حرب غزة.. على مفترق طرق التجارة العالمية

2024.01.05 | 05:55 دمشق

حرب غزة.. على مفترق طرق التجارة العالمية
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة مستويات للحرب على قطاع غزة. جميعها ترتكز على أهداف بعيدة المدى ولها سياقاتها بما يُرسم للمنطقة في مسار إعادة رسم الخرائط. المستوى الأول للحرب، له البعد المباشر الانتقامي والتدميري والتهجيري في سياق سعي إسرائيل لاستعادة معنوياتها وهيبتها التي كسرت في عملية طوفان الأقصى. وهو ما تمارسه منذ أكثر من ثلاثة أشهر من دون تحقيق أهداف عسكرية واضحة وفق ما أعلنت عنه، لكنها تواصل عمليات التهجير والقتل. المستوى الثاني، يتصل بالقضية الفلسطينية ككل من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، والتي تريد إسرائيل إنهاءها برفض كل الحلول المقترحة والقضاء على صيغة حل الدولتين، ولذلك فإن الحرب التي تخوضها في القطاع، لها ما يقابلها في الضفة الغربية من دون إغفال السعي إلى التهجير وزيادة الاستيطان. أما المستوى الثالث فذا بعد إقليمي دولي يتصل بجغرافيا خطوط الملاحة والتجارة وبصراعات إقليمية ودولية.

يبقى المستوى الثالث هو الذي يمكنه تفسير كثير مما يحصل سواء بما يتعلق بمسار الحرب، أو بتضارب المصالح الإقليمية والدولية. أول ما أبرزته تلك الحرب هو العودة الأميركية بإصرار إلى منطقة الشرق الأوسط، مدمرات وبوارج وإثبات حضور عسكري قوي داعم لإسرائيل. يأتي ذلك بعد كثير من المؤشرات حول الانسحاب الأميركي للتفرغ للاهتمام بمواجهة الصين وتمددها. لكن واشنطن اكتشفت أن الصين لديها سياسة شرق أوسطية وتأخذ هذه المنطقة ضمن سلة الحزام والطريق، والذي تريد أميركا قطع الطريق عليها.

خلال استهداف طرق التجارة العالمية ما يؤثر على الملاحة البحرية، وقد ركز الحوثيون على استهداف سفن تجارية لا سفن عسكرية. ما يثبت أكثر أن الصراع يتصل بممرات وطرق التجارة العالمية

في مقابل هذه المبادرة الصينية، عملت أميركا على الإعلان عن مشروع طريق الهند، والذي يصل آسيا بأوروبا مروراً بالخليج وتحديداً السعودية والإمارات وصولاً إلى حيفا ومن هناك إلى أوروبا. جاء تشييد الصين لمبادرة الحزام والطريق بعد سعيها لتكريس اتفاق سعودي إيراني ما أبرز السياسة الصينية الشرق أوسطية. وبعدها جاءت زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى بكين والتي شهدت توقيع اتفاقيات تضم سوريا إلى الحزام والطريق. بعد هذه الزيارة، وتحديداً قبل يومين من عملية طوفان الأقصى، حصل أكبر تفجير في الكلية الحربية في حمص، وفي قراءته إشارة واضحة إلى أن طريق الحرير الصيني غير آمن وخصوصاً في سوريا. في 7 تشرين الأول، حصلت عملية طوفان الأقصى، والتي يمكن قراءتها أيضاً في سياق انعدام الأمن والاستقرار على طريق الهند أوروبا والتي تشكل فيها إسرائيل درة تاج هذا المشروع.

ما يمكن أن يوضح أبعاد هذا الصراع بين الطرق والمشاريع الدولية، هو دخول الحوثيين على خطّ المواجهة في البحر الأحمر، من خلال استهداف طرق التجارة العالمية ما يؤثر على الملاحة البحرية، وقد ركز الحوثيون على استهداف سفن تجارية لا سفن عسكرية. ما يثبت أكثر أن الصراع يتصل بممرات وطرق التجارة العالمية. وهي معركة جديدة تفتحها إيران في سياق السعي للوصول إلى تكريس دورها على البحر الأحمر، وربطه بالبحر المتوسط من الناحية السياسية والأمنية، خصوصاً بعد تهديد مسؤولين إيرانيين بقدرتهم على إغلاق مضيق جبل طارق، وبالتالي تصبح طهران مؤثرة على ثلاثة مضائق، جبل طارق، باب المندب، وهرمز.

عملياً، أصبحت المنطقة على مشارف إما تسوية كبرى يتم الوصول إليها في الفترة المقبلة أو حرب كبرى بعد سنة أو أكثر، ما هو مطروح في سياقات التفاوض على التسوية الكبرى، فكل ما يرتبط بالنفوذ الإيراني، والاعتراف به أميركياً ودولياً في المنطقة من العراق إلى سوريا، فلبنان وفلسطين واليمن. إلى جانب السعي لمعالجة الوضع الفلسطيني وكيفية حل القضية وتركيب هذا الحلّ وإعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وموقع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ومنح الفلسطينيين لحقوقهم. بالإضافة إلى معالجة وضع سوريا والعراق والوجود الأميركي فيهما، أما لبنان فسيكون ضمناً وملحقاً. المستجد بعد عملية طوفان الأقصى هو الوضع في اليمن، والذي يسير وفق مسارين، مسار التفاوض الحوثي السعودي الذي لم يتعطل بفعل كل التطورات وهو يرتبط بالعلاقة الإيرانية السعودية وسط حرص الطرفين على عدم التصعيد أو تخريب المسار. أما المسار الثاني فهو دخول الحوثيين على خط تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وكيفية ترتيبها ربطاً بوقف إطلاق النار في غزة.

هدف إيران هو منع التصعيد، وتلافي أي ضربة أميركية على الحوثيين وهي من شأنها في حال حصلت أن تؤدي إلى إشعال جبهات كثيرة ولن يكون في صالح الإيرانيين

لم تؤثر عمليات الحوثيين على مسار العمليات العسكرية في غزة، لكن تأثيرها كان له بعد استراتيجي على الملاحة وعلى حماية النظام الدولي. في حين سارع الأميركيون إلى الإعلان عن إنشاء تحالف لحماية هذه الملاحة في البحر الأحمر علماً أن تشكيل التحالف قد فشل. هنا لا بد من التذكير أن هناك تحالفاً قائماً منذ العام 2002، وهو التحالف البحري الذي يضم 32 دولة بما فيها كل دول الخليج لحماية الملاحة في المحيط الهندي والبحر الأحمر، ولكن لم يتم تفعيله من قبل الأميركيين الذين ذهبوا إلى الإعلان عن تحالف جديد، مع علم مسبق لديهم أن هذا التحالف سيفشل وقد فشل إثر رفض دول خليجية عديدة المشاركة فيه، ما سيدفع الأميركيين لاستخدام الفشل للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات والقبول بالتسويات المقترحة والذهاب إلى وقف إطلاق نار وإطلاق المسار السياسي.

يأتي فشل التحالف بالتزامن مع إعلان الأميركيين سحب مدمرتهم البحرية جيرالد فورد من شرق البحر المتوسط، فيما عملت إيران على إرسال مدمرة بحرية إلى البحر الأحمر. هدف إيران هو منع التصعيد، وتلافي أي ضربة أميركية على الحوثيين وهي من شأنها في حال حصلت أن تؤدي إلى إشعال جبهات كثيرة ولن يكون في صالح الإيرانيين، وهي لن تكون قادرة على تحمّل تبعاتها.