icon
التغطية الحية

حريق البزورية يُسجل ضد مجهول ومخاوف من سيناريو 2016 (صور)

2020.07.30 | 10:41 دمشق

hryq_alswq_3.jpg
حريق سوق البزورية في دمشق القديمة (تلفزيون سوريا)
دمشق - خاص
+A
حجم الخط
-A

"جاءني اتصال مساء السبت من أحد جيراني في السوق، يقول لي: احترق الخان يا أبو محمد (اسم مستعار). لم استوعب حجم الكارثة وتخيّلت أنه حريق صغير أو أنه طال أجزاءً من محال ضمن الخان، فتوجهت مسرعاً إلى المكان وكان اللهيب كلما اقتربت يزداد حرارة حتى كاد قلبي أن يتوقف على شقى عمري".

عشر سيارات إطفاء استمرت بالعمل على إخماد حريق خان الصواف أو "خان المصري" في سوق البزورية مساء السبت لنحو ساعة ونصف، ولتبدأ التحقيقات من لحظة العمل على الإخماد وفقاً للشرطة والإطفاء، لكن إلى اليوم حتى الكهرباء بريئة منه، ليتم تسجيل الحريق ضد مجهول.

يعود عمر الخان إلى أكثر من 200 عام، وسوق البزورية إلى أكثر من 400 عام، فقبل العهد الأيوبي كان السوق لبيع القمح ثم تحول للعطارة والبذوريات، ثم توسع بالخانات وذاع صيته في العهد العثماني تقريباً عام 1748 م.

وفي جولة ضمن السوق بدا الخوف واضحاً على وجوه باقي التجار، فأغلبهم رفض الحديث عن القضية أو اتهام جهة أو حتى ترجيح فرضية الماس الكهربائي، واكتفت الردود بـ"الله بعين.. الله بعوض.. لازم ننتبه أكتر".

استمرت عمليات إزالة الأنقاض نحو 3 أيام، بينما تبين على أرض الواقع أن الحريق التهم الخان بكامله، من محال ومستودعات بعدد عقارات يقارب الـ20 بحسب تصريح أحد تجار السوق لموقع تلفزيون سوريا، في رواية مخالفة لرواية فوج إطفاء دمشق عبر وكالة سانا الرسمية التي تقول إن الحريق التهم محلاً ومستودعاً فقط.

حريق السوق (2).jpg
آثار حريق سوق البزورية في دمشق القديمة (تلفزيون سوريا)

 

تماس كهربائي

"كارثة ضخمة، الحريق لم يطول الخان فقط، بل طال قلوب أهالي سكان دمشق القديمة التي انطمست إحدى أهم معالمها التاريخية كما طمست غيرها سابقاً، وتركت غصة بقلوبهم وفوبيا من شيء اسمه حريق يبدأ هنا وقد لا ينتهي كما حدث في سنوات سابقة"، بحسب أبو محمد الذي قدّر خسائره وحده بـ50 مليون ليرة سورية كبضائع عدا الكاش الموجود ضمن المحل والذي يقدر بنحو 2 مليون ليرة.

أبو محمد يرجح فرضية التماس الكهربائي، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، مبرراً ذلك على اعتبار أن التيار كان غير مستقر، والكهرباء تقطع وتوصل كل 10 دقائق، وهذا قد يؤدي فعلاً لتماس كهربائي، مشيراً إلى أن فرضية فعل الفاعل شبه مستبعدة لأن الخان يغلق مساءً ومن شبه المستحيل الدخول إليه دون أن يلحظ ذلك أحد.

لكن، أحد تجار سوق البزورية، قال بصوت هامس "يعني بشرفك، التماس الكهربائي مو ممكن يكون بفعل فاعل!" ثم صمت، حاولنا انتزاع الكلام منه لكنه رفض واكتفى بالقول "روح شوف مين رح يمول الترميم بتعرف شو القصة".

أغلب التجار في السوق إما رفضوا الحديث عن القضية أو تحدثوا عن فرضية أن تكون الكهرباء السبب، محملين وزارة الكهرباء ومديرية دمشق القديمة، وحتى أصحاب المحال ما وصفوه بـ"الاستهتار" باتخاذ وسائل الحماية، بينما قلة قلية لمّحوا لفرضية أُغلق الحديث عنها عام 2017 بعد سلسلة حرائق بدأت عام 2016 واستمرت حتى 2017 في محيط المسجد الأموي، والتي تقول إن أطرافاً إيرانية تعمل على حرق دمشق القديمة، ثم شراء العقارات محروقة مستغلين خسارة أصحابها، أو أن إيران عرضت شراء المحال والمنازل المحيطة بالمقدسات من أصحابها لكنهم رفضوا فحرقتها.

حريق السوق (1).jpg
آثار حريق سوق البزورية في دمشق القديمة (تلفزيون سوريا)

 

فرضية مختلفة

تاجر في السوق قال لموقع تلفزيون سوريا، إن "محمد حمشو شريك مع محافظة دمشق ومقرب من إيران، ويمول عادةً مثل هذه الأضرار مقابل الترميم  لكن عبر وسطاء ومكاتب عقارية، على أساس استملاك طوابق علوية تبنى حديثاً أو الاستحواذ على الطوابق العلوية الموجودة، أو أخذ حصص من المالكين"، وتابع "عندما حضر المحافظ إلى سوق البزورية بعد الحريق لم يتحدث عن أي تعويض، بل تحدث عن إزالة مخلّفات الحريق مع تقديم تسهيلات كبيرة لتأهيل المحال، وهو يعلم كم التجار بحاجة لقروض أو تمويل لإعادة رأسمالهم".

محمد حمشو مقرب جداً وداعم لمحافظة دمشق، قبل أن يكون رجل إيران في سوريا، فقد أعلنت محافظة دمشق آذار الماضي مع بدء إجراءات التصدي لكورونا، أن مجموعة شركات حمشو، بدأت بالتنسيق مع محافظة دمشق وبإشرافها بتوزيع المواد الغذائية والأولية والمعقمات ووسائل الحماية، كما ستساهم بما تملكه من آليات وموظفين وأموال في تنفيذ جزء من خطة العمل التي تقوم الآن كوادر المحافظة بتحديده.

ويشغل حمشو حاليًا منصب أمين سر غرفة تجارة دمشق، وأمين سر اتحاد غرف التجارة السورية منذ عام 2014، وهو رئيس ومؤسس لـمجلس المعادن والصهر الذي شُكل عام 2015، وارتبط بأغلب ملفات إعادة الإعمار.

حريق السوق (4).jpg
آثار حريق سوق البزورية في دمشق القديمة (تلفزيون سوريا)

 

أياد إيرانية

لكن تبقى فرضية حمشو، وحتى فرضية ضلوع إيران في الحريق غير موثقة أو دقيقة، وهذا ما يؤكده أكثر من شخص من سكان دمشق القديمة وتجارها، قائلين "لو كانت إيران مسؤولة عن ذلك في سبيل السيطرة على المناطق المحيطة في السوق، لسيطرت منذ سنوات وبأساليب أفضل دون تدمير المحال والأسواق وخسارة الأبنية التاريخية، فالمنطقة مقدسة بالنسبة إليهم وفقاً لهذه الرواية، ولو أنها تريد الحرائق أسلوباً لحرقت كل الأحياء التي تحيط بمزاراتها في سوريا وليس دمشق القديمة فقط".

وأضافوا "لم نشهد سابقاً اهتماماً من الزوار الإيرانيين بالمنطقة، وكل اهتمامهم كان في مزاراتهم فقط"، مؤكدين أن " إيران تستطيع السيطرة على أي مكان أو سوق تريد بقرارات حكومية تخدمهم بشكل غير مباشر أو عبر وسطاء سوريين، لكن القضية ببساطة عبارة عن إهمال للمنطقة من قبل محافظة دمشق وأصحاب المحال، فتمديدات الكهرباء قديمة جداً والأحمال عليها مرتفعة جداً، ولا توجد أي أنظمة لتفادي الحرائق، إضافة إلى أن البناء قديم جداً وخشبي في تلك المناطق وهو قابل للاشتعال بسرعة كبيرة".

حريق السوق (6).jpg
آثار حريق سوق البزورية في دمشق القديمة (تلفزيون سوريا)

 

تلميحات من مقربين للنظام

رغم أن أصحاب السوق قالوا ذلك، إلا أن شريحة واسعة من مؤيدي النظام خارج السوق يؤيدون وجود نظرية مؤامرة خلف حرائق دمشق القديمة التي بدأت 2016 وانتهت 2017 لتعود من جديد 2020.

الدبلوماسي والسفير السوري السابق في بريطانيا سامي الخيمي، كتب في صفحته على فيسبوك: احرصوا على دمشق القديمة .. بعد حريق البزورية... قد لا يتبادر لذهن الكثيرين منا أنّ دمشق القديمة هي آخر معقل تاريخي حقيقي يثبت أن تاريخ بلاد الشام هو ملك لسكان بلاد الشام وليس للطارئين ومغتصبي أرضنا في فلسطين".

وتابع الخيمي الذي ترك منصبه مع بدء الثورة في سوريا وانتقل إلى لبنان دون إعلان معارضته للنظام أو انشقاقه عنه "أقول هذا الكلام لأنبه من الخطر المحدق بهذه البقعة المقدسة. فبعد احتلال القدس وتدمير جزء كبير من أسواق حلب وإزالة تدمر من الوجود، بقيت الشام القديمة فقط".

الاتهام غير واضح من قبل الخيمي الذي وصف بمنشور له عام 2016 إيران بالانتداب، لكنه يلمّح لوجود نظرية للاستيلاء على المنطقة موجهاً الاتهام لمن وصفهم بـ"المارقين" ومن اغتصب فلسطين على حد تعبيره، بينما انتقده بعض المعلقين على منشوره، بأنه يجب أن يسمي المسميات كما هي ويوجه اتهامه إلى إيران صراحة بدلاً من قول "المارقين".

لماذا إيران؟

وبدأت أصابع الاتهام تدور حول إيران بافتعال حرائق دمشق القديمة المحيطة بالمسجد الأموي، في نيسان عام 2016 حتى 2017 حيث كثرت الحرائق بمحيط المقدسات الشيعية حول المسجد الأموي، وفي العامين المذكورين شهد سوق الحميدية "لطميات" شيعية في ظاهرة استنكرها الشارع الدمشقي.

وفي نيسان 2016 التهمت النار أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية خلف المسجد قرب مقام السيدة رقية، وكانت أرقام الأضرار تتحدث عن نحو ملياري ليرة سورية، والسبب حينها سجل على أنه ماس كهربائي في أحد المحال.

وفي تشرين الأول من العام نفسه، شب حريق في سوق ساروجة بحارة المفتي، في البيوت المقابلة لباب جامع الورد، عند مدخل طريق عين الكرش، واحترقت 3 منازل بالكامل واختلفت الروايات حينها بين رواية تتحدث عن رغبة أحد التجار بشراء منزل من المنازل لكن ملاكه رفضوا، وبين الرواية الرسمية التي تتحدث عن مفحمة كبيرة تزود المقاهي المجاورة بالفحم.

وفي كانون الأول من 2016، نشب حريق هائل بحسب الشهود في سوق الحميدية، ما أسفر عن أضرار مادية بلا أي خسائر في الأرواح، ورجحت الروايات الرسمية، أن يكون سبب الحريق ماس كهربائي في أحد المحال التجارية في سوق "مردم بيك" بالحميدية وامتد إلى تسعة محال أخرى.

وعادت الحرائق في تموز 2017، مع نشوب حريق بمنطقة باب الجابية (سوق الصوف) بدمشق، وبقي سببه مجهول، ولم يتطرق الإعلام الرسمي إلى خسائره أو حجمه، وبقي الخبر عبارة عن سطر واحد عبر صفحة دمشق الآن.

وفي أيلول من ذات العام، نشب حريق في المحال والمنازل الواقعة عند مدخل السوق العتيق أو "سوق الهال القديم"، في حي العمارة الواقع إلى شمال سوق العصرونية، ما أدى إلى وفاة 3 أشخاص وانهيار عشرات المحال والمنازل القديمة المسقوفة بأعمدة خشبية في منطقة مخالفات، وجاء حريق السوق العتيق، بعد يومين من حريق ضخم شب في متاجر للأخشاب بسوق المناخلية، ضمن سور دمشق الأثري.

وفي تشرين الأول 2017، نشب حريق آخر في سوق العصرونية جرى التعتيم عليه إعلامياً، واقتصر خبر الحريق على بضع كلمات أوردتها صفحة يوميات قذيفة هاون على "فيسبوك"، وجاء فيه "نشوب حريق في سوق (العصرونية) في دمشق القديمة مجهول السبب، من دون ورود أنباء عن إصابات بشرية".

وتعود ملكية كثير من المحال في أسواق الحريقة ومدحت باشا وسوق الصوف إلى سوريين من أتباع الديانة اليهودية غادروا البلاد في عامي 1974 و1993، وبقي في تلك المحال مستأجروها القدامى وهم غير ملاك للمحال في الغالب.