباً إقليمية كبرى تزيد معها أسعار النفط وتنهار الأسواق المالية برأي آرون ديفيد ميلر وهو عضو رفيع سابق لدى مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومفاوض سابق باسم وزارة الخارجية في المفاوضات التي قامت بين العرب وإسرائيل، ويضيف: "لا أحد يرغب بقيام حرب كهذه".

زار كبار الدبلوماسيين الأميركيين والفرنسيين القدس وبيروت ضمن سعيهم للدفع بقوة باتجاه منع التصعيد الذي قد تنجر إليه إيران، إلى جانب الميليشيات المتحالفة معها في العراق وسوريا واليمن، ناهيك عن تورط الولايات المتحدة في حرب كهذه، خاصة مع سعي الرئيس جو بايدن الحثيث لتجنب خوض حرب جديدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي ستقام في شهر تشرين الثاني المقبل. وفي حين لم تتواصل واشنطن بشكل مباشر مع حزب الله، فقد استعانت برئيس البرلمان اللبناني نبيه بري كحلقة وصل.

إذ تقوم الخطة الأميركية على إنهاء الأعمال العدائية عبر إناطة الأمر بنقل حزب الله لمقاتليه بعيداً عن الحدود، وفي الوقت الذي يفرض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي صدر عام 2006 عقب آخر جولة من القتال بين إسرائيل وحزب الله على هذا الحزب أن يبتعد عن الحدود مسافة 30 كيلومتراً، فإن المفاوضات بدأت على عشرة كيلومترات، بحيث يستعاض عن حزب الله بقوات دولية وعساكر من الجيش اللبناني، في حين تتولى لجنة تؤلف لهذا الغرض بمعالجة الخلافات حول الخط الحدودي المشترك.

بيد أن حزب الله يرى بأن لجولة التوتر الأخيرة مصدراً وأساساً، ألا وهو الحرب في غزة، والحل هو وقف إطلاق النار في غزة، إذ بمجرد أن تضع إسرائيل وحماس سلاحها، سيصبح حزب الله منفتحاً على خوض مفاوضات بشأن حدود لبنان.

"لا قبل لنا بغزة أخرى"

أبلغ بري المبعوث الأميركي، عاموس هوشستين، خلال الأسبوع الماضي بأن أقصى ما بوسعه فعله هو أن يضغط على الحزب ليخفف من التوتر عبر وقف إطلاق النار في العمق الإسرائيلي، وذلك بحسب ما صرح به مسؤول لبناني حضر تلك المحادثات. وعند زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لواشنطن خلال هذا الأسبوع، حثه بايدن على منح الدبلوماسية فرصة مع وقف أي توسع عسكري.

وخلال الأسبوع الماضي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، من أي تحرك طائش أو خطأ في الحسابات، لأن ذلك من شأنه أن يتسبب بحدوث كارثة تتجاوز حدود المنطقة، وتفوق كل ما يمكن للخيال أن يصل إليه بكل صراحة على حد تعبيره، وأضاف: "لنكن واضحين، لن تتحمل شعوب المنطقة ولا شعوب العالم أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى".

بيد أن السير بالتوازي مع غزة واقع لا مفر منه، إذ إن الولايات المتحدة تصنف حماس وحزب الله على أنهما مجموعتان إرهابيتان، تتلقيان الدعم من إيران، وكلا الحزبين يعتبر وجود إسرائيل أمراً غير مشروع، ويريان في حربهما معها حرباً وجودية مقدسة. وكما نشأ حزب الله في غزة خلال ثمانينيات القرن الماضي ليكون حركة مقاتلة تقف ضد الاحتلال الإسرائيلي، كذلك نشأ حزب الله لتحقيق هذه الغاية من لبنان.

لكن الفروقات المهمة بين الطرفين تعني بأن الحرب مع حزب الله ستكون مدمرة بشكل أكبر، وذلك لأن حزب الله أهم من حماس بالنسبة لإيران، وبقدر ما كان هجوم حماس في السابع من تشرين الأول صادماً بالنسبة لإسرائيل، فإن حزب الله يمثل قوة عسكرية أعتى بكثير من حماس.

عبر التركيز والاستعداد المكثف على مدار السنة والنصف الماضية، حشد حزب الله 100 ألف رجل إلى جانب تخزينه لنحو 150 ألف صاروخ وقذيفة، بوسع نصفها أن يصل إلى أهم المدن الإسرائيلية، فضلاً عن تخزينه لترسانة كبيرة من المسيرات الهجومية.

وهذا يعني بأن نظم الدفاع الجوي التي لطالما تغنت بها إسرائيل وعلى رأسها القبة الحديدية، ومقلاع داوود، والسهم، كلها ستستهدف بهجمات حزب الله التي من المتوقع أن تصل إلى ثلاثة آلاف صاروخ باليوم على مدار بضعة أسابيع، خاصة إن ترافقت تلك الهجمات مع هجمات أخرى تشنها الميليشيات الموجودة في سوريا والعراق واليمن. ولذلك أضحت محطات الطاقة ومنصات استخراج الغاز في البحر، والقواعد العسكرية والمطارات والآلاف من المدنيين العاديين عرضة للخطر كما تبين في مقطع فيديو نشره حزب الله خلال الأسبوع الماضي ويظهر فيه مقطع مصور بواسطة مسيرة لأهم المقارّ التي يمكن استهدافها.

كما أن الضغط على الاقتصاد سيغدو شديداً، إذ يقدر وزير المالية الإسرائيلي لمعدل نمو الناتج القومي الإجمالي أن يهبط من 1.9% إلى 1.5% نظراً لتجنيد قوات الاحتياط وتعثر البنية التحتية وانقطاع التعليم، وهذا بدوره يمكن أن يتسبب بتخفيض المستوى الائتماني لإسرائيل بنسبة أكبر.

على الجانب الآخر من الحدود، ثمة صورة أشد قتامة، تبدأ من منطقة أكثر تعاسة، فقد سوت الغارات الجوية الإسرائيلية أحياء في قرى جنوب لبنان بالأرض وعلى رأسها عيتا الشعب، عيترون، والخيام، ما دفع بالآلاف من الناس إلى النزوح وهذا ما تسبب بالضغط على الاقتصاد الذي ما يزال يعاني بسبب الانهيار المالي الذي يعاني منه لبنان منذ أربع سنوات والذي تسبب بتخلف البلد عن سداد السندات الأوروبية للمرة الأولى في تاريخه مع انهيار شديد في العملة.

تغيرات جيوسياسية

عندما انتهت حرب عام 2006 بعد 34 يوماً، تعهدت دول الخليج العربية بدفع مليارات الدولارات لمساعدة لبنان في إعادة بناء البنية التحتية التي تضم المطارات والموانئ وأبراج الاتصالات، ومحطات الطاقة والجسور بعيداً عن الحدود مع إسرائيل بمسافة بلغت 140 كيلومتراً.

لم يعد الشارع اللبناني يريد جولة أخرى من القتال، لأنها ستحمل معها مزيداً من القتلى والجرحى والدمار الذي قد يبقى مدى الدهر بلا أي إصلاح، كما أن وجه الشرق الأوسط قد تغير اليوم، فالسعودية التي كانت من أهم الداعمين وأصحاب النفوذ في السياسة اللبنانية لم تعد لديها مصالح في لبنان، ولهذا تركت الشيعة بقيادة حزب الله ليصبحوا القوة التي لا يمكن لأحد أن يشق لها غباراً في البلد.

خلال الأسبوع الماضي، أعلن وزير الخارجية الأميركي بلينكن بأنه لا يعتقد بأن أياً من الأطراف المتحاربة تود أن تشهد أي توسع للحرب أو النزاع فعلياً، ومثله مثل غوتيرش ذكر بأن أي خطأ في الحسابات أو الفهم يمكن أن يؤدي لقيام حرب.

وبعيداً عن الدبلوماسيين، تعتمد إدارة بايدن على سلسلة التوريد الخاصة بها، لتجنب توسع النزاع، وذلك عبر إبطاء تسليم شحنات الأسلحة لإسرائيل، لكنها طمأنت إسرائيل بأنها ستساعدها في حال اندلاع الحرب، في حين أحجمت عن التعهد بتقديم دعم شامل.

في الحقيقة، لا تريد إسرائيل فتح جبهة ثانية إلى أن تفرغ من حملتها على حماس في غزة، وهذه الحملة قد تستغرق أسابيع أو شهوراً.

ومع ذلك يعتقد الإسرائيليون بأن وابل الصواريخ والقذائف التي يطلقها حزب الله عليهم ما هي إلا عدوان سافر، ولهذا قد ينعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتأييد شعبي واسع بعد أن هدد بدحر حزب الله عن الحدود، على الرغم من كل تلك المخاطر.

وتعقيباً على ذلك علقت هاجر الشمالي مؤسسة منظمة غيرنويتش ميديا للاستراتيجيات المتخصصة بالاستشارات الجيوسياسية، فقالت: "ثمة تهديدات كثيرة بين حزب الله والحكومة الإسرائيلية في الوقت الراهن، إلا أن هذا لا يعني توسع الحرب بشكل خطير، غير أننا سنشهد خلال هذا الصيف زيادة كبيرة في التوتر".

 المصدر: Bloomberg